تاريخ مكة قبل الاسلام وقبل الفتح
الجزء الخامس عشر
تحريم الربا قوض التجارة وقوض مكة ونقل المجد للمدينة ثم الى دمشق
على أية حال الإسلام عندما حرّم الربا لم يُنظِّم التجارة، ولكنه قوّضها وهدمها. فالتجارة لا بُدَّ لها من الاقتراض، والاقتراض لا بُدَّ له من الربا أو الفائدة المصرفية، لأن الربا عبارة عن استئجار للمال، والإيجار لا بُدَّ له من مقابل، ومقابل الإيجار هو الربا.
فالإسلام حرَّم الربا كليةً سواء أكانت نسبته منخفضة أم عالية، صغيرة أم كبيرة، ولم يحرّم فقط الربا الفاحش الذي نسبته المئوية تصل إلى مائة بالمائة في مكة (قبل الاسلام). وقال القرآن: {وأحلَّ اللَّه البيع وحرَّم الربا} ، في حين أن البيع لا يزدهر إلاّ بالاقتراض والتسليف، وأن الاقتراض والتسليف لا بُدَّ لهما من ربحية لأنهما نوع من التجارة قائمة بذاتها، وأن نسبة الربا لا يقررها المرابون في أي زمان وفي أي مكان ـ كما كان يظن الدين ـ وإنما يقررها السوق ونشاطه التجاري.
ولذا فإنها غير ثابتة، شأنها شأن الأسعار التي رفض الإسلام تثبيتها عند حد معين عندما طُلب منه ذلك. ومن هنا، ظل الربا معمولاً به في التجارة العربية ـ الإسلامية بعد ذلك، وطيلة خمسة عشر قرناً وحتى الآن، في ما يُعرف بالفائدة البنكية. وإن الفقهاء في عصور مختلفة قد تحايلوا على الربا «وأباحوه بالحيلة التي لا بُدَّ من أنهم كانوا يعرفونها من التراث» .
ولو أراد الإسلام للتجارة أن تنتظم وتزدهر في مكة (ق.س)، وبعد الإسلام، لأمر بنسبة معينة معقولة للربا تتناسب وحجم التجارة وأرباحها، وتختلف من زمان لآخر ومن مكان لآخر، أو لتركها لقرار السوق كما ترك الأسعار لقرار السوق. ولكنه بتحريمه للربا جملةً وتفصيلاً، المعتدل منه والفاحش، كان دعوة لتقويض أُسس التجارة المكيّة التي كانت تقوم في جزء كبير منها على الاقتراض والتسليف، وإن كانت هذه الدعوة قد جاءت ـ كما قلنا ـ بعد أن انتصر الإسلام نهائياً، وضمن هذا النصر.
================
نفس المصادر السابقة
خلاف الرسول مع يهود المدينة سببه الاقتصاد
تؤكد معظم المراجع التاريخية أن جانباً من خلاف الرسول مع اليهود في المدينة وطردهم منها كان لأسباب مالية بحتة، برغم تأثير العقيدة اليهودية الواضح في العقيدة الإسلامية والذي كان أكبر من تأثير العقيدة المسيحية. فطرد بني النضير مثلاً من المدينة كان سببه الرئيسي أن يهود بني النضير رفضوا مساعدة الرسول في دفع ديّة الرجلين اللذين قتلهما مبعوث الرسول عمرو الضمري إلى جهة بئر معونة، وطولب الرسول بديتهما، فلم يكُ يملك المال الكافي فاتجه إلى بني النضير يطلب منهم المساعدة المالية فلم يستجيبوا له.. إلى آخر القصة المعروفة وتفاعلاتها بعد ذلك. ولما اتفق الرسول مع بني النضير على الجلاء عن المدينة عرضوا عليه أن يبقوا للعمل في الأرض، لأنهم أخبرُ بها وأقدرُ على فلاحتها، فصالحهم على النصف من قبيل المزارعة والمساقاة. فقد دفع الرسول خيبر بأرضها ونخلها إلى أهلها مقاسمة على النصف. وكانت خيبر أوسع منطقة زراعية في شمال الجزيرة ووسطها. وكان يُزرع في خيبر القمح والشعير والنخيل.
وبذا كان الرسول قد خاصم بني النضير بسبب المال وصالحهم بسبب المال أيضاً، مما ينفي أي خلاف ديني بين بني النضير والمسلمين في ذلك الوقت يستدعي إجلاء بني النضير عن المدينة، حيث لم يكُ اليهود معنيين بإدخال الآخرين إلى دينهم أو إنكار أديان الآخرين. وكانت عنايتهم الكبرى ـ كقريش ـ في المال وجمعه. كذلك كان الحال مع يهود فَدك الذين كان لهم نصف الأرض لأن الرسول صالحهم على ذلك، فأخذ نصف الأرض وما فيها من ثمر وأعطى يهود فَدك نصفها الآخر. كذلك فإن خلاف الرسول مع هؤلاء اليهود كان من أسبابه أن الرسول طلب منهم العون المالي والسلاح ـ وكانوا هم صُنّاع السلاح في المدينة ـ بعد معركة أُحد فرفضوا إعطاءه ذلك، ربما لكي يبقوا على الحياد في خلاف الرسول مع قريش وحتى لا يثيروا قريشاً عليهم وهم شركاؤهم في التجارة والصرافة. وكان لخروج اليهود من المدينة أضرار اقتصادية كبيرة على أهل المدينة.
ويتبيّن لنا هذا من قول نُعيم الأشجعي: «ما لنا بيثرب بعدكم مقام، فمن يطعم الشحم فوق اللحم؟».
و يُقال إن أول آية نزلت في تحريم الربا كانت على إثر إقراض تاجر يهودي لرجل من أنصار المدينة مبلغاً لمدة عام بفائدة مقدارها خمسون بالمائة، وهي فائدة معقولة إذا ما قيست بأرباح التجارة التي كانت تحقق مائة بالمائة سنوياً في ذلك الوقت.
============================
انظر: نوره آل الشيخ، مصدر سابق، ص 58.
انظر: محمد الطبري، مصدر سابق، ج2، ص 83 ـ 87، 216.
وانظر ابن سلاّم، كتاب الأموال، ص 16، 97.
وانظر: حسين مؤنس، مصدر سابق، ص 403
اغنياء قريش وفقراؤها
و يُقال إن أول آية نزلت في تحريم الربا كانت على إثر إقراض تاجر يهودي لرجل من أنصار المدينة مبلغاً لمدة عام بفائدة مقدارها خمسون بالمائة، وهي فائدة معقولة إذا ما قيست بأرباح التجارة التي كانت تحقق مائة بالمائة سنوياً في ذلك الوقت.
============================
انظر: نوره آل الشيخ، مصدر سابق، ص 58.
انظر: محمد الطبري، مصدر سابق، ج2، ص 83 ـ 87، 216.
وانظر ابن سلاّم، كتاب الأموال، ص 16، 97.
وانظر: حسين مؤنس، مصدر سابق، ص 403
اغنياء قريش وفقراؤها
ذكرنا بأن قريشاً نفسها تمَّ تصنيفها مالياً إلى صنفين رئيسيين: الأغنياء وهم «بطاح قريش» ومن يسكنون في قلب مكة (بنو عبد مناف وبنو عبد الدار وبنو أمية لاحقاً)، والفقراء وهم «ظواهر قريش» ومن يسكنون في ضواحيها (أبو طالب وذريته وابن أخيه الرسول).
وقال مؤرخون ان الممكن أن يكون الوضع الاجتماعي هذا سبباً في نقمة الرسول على قريش البطاح وثورته عليهم وآماله وخططه في نزع الزعامة منهم عن طريق الأيديولوجيا الجديدة.
ولعل الدولة الإسلامية التي أقامها الرسول (دولة قريش الظواهر) في المدينة كانت امتداداً لدار الندوة المكيّة ـ أو مثيلاً لها ـ التي كانت تتزعمها «قريش البطاح»،
كما كانت انتقاماً من «قريش البطاح» قامت به «قريش الظواهر»، ولا سيما أن الرسول رأى كيف أن «قريش البطاح» جرّدت عمه أبا طالب الفقير (قريش الظواهر) من الرفادة والسقاية، وأوكلتها لأخيه الغني العباس (قريش البطاح).
وإن الرسول بالإسلام وحده قد انتقم من «قريش البطاح»، وارتقى من «قريش الظواهر» إلى «قريش البطاح»، بل إلى «قريش الأعالي» وأصبح سيد قريش وزعيمها بل والعرب جميعاً كما كان جده الأكبر قُصي بن كلاّب وأكثر.
وهذا ما عبّر عنه القرآن بقوله: {ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلاً فأغنى} (سورة الضحى، الآية 7 ـ 9)، وخاصةً لو علمنا أن قُصياً في حياته ومماته كان أمره في قومه كالدين المُتبع لا يُعمل بغيره.
وقد عبّر العباس بن عبد المطلب (عم الرسول) عن هذه الخاصرة الموجعة، عندما حاولت قريش الاعتداء على أبي ذر الغفاري عندما أشهر إسلامه. وصاح العباس بقريش قائلاً:
«ويلكم، ألستم تعلمون أنه من غفار، وأنه من طريق تجارتكم إلى الشام».
وكان قوله هذا كافياً ورادعاً.
=========================
انظر: برهان دلّو، مصدر سابق، ج2، ص 362
الارستقرطية المكية (بطاح قريش)
لا يخفى على كل من دقق النظر في تفاصيل ما بين سطور كتب التاريخ ان الأرستقراطية المكيّة التي وصفت بالقران ب «الملأ الأعلى»، كانت من كبار تجار مكة وأصحاب المصارف والإقراض والتسليف والمؤسسات المالية الأخرى مع بدء ظهور الإسلام، وهم في الوقت نفسه الذين وقفوا في وجه الدعوة الإسلامية.
ولوجدوا أن كبار تجار مكة الآخرين هم الذين وقفوا أيضاً في وجه الدعوة الإسلامية، وقادوا الناس وعبيدهم ومستخدميهم من ورائهم لمعارضة هذه الدعوة. وهو «مؤشر هام على عظمة الدور السياسي والاجتماعي الذي تحظى به الطبقة الاقتصادية في مكة وفي الجزيرة العربية عموما .
وعلى رأس هؤلاء كان بنو أمية الذين كانوا من أكثر المعارضين المتشددين للإسلام وانتشاره، وهم في الوقت نفسه كانوا يحتلون مركز الصدارة التجارية في مكة، ومركز قيادة القوافل التجارية.
ومن هنا، فإن بني أمية مثل سعيد بن العاص وأبي سفيان والوليد بن المغيرة وغيرهم، ومن ورائهم أغنياء قريش، لم يكونوا معنيين بالعقيدة الدينية. وكثير من هؤلاء العرب الوثنيين كانوا يتصلون بالمسيحيين واليهود، يسمعون منهم ويقولون لهم، ويعاملونهم في شؤون الحياة على اختلافها، ولكنهم مع ذلك لا يتأثرون بما يرون من دينهم ومن مذاهبهم في الحياة. ولم يكونوا يعطون للدين وزن كبير في حياتهم. وإن قريشاً لم تكن أهل إيمان ولا صاحبة دين، وإنما كانت قبل كل شيء صاحبة تجارة تسعى فيها عامها كله.
ولم يكُ شاغلهم ما يعبد العرب وما لا يعبدون، بقدر ما كان يهمهم أن يأت الحجج من كل لارجاء وان تصل قوافلهم سليمة إلى غاياتها وتحقق أعلى نسب أرباحها.
فقد كانت في مكة مجموعات كبيرة من رقيق المسيحيين ورقيق اليهود ورقيق المجوس، وكان كل هؤلاء يعملون لدى أسيادهم المكيين الوثنيين، وبرغم ذلك فلم يجبرهم أسيادهم على التحول من أديانهم إلى الوثنية، أو إلى أي دين آخر غير دينهم.
اصنام الكعبة كانت قيمتها اقتصادية وليست دينية
فمن المعروف أن «العاطفة الدينية عند عرب الشمال كانت أقل منها عند عرب الجنوب. وإن الأصنام لم تكن لقريش ذلك [المقدّس] الذي يتمسّك به الناس ويموتون من أجله لأنه مقدس. ولا كانت الأصنام [معبودات قومية] يثور الناس للدفاع عنها والاستماتة دونها عندما تواجَه من الطرف الآخر الذي له معبوداته القومية الخاصة. كلا، إن أصنام قريشوآلهتها كانت، قبل كل شيء، مصدراً للثروة وأساساً للاقتصاد».
وإن «سعي الكاهن عمرو بن لُحيّ منذ البداية إلى جمع الأصنام في مكة كان ينمُّ عن طموح تجاري وسياسي، أكثر مما ينمُّ عن حماسة دينية». وكانت قريش بعد ذلك غير مهتمة أو معنية بالدين قدر اهتمامها وعنايتها بالمال وتجارة المال. و «كانت قريش في ذلك العصر مؤمنة بالمال، مذعنة لسلطانه، لا يعنيها إلاّ أن تستثمره وتكثّره، وتضيف بعضه إلى بعض، وتستمتع أثناء ذلك بما يمكن أن يتيح لها من طيبات الحياة وخبائثها أيضاً. فقريش كانت تحب الترف بمقدار ما يتاح لمثلها منه، وتحب التسلّط بشرط إلاّ ينقص من مالها شيئاً».
كذلك، فإن قريشاً «لم تنفر من دعوة الإسلام ما دامت دعوة دينية خالصة لا تمسُّ مصالح القرشيين. فقد كان القرشيون لا يعنيهم أمر الدين عامة إلاّ ما مسَّ مصالحهم. والدين عندهم كان مصلحة وجزءاً من أعمالهم الكثيرة التي تدر عليهم المال وتقوّي مركزهم السياسي. فلم يكُ يعنيهم أن يكون الإنسان على مذهبهم في الوثنية، أو كان نصرانياً أو يهودياً، ما دام ذلك لا يضرّ بمصالحهم المادية الملموسة».
كذلك يذهب مؤرخو السيرة إلى أن القرشيين لم يكترثوا للدعوة الإسلامية إلاّ عندما تناول الرسول آلهتهم بما لا يرضيهم، وقال عنها إنها أحجار لا تنفع ولا تضر، وإن عبادتها هباء وغباء.
والطعن في أصنام قريش هنا ليس معناه الطعن في كرامة قريش الدينية بقدر ما كان معناه الطعن في كرامة قريش الاقتصادية والتجارية، وبقدر ما كان معناه الكساد الاقتصادي لقريش ولأسواق مكة التي كانت «تستعمل» هذه الأصنام لجلب العرب طيلة أربعة أشهر من المواسم الدينية والتجارية والثقافية. كما كان معناه تهديد تجارة قريش، وتجريدها من قوتها المالية العظيمة التي بنتها خلال سنوات طويلة خلت.
فلقد سبق لشعراء عرب (قبل الاسلام) أن هاجموا الوثنية، وهاجموا أصنامها، «وكانوا يسخرون من الأصنام وبرغم ذلك لم يجد هؤلاء أية مقاومة أو معارضة من قبل الوثنيين .
كذلك، فإن الحنفاء الذين عاشوا فترة طويلة بين ظهراني قريش، وسخروا من عبادة الأصنام، ونادوا بالتوحيد، وثاروا على المُثل الأخلاقية القرشية، وكان شعراؤهم كزيد بن نفيل وعبد الله بن أبي الصلت وغيرهما، يقولون وينشرون كل هذه الأفكار، لم يصابوا بأذى من قبل قريش، ولم يلقوا معارضة من قريش، لأنهم لم يصلوا بدعواهم إلى تهديد مستقبل التجارة المكيّة والاقتصاد القرشي. وكل ما فعلوه بزيد بن نوفل أنهم أخرجوه من مكة إلى الطائف
دور الكهنة وحراس المعابد
الحياة الدينية العربية (ق.س) كانت مظهراً تجارياً أكثر مما كانت مظهراً دينياً عقائدياً، وكانت هناك طوائف كبيرة من المؤسسة الدينية العربية قبل الاسلام تعيش من وراء مهنة الكهانة هذه ولها تأثيرها الاجتماعي والاقتصادي الكبير.
وتؤكد ثنيا كتب التاريخ انه كان هناك جموع من الكهنة والمشرفين على حراسة المعابد ونظافتها والمشرفين على أوقاف هذه المعابد. وهؤلاء جميعاً تصلهم أموال طائلة من الأثرياء ورجال الأعمال. وهم الذين يقبضون عوائد هذه المعابد من الحبوس (الأوقاف) وإيجارات أملاك المعابد من الأراضي والعقارات، ومن العصم (عشرة بالمائة من الإنتاج الزراعي)، ويتلقون الحصص الثابتة التي أشبه ما تكون بـ «الزكاة».
كما كان مصدر دخل المؤسسة الدينية الوثنية يأتي مما «يحبس على المعابد في المشروعات العامة مثل إقامة الحصون والأبراج وحفر الخنادق، إضافة إلى ضرائب تصل إلى عشرة بالمائة من التجارة ومن منتجات الأرض. لذلك فقد كانت عوائد الكهنة عظيمة، وكان كبار الكهنة من الأرستقراطيين والتجار».
وهذا العامل الاقتصادي، وهذه الطائفة من المؤسسة الدينية العربية (قبل الاسلام)، كانا واحداً من الأسباب التي وقفت في وجه انتشار الإسلام حفاظاً على مكتسبات المؤسسة الدينية المالية والاجتماعية،
وكما قلنا أن الأخباريين لم يأتوا على ذكر مقاومة هؤلاء الكهنة للدين الجديد ، ويزعم بعض المؤرخين إنه «ليس هناك دليل على أن مقاومي الرسول كانوا من رجال الدين». ولكن التاريخ ذاته يؤكد ان رجال الدين (قبل الاسلام) كانوا طبقة لها أهمية كبيرة . وإنهم لم يقاوموا الإسلام مقاومة مباشرة مكشوفة إلاّ أنهم قاموا بتأليب كبار سادة قريش ورجال اعمالها وشيوخ القبائل ـ وكان للكهنة سيطرة سياسية ودينية عليهم .
فمن الطبيعي والمنطقي جدا ان يقاوم رجال الدين المسيحي واليهودي الدين الجديد الذي جاء ليلعنهم، وليهدم معابدهم، ويصادر أموالهم، ويقوّض تجارتهم الزائفة، ويجرِّدهم من كافة امتيازاتهم الاجتماعية. وهو ما تمَّ التعبير عنه «بالاستياء الذي تملَّك الطبقات الدينية، أي الكهنة، من ضياع نفوذهم بالإسلام
القران لعن المال المكي في اكثر من 20 سورة في القران
لان اصحاب المال المكيين قاوموا لاسلام
كانت قريش تعلم علم اليقين والتجربة والخبرة، أن سيادتها في مكة وعلى مكة والأماكن المقدسة فيها، إنما هي نابعة ليس من رفعة المحتد وسمو القبيلة ونقاء الدم وعلو البيت، وإنما نابعة من كون قريش أكثر العرب ثراءً وغنىً وأغزرهم مالاً، وأن هذا المال وهذا الغنى هما سرُّ قوتها وسيطرتها على المشاعر المقدسة، وتوليها من دون غيرها السقاية والرفادة والحجابة والسدانة واللواء والندوة، وخلاف ذلك من مظاهر الزعامة العربية في مكة.
«فزعامة مكة والوصول إليها أصبحا لا يستندان إلى عُرف قبلي تقليدي مقرر، ولكن إلى المال بالدرجة الأولى. وبقوة المال وحده انتزع العباس بن عبد المطلب الرفادة والسقاية من أخيه أبي طالب عم الرسول لفقر الأخير، برغم مكانته العالية في قريش من الناحية القبلية». وإن سرَّ هذا الثراء وهذا الغنى هو تجارة قريش الداخلية والخارجية. وإن سرَّ هذه التجارة الأمن والأمان اللذان كانت تعيشهما مكة. وإن الدعوة الإسلامية ـ في ظن قريش وفي تقديرها في ذلك الوقت ـ كان من شأنها أن تُفرِّق أكثر مما تجمَّع، وتهدم التجارة وتعيد قريشاً إلى فقرها السابق الذي كانت فيه قبل عهد قُصي بن كلاب.
من هنا، فلقد ذم القرآن المال المكي الذي كان سرَّ قوة قريش، ذماً شديداً أكثر مما ذم الأصنام المكيّة. وقد بلغت السور التي ذمت المال المكي أكثر من عشرين سورة مكيّة، في حين أن القرآن لم يذكر المال المديني في المدينة إلاّ في أبواب الإحسان للفقراء والمساكين والحث على بذل المال في تجهيز جيوش المسلمين لقتال المشركين. كما ذُكر المال في باب ذم البخل والحث على الكرم والعطاء، في الوقت الذي كان في المدينة مال كثير.
وكان هناك كبار التجار من اليهود والعرب ومن المرابين والصيارفة وخلاف ذلك، ولكن هؤلاء لم يهاجموا الإسلام ولم يقاوموه كما قاومه أصحاب المال في مكة. بل على العكس من ذلك، فمال المدينة هو الذي احتضن الإسلام وصانه وساعده على الانتشار والانتصار.
ومن هنا يتبين لنا أن الإسلام لم يهاجم الأغنياء لذاتهم ولا لأنهم أغنياء، ولم يهاجم المال لأجل المال نفسه، ولكنه هاجم الأغنياء الذين هم ضد الدعوة، وهاجم المال الذي يقف عقبة في وجه انتشار الدعوة
لتقويض التجارة المكية
الرسول جهز 7 سرايا خلال اول سنة له في المدينة
ومما لا شك فيه أن هذا الذم للمال المكي المعارض، وللتجارة المكيّة، قد أثار حفيظة تجار قريش جميعاً وأصحاب الأموال فيها والذين كانوا شوكة في حلق الدعوة الإسلامية وتقدمها، فتشددوا أكثر فأكثر في محاربة الدعوة الإسلامية التي اعتبروها دعوة جاءت لتسلبهم أموالهم وليس لتخلصهم من أصنامهم. وكان المال بالنسبة للمكيين أعز لديهم من أصنامهم. وقد أدرك الرسول هذه الحقيقة، فكان أول ما فكر فيه بعد هجرته إلى المدينة وخطط له، هو ضرب قريش في خاصرتها الموجعة، وهي التجارة، وليس إرسال فريق انتحاري إلى مكة لهدم الأصنام.
فقريش لا تهمها أصنامها وآلهتها بقدر ما تهمها تجارتها ومالها. وكان الرسول يعلم تمام العلم أن التعرّض للتجارة والإضرار بها كانا دائماً سبباً رئيسياً من أسباب الحروب. ولعله علم جيداً أن شرارة «حروب الفجار» كانت خلافاً على خفارة إحدى قوافل ملك الحيرة. فلم يلبث الرسول في الشهر السابع من وصوله إلى المدينة، أن جهّز سرية عسكرية بقيادة عمه حمزة، لا تقوم باقتحام مكة اقتحاماً انتحارياً وهدم الأصنام وقتل المشركين، ولكن بمهاجمة قوافل التجارة المكيّة ومصادرتها. فذلك ما يحقق أهداف الرسول وأهداف المسلمين في إضعاف قريش وكسر شوكتها.
بل إن الرسول في خلال ثلاثة عشر شهراً من إقامته بالمدينة كان قد جهّز ونظّم سبع سرايا وغزوات لتقويض التجارة المكيّة، وتهديد طرق قوافلها، وضرب قريش في خاصرتها الموجعة. ولم يكُ من بين هذه السرايا والغزوات ما هو مخصص لاقتحام مكة أو هدم أصنامها عنوةً. «ولم تُسجَّل في سيرة الرسول أية غزوة حتى فتح مكة، إلاّ واتسمت بسمة محاصرة تجارة مكة وقطع طرق قوافلها»
وصف عرب قبل لاسلام ب "الجاهلية"
وصف غير صحيح نهائيا
القرشيون لم يكونوا جهلة واهل مكة كانوا في قمة الذكاء
يؤكد الكثير من الباحثين أن المكيين لم يكونوا أولئك الجهلة الأغبياء التائهين في الصحراء، لكي يلتقطوا أول خيط أمل، فيصدَّقوه ويجروا وراءه.
لقد كان القرشيون في مكة على درجة كبيرة من الوعي والنباهة والذكاء، أمكنتهم من بناء تجارة عالمية في ذلك الوقت، كانت تتطلب علماً كبيراً بفنون التجارة وبإدارة الأموال. «ولا ننسى أن من بين الذين كانوا ينتقلون بالتجارة أعظمَ قريشٍ مالاً وعقلاً». ومن هنا جاءت الصعوبة في إقناع هؤلاء القوم من ذوي النظر البعيد والفطنة الكافية، بالدين الجديد
وكما قلنا سابقاً، فلو بدأ الإسلام دعوته من منطقة زراعية وليست تجارية، لكانت مهمة الرسول أسهل بكثير من مهمته في مكة العسيرة على الغيبيات، والعسيرة على أية تغيرات سياسية أو دينية جديدة.
ولعل اختيار الإسلام لتاجر كالرسول ليقوم بالدعوة الإسلامية كان كفيلاً بأن يتحقق للإسلام رسول يستطيع الكلام بلغة تجار مكة، ويعلم أسرارهم، ويخاطبهم بلسانهم، ويفكر بعقليتهم، ويعرف مواطن القوة والضعف فيهم.
وذلك كان واحداً من أسباب انتصار الإسلام في النهاية. ولعل الآيات الكثيرة التي جاءت في القرآن عن التجار والمال والاصطلاحات التجارية التي أوردها القرآن والمُستمَدة من القاموس التجاري المكي ـ التي أشار إليها محمد البنداق ـ تدلّ على المستوى التجاري الرفيع الذي كان تجار مكة يتمتعون به، كما تدلُّ على أية لغة وبأي مصطلحات تجارية كان القرآن يخاطب تجار قريش.
وهكذا ..
والى هنا اكون قد قدمت بحثا شاملا وشبه مفصل للواقع الاقتصادي المكي وبينت كيف ان الاقتصاد هو الفاعل والمحرك والدافع والرافع والمانع والجامع ..
وفي الباب السادس سوف ابين من خلال ايات القرن الكريم حقيقة الصراع وحقيقة الواقع في مكة بعد نزول الاسلام ..
لعل في ذلك ما يساعد على توضيح الصورة وازالة ما علق بالتريخ من خرافات وحزعبلات ومبالغات وتعظيم وتفخيم .. وكله من قبل رجال الدين المسلمين بهدف الدعاية والترويج للدين
القران يكشف احوال مكة والعرب والدعوة المحمدية
وإن السيدة خديجة عندما أوكلت إليه تجارتها الخارجية الضخمة، كانت تعتمد على خبرته بالتجارة الخارجية التي قام بها عندما كان الرسول صبياً في الثانية عشرة من عمره!
----------------------------------------
انظر: أحمد أمين، مصدر سابق، ص 16.
وانظر: جواد علي، مصدر سابق، ج7، ص 299
===========
على الهامش (2)
على رغم أن العرب (قبل.الاسلام) كانوا يتعاطون بالربا إلاَّ أنهم كانوا يعتبرونه حراماً كذلك.
والدليل أنهم عندما أعادوا بناء الكعبة (قبل.الاسلام) في العام 602 حرّموا مشاركة مال المومسات ومال الربا في بنائها.
-------------------------------
انظر: ابن هشام، السيرة النبوية، ص 122 ـ 126
ملاحظات على الهامش
- الحرب الاقتصادية على مكة حتى في الشهر الحرام
كانت الخطوة الثانية للرسول بعد الهجرة هي الخروج إلى طريق التجارة ـ وهو العارف بها ـ لقطعها على المكيين، حتى أن عبد اللَّه بن جحش استحلَّ في هذا الخروج الشهر الحرام بتأييد من القرآن الذي قال {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل قتال فيه كبير} (سورة البقرة، الآية 218). وكان ذلك بمثابة إعلان حرب اقتصادية على مكة وتهديد لمصالحها التجارية الحيوية. وقد تكرر قطع الرسول وأصحابه لطرق التجارة المكيّة مما دعا قريشاً لأن تُطلق على الرسول لقب «القاطع
- العبادة مورد مالي
على رغم أن العرب (قبل.الاسلام) كانوا يتعاطون بالربا إلاَّ أنهم كانوا يعتبرونه حراماً كذلك.
والدليل أنهم عندما أعادوا بناء الكعبة (قبل.الاسلام) في العام 602 حرّموا مشاركة مال المومسات ومال الربا في بنائها.
-------------------------------
انظر: ابن هشام، السيرة النبوية، ص 122 ـ 126
ملاحظات على الهامش
- الحرب الاقتصادية على مكة حتى في الشهر الحرام
كانت الخطوة الثانية للرسول بعد الهجرة هي الخروج إلى طريق التجارة ـ وهو العارف بها ـ لقطعها على المكيين، حتى أن عبد اللَّه بن جحش استحلَّ في هذا الخروج الشهر الحرام بتأييد من القرآن الذي قال {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل قتال فيه كبير} (سورة البقرة، الآية 218). وكان ذلك بمثابة إعلان حرب اقتصادية على مكة وتهديد لمصالحها التجارية الحيوية. وقد تكرر قطع الرسول وأصحابه لطرق التجارة المكيّة مما دعا قريشاً لأن تُطلق على الرسول لقب «القاطع
- العبادة مورد مالي
ان الكعبة مورد مالي .. والحج مورد مالي والصنم مورد مالي والضحية مورد مالي وقدسية مكة مورد مالي .. والوثنية مورد مالي .. ..
لهذا رفض القرشيون الاسلام وحاربوا الدعوة 20 سنة الى ان هزموا عسكريا وتخلوا عن الوثنية بالقوة وبالاجبار
- الكعبة ليست في مكة .. اين هي الكعبة الاساسية .. ؟؟
لهذا رفض القرشيون الاسلام وحاربوا الدعوة 20 سنة الى ان هزموا عسكريا وتخلوا عن الوثنية بالقوة وبالاجبار
- الكعبة ليست في مكة .. اين هي الكعبة الاساسية .. ؟؟
وصلتني هذه الرسالة الان عبر النافذة الخاصة تحمل وجهة نظر مفيد الاطلاع عليها والبحث عن مدى صدقيتها
تقول الرسالة :
حتى الآن لا يوجد دليل تاريخى أو أركيولوجى واحد أن كعبة مكة تم بناؤها قبل المسيح، حتى مكة نفسها لم يكن لها وجود قبل القرن الرابع الميلادى..
وجميع الخرائط الرومانية للجزيرة العربية حتى القرن الرابع الميلادى فيها الطائف ويثرب وقرى أخرى صغيرة، ولكن لاذكر لمكة بها..
* معلومة كتبها المؤرخ البيزنطى سوزومينوس Sozomenos مهمة جداً لفهم تاريخ الكعبة.
سوزومينوس الذى عاش فى القرن الخامس الميلادى فى غزة، يذكر أنه كان هناك مكان يشبه الكعبة فى مدينة الخليل بفلسطين وهى المدينة التى بها قبر إبراهيم، ويقول سوزومينوس إن قبائل عربية وثنية كانت تحج إلى قبر إبراهيم فى الخليل وقد نصبوا الأصنام حول الضريح، وكان العرب يحجون إلى الخليل كل عام وينصبون الخيام ويطوفون حول المكان ويقصون شعورهم ويذبحون الذبائح..
وظل هذا الطقس قائماً حتى زار الإمبراطور قنسطنطين المكان فى القرن الرابع الميلادى بعد أن جعل من المسيحية ديناً رسمياً للإمبراطورية الرومانية، وغضب قنسطنطين من قذارة المكان ومن الدماء وأحشاء الذبائح التى لوثت بئراً يُعتقد أن إبراهيم هو الذى حفره بنفسه، فأمر قنسطنطين بتنظيف المكان وإزالة الأوثان منه ومنع العرب من دخوله...
جاء هذا فى كتاب لباحث ألمانى مهم إسمه تيلمان ناجل Tilman Nagel وهو متخصص فى تاريخ النبي محمد وأستاذ ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة جوتينجن بألمانيا.. إسم الكتاب: محمد، الحياة والأسطورة Mohammed: Leben und Legende.
إن الكلام هذا خطير جداً وممكن يساعدنا على معرفة تاريخ كعبة مكة، لأن الوقت الذي منع فيه قنسطنطين العرب من الحج للخليل هو نفس الوقت تقريباً الذي هاجرت فيه قبيلة خزاعة من اليمن للحجاز وأسست مدينة مكة..
والمصادر الإسلامية تقول إن عمرو بن لحى الخزاعى هو أول من نصب الأوثان حول الكعبة، وأنه جاء بهذه الأوثان من الشام.. ومدينة الخليل طبعاً فى الشام..
يعنى فيه إحتمال إن كعبة مكة لم تكن سوى مجرد بديل لكعبة الخليل.. وهذا شئ منطقى: لأن لو إبراهيم كان عايش فى فلسطين لم يكن منطقيا ان يرمى هاجر وطفلها فى صحراء مكة التى تبعد 1200 كليومتر عن فلسطين.
ولو إبراهيم كان يعيش في فلسطين واراد ان ينفذ رغبة زوجته الغيورة بابعاد جاريته وابنه كان ليس مضطرا ان يسير 1200 كيلو مترا سيرا على الاقدام مع امراة وطفل .. كان يكفي ان يبتعد قايلا ويتركهما خلف جبل وانتهى الامر .
تقول الرسالة :
حتى الآن لا يوجد دليل تاريخى أو أركيولوجى واحد أن كعبة مكة تم بناؤها قبل المسيح، حتى مكة نفسها لم يكن لها وجود قبل القرن الرابع الميلادى..
وجميع الخرائط الرومانية للجزيرة العربية حتى القرن الرابع الميلادى فيها الطائف ويثرب وقرى أخرى صغيرة، ولكن لاذكر لمكة بها..
* معلومة كتبها المؤرخ البيزنطى سوزومينوس Sozomenos مهمة جداً لفهم تاريخ الكعبة.
سوزومينوس الذى عاش فى القرن الخامس الميلادى فى غزة، يذكر أنه كان هناك مكان يشبه الكعبة فى مدينة الخليل بفلسطين وهى المدينة التى بها قبر إبراهيم، ويقول سوزومينوس إن قبائل عربية وثنية كانت تحج إلى قبر إبراهيم فى الخليل وقد نصبوا الأصنام حول الضريح، وكان العرب يحجون إلى الخليل كل عام وينصبون الخيام ويطوفون حول المكان ويقصون شعورهم ويذبحون الذبائح..
وظل هذا الطقس قائماً حتى زار الإمبراطور قنسطنطين المكان فى القرن الرابع الميلادى بعد أن جعل من المسيحية ديناً رسمياً للإمبراطورية الرومانية، وغضب قنسطنطين من قذارة المكان ومن الدماء وأحشاء الذبائح التى لوثت بئراً يُعتقد أن إبراهيم هو الذى حفره بنفسه، فأمر قنسطنطين بتنظيف المكان وإزالة الأوثان منه ومنع العرب من دخوله...
جاء هذا فى كتاب لباحث ألمانى مهم إسمه تيلمان ناجل Tilman Nagel وهو متخصص فى تاريخ النبي محمد وأستاذ ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة جوتينجن بألمانيا.. إسم الكتاب: محمد، الحياة والأسطورة Mohammed: Leben und Legende.
إن الكلام هذا خطير جداً وممكن يساعدنا على معرفة تاريخ كعبة مكة، لأن الوقت الذي منع فيه قنسطنطين العرب من الحج للخليل هو نفس الوقت تقريباً الذي هاجرت فيه قبيلة خزاعة من اليمن للحجاز وأسست مدينة مكة..
والمصادر الإسلامية تقول إن عمرو بن لحى الخزاعى هو أول من نصب الأوثان حول الكعبة، وأنه جاء بهذه الأوثان من الشام.. ومدينة الخليل طبعاً فى الشام..
يعنى فيه إحتمال إن كعبة مكة لم تكن سوى مجرد بديل لكعبة الخليل.. وهذا شئ منطقى: لأن لو إبراهيم كان عايش فى فلسطين لم يكن منطقيا ان يرمى هاجر وطفلها فى صحراء مكة التى تبعد 1200 كليومتر عن فلسطين.
ولو إبراهيم كان يعيش في فلسطين واراد ان ينفذ رغبة زوجته الغيورة بابعاد جاريته وابنه كان ليس مضطرا ان يسير 1200 كيلو مترا سيرا على الاقدام مع امراة وطفل .. كان يكفي ان يبتعد قايلا ويتركهما خلف جبل وانتهى الامر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر