ظهرت "جماعة الإخوان المسلمين" في مصر عام 1928 كرد فعل على إلغاء كمال أتاتورك الخلافة العثمانية في عام 1924. وقد دعا الإخوان المسلمون إلى اقامة الخلافة الإسلامية مرة أخرى، بعد أن حاول الملك فؤاد تنصيب نفسه خليفة للمسلمين في منتصف العشرينات، مما دعا الشيخ علي عبد الرازق ليقوم بتأليف كتابه المدوّي (الإسلام وأصول الحكم) في العام 1925 لمهاجمة فكرة الخلافة، ونفي أن يكون الإسلام ديناً ودولة في ذلك الوقت مما دفع شيوخ الأزهر والقصر الملكي إلى اثارة الأزهر على الشيخ عبد الرزاق، وطرده من زمرة العملاء، وطرده كذلك من سلك القضاء المصري.
بقلم : د. شاكر النابلسي |
وعندما اعتلى الملك فاروق العرش دعا الإخوان الى تتويج الملك فاروق في الأزهر، فاعترض النحاس باشا، وقال قولته الشهيرة: "فاروق ملك الأمة، ويجب أن يتوّج تحت قبة مجلس الأمة."
والإخوان، هم الذين أطلقوا على ديوان الملك الضال فاروق الذي كان يعُجُّ بالمومسات من الايطاليات والفرنسيات "الديوان الملكي الإسلامي". وهم الذين كانوا يردون على هتافات حزب الوفد التي تقول: "الأمة مع سعد"، بهتافهم: "الله مع الملك".
والإخوان، هم سبب خراب العالم العربي، عندما خرجوا بدعوتهم إلى العالم العربي. فهم كانوا سبباً في هزيمة الأحزاب التقدمية في الأردن عام 1956/1957، وفرض الأحكام العرفية، ومنع الأحزاب القومية من العمل السياسي مدة أربعين عاماً، لينفردوا في الساحة السياسية وحدهم.
وهم الذين كانوا سبب تدمير التعليم وتأخره في الخليج عندما اندس مدرسوهم في صفوف التعليم الخليجي ليبثوا أفكار حسن البنا وسيد قطب والمودودي وغيرهم، وينشروا أفكار التكفير والولاء والبراء.
وهم كانوا سبباً في ظهور الفصائل الدينية الارهابية المسلحة في مصر، التي ظهرت في عهد السادات، وأودت بحياة السادات، وفعلت أفعالها الشنعاء في عهده، وفي عهد مبارك كذلك، وحاولت اغتيال مبارك في أديس أبابا في 1995.
وهم كانوا سبباً في افناء عشرات الآلاف من الأبرياء في صدامهم مع السلطات السورية فيما عُرف بمذبحة حماة في 1982.
وهم كانوا سبباً في شنق المفكر الإسلامي الطليعي محمود محمد طه الذي شنقه في عام 1985 جعفر نميري الذي نصّبه زعيم الإخوان في السودان حسن الترابي أميراً للمؤمنين!
وهم الذين وقفوا إلى جانب صدام حسين في غزوه للكويت، مما جعل وزير الداخلية السعودي فيما بعد أن يقول في عام 2002 بأنهم كانوا سبب البلاء في العالم العربي.
وهم الآن يحاولون أن يكونوا سبب البلاء والفناء في العراق الجديد، ولكن بلا أمل، وبلا عقل.
فها هم "الإخوان المسلمون" في الأردن يناشدون مجلس الحكم العراقي بعدم التوقيع على الدستور العراقي الجديد المؤقت، ورفض هذا الدستور المقدس.
هل رأيتم جماعة من العميان الجهلة الذين أضاعوا السبيل والخليل والنخيل أكثر جهلاً وعمى من هؤلاء؟
يا للعمى الذي أُصيبت به "جماعة العميان المسلمين" في سابق الأيام، وهذه الأيام!
"جماعة العميان المسلمين" أصبحوا الآن عمياناً حقيقيةً، وهم يرون أن لعبة الشرق الأوسط، ومن ضمنها العراق، أصبحت لعبة سياسية كونية، وليست لعبة محلية أو اقليمية أو أمريكية فقط، مهما حاول المحاولون دقَّ أبواب زعماء أوروبا والتوسل إليهم والبكاء لهم، وهم الذين سيجتمعون في ولاية جورجيا الأمريكية في حزيران القادم لوضع مشروع "الشرق الأوسط الكبير" موضع التنفيذ، وانقاذ العالم العربي (الرجل المريض) مما هو فيه من داء وبلاء.
"جماعة العميان المسلمين" لا يعلمون - وهم العميان في الدين والسياسية لأنهم خطفوا الدين ورهنوه عندهم مقابل الوصول إلى مكاسب سياسية - أن الشرق الأوسط أصبح ضمن الاستراتيجية الدولية الكونية، يقرر مصيره الثمانية الصناعيون الكبار في العالم، وليس المُورِِثين والمُورَثين والمرضى والعجزة والحرس القديم وممولي الإرهاب من الحكام العرب الذين ألقوا عصا الطاعة أخيراً.
"جماعة العميان المسلمين"، ما زالوا يتصورون أن العالم تحكمه قوتان عظميان، وما زالت الحرب الباردة دائرة، وما زالت الشيوعية قائمة، وما زال جدار برلين يفصل الألمانيتين.
"جماعة العميان المسلمين" ما زالوا يفترضون بأن العالم العربي يعيش في كوكب آخر، في زُحل، أو عطارد، أو المريخ، وليس في كوكب الأرض. ولا يعلمون أن هناك الآن ربّة لهذا الكوكب، مسؤولة مسؤولية مباشرة عن سلامته وصيانته وسلامة مواطنيه وساكنيه وسير الحياة فيه على أكمل وجه.
"جماعة العميان المسلمين" ما زالوا يعتقدون أن الذي ما زال يحكم العراق هو صدام حسين، ولذا فهم يرسلون له هداياهم على شكل ارهابيين مجرمين لقتل الأبرياء من الأطفال والنساء ورجال الأمن العراقي، وليمنعوا الطلبة من الذهاب إلى مدارسهم، وليدمروا البُنية التحتية للعراق، وينادون مجلس الحكم العراقي الذي رموه قبل أيام بالعمالة والخيانة بألا يوّقع على وثيقة تحرر العراق من الديكتاتورية والعبودية، ودخوله رحاب الحداثة السياسية العربية من أوسع أبوابها.
"جماعة العميان المسلمين" لا يقرأون الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي إلا من خلال دولة الرسول في المدينة المنورة قبل أكثر من 1500 سنة، ولا يعترفوا بتغيرات التاريخ والواقع، وبأننا نعيش في القرن الحادي والعشرين بكل تحدياته.
"جماعة العميان المسلمين"، لا يعلمون أن العالم العربي أصبح "الرجل المريض" بالنسبة للعالم، ومن هنا سيجتمع الأطباء الثمانية الكبار في حزيران ليقرروا نوع علاج هذا "الرجل المريض" الذي حلَّ محل "الرجل المريض" العثماني بعد الحرب العالمية الأولى.
"جماعة العميان المسلمين" ما زالوا يعتبرون العالم العربي جزءاً من الخلافة العثمانية. وهم يسعون بشتى الطرق في أدبياتهم السياسية لإعادة هذه الخلافة.
لقد توقفت "حركة العميان المسلمين" عند عتبة الخلفاء الراشدين، ولم يتعدوها طيلة أكثر من عشرة قرون. ثم توقفوا مرة أخرى عند اعتاب السلطان العثماني عبد المجيد بن عبد العزيز آخر خلفاء بني عثمان، الذي طرده كمال أتاتورك، ومات في مدينة نيس على الشاطيء اللازوردي، ولم يتعدوا هذه العتبة حتى الآن.
"جماعة العميان المسلمين" يعتقدون بأن نجاحهم في السيطرة على الإعلام العربي المقروء والمسموع والمشاهد من خلال دُعاتهم، وكتابهم، ومقدمي البرامج، ومحرري الصفحات الثقافية وصفحات الرأي، يستطيعون حكم العالم العربي. وهم واهمون.
البلد الديمقراطي الوحيد الذي نجا من عبث الإخوان وارهابهم هو لبنان. ومن هنا، كان لبنان وجه الثقافة العربية المضيء، ووجه الصحافة العربية المشرق، ووجه المجتمع العربي المنفتح والمتمدن.
والبلاد العربية التي أصابها وباء "العميان" كانت، وأصبحت في قاع العالم، وفي أسفل السلم الحضاري الانساني بشهادة تقريري الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعام 2002، و 2003.
فمتى يكفُّ الإخوان عن العبث في العالم العربي، ويدعوا هذا العالم وشأنه، لكي يجد له مكاناً بين الأمم المتحضرة والمتقدمة، بدلاً من دعوة أمريكا لتكفَّ يدها عن العالم العربي كما يطالب كتابها ومثقفوها ودُعاتها وأشياخها ومقدمو برامجها المسموعة والمقروءة والمشاهدة، لكي يُترك العالم العربي مرتعاً للفكر الظلامي كما كان الحال في افغانستان، وكما هو الآن في أنحاء كثيرة من العالم العربي.
لقد انتصر العرب والمسلمون على "جماعة العميان المسلمين" انتصارين ساحقين عظيمين في هذا العام المبارك 2004 .
الانتصار الأول، عندما تمَّ اقرار الدستور الافغاني الجديد الذي سيحمل أفغانستان إلى القرن الحادي والعشرين، بعد أن كانت تعيش في القرون الوسطى في ظل حكم طالبان والغربان من العُربان الافغان.
والانتصار الثاني، اقرار الدستور العراقي المؤقت الذي سينقل العراق من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، ومن الاستبداد إلى العدالة، ومن حكم العشيرة إلى حكم الشعب، بعيداً عن تُرهات الذين خطفوا الدين من قُطّاع الطرق المتأسلمين، ورهنوه مقابل الأمل بكرسي الحكم، ومن العميان الذين لا يرون إلا في الظلام، كالخفافيش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر