عدن.عدن اوبزيرفر.خاص.
صدر عن دار جامعة عدن للطباعة والنشر كتاب جديد بعنوان الإله سين في ديانة حضرموت القديمة دراسة من خلال النقوش والآثار للدكتور جمال محمد ناصر عوض الحسني أستاذ آثار وحضارة اليمن القديمة المساعد قسم الآثار- كلية الآداب – جامعة عدن
المقدمة:
شكلت العقيدة الدينية أهمية كبيرة في حياة البشرية منذ نشوء الحضارات الإنسانية، حيث اعتقد الإنسان بوجود قوى عليا وخارقة تتحكم في حياته ومصيره، ومن خلال تأمله في الكون والطبيعة المحيطة به ربط بين تلك القوى العليا وقوى الطبيعة، ونظر إلى كل هذه القوى الطبيعية نظرة قداسة واتخذ منها آلهته، وبالتالي حاول التقرب منها واسترضاءها وقدم لها الأضاحي والقرابين والنذور. ومن خلال تأمله في الإله نفسه وفي طبيعته أطلق عليه الأسماء والصفات المختلفة التي تتوافق مع الطبيعة والبيئة المحيطة به، ولذلك كان للدين أثره في توجيه الأفراد والقبائل والشعوب، كما كان له دوره في فكر وثقافة واقتصاد الإنسان القديم.
وفي اليمن القديم احتل الدين مكانة مهمة في حياة اليمنيين القدماء، وعبدوا العديد من الآلهة التي تتوافق مع البيئة المحيطة بهم، وكان لها الأثر الكبير على جميع مجالات حياتهم، ويظهر ذلك من خلال تشييدهم المباني المختلفة بأسماء الآلهة، ويوكلون إليها حمايتها، كما أن انتصاراتهم في حروبهم كانوا ينسبونها إلى قوة آلهتهم ومساع لهم. كما أن هناك عدداً كبيراً من النقوش اليمنية المكتشفة يمثل إهداءات لآلهتهم، وهو ما يعكس دور الدين في حياة المجتمع اليمني القديم وأثره على ثقافته وفكره وعلى النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
عرفت ممالك اليمن القديم عدداً من الآلهة التي شكلت مجمع الآلهة في كل مملكة منها، وبالرغم من تعدد الآلهة إلاّ أن كل مملكة منها اتخذت لها إلهاً رئيساً ٲجمعت عليه القبائل التي تشكل تحاد المملكة، وكانت تؤدي له الطقوس والشعائر الدينية المختلفة.
ولأهمية العقيدة والدين في دراسة تاريخ اليمن القديم-تتناول هذه الدراسة -الإله سين، الإله الرئيس في مملكة حضرموت القديمة، والتي احتلت مكانة كبيرة وبارزة في تاريخ اليمن القديم، فهي إحدى أهم الممالك التي صنعت هذا التاريخ وأسهمت في نتاجه الحضاري، وكان لموقعها ومنتجاتها المتميزة (اللبان -البخور) دور كبير في ازدهارها، وربما لبقائها في الساحة السياسية في البلاد أكثر من غيرها من ممالك اليمن الأخرى.
إن سبب اختيار هذا الموضوع يرجع إلى الأهمية التي حظي بها الإله سين في ديانة حضرموت القديمة، والذي كان يقف على رأس مجمع الآلهة الحضرمية، كما أنه سيطر على الحياة الدينية والسياسية فيها، وأوجد وحدة دينية قادت إلى وحدة سياسية في جميع الأراضي الحضرمية والمواطن التابعة لها أو التي خضعت لسيطرتها. وقد ارتبط ذكر الإله سين بأقدم ذكر لمملكة حضرموت في النقوش اليمنية القديمة، في بداية الألف الأول قبل الميلاد واستمر حتى نهاية القرن الرابع الميلادي.
ومن الأسباب الأخرى، عدم وجود دراسة تخص الإله سين وتتناوله بالتفصيل، وعلى الرغم من ٲن الديانة اليمنية القديمة لقيت الأهتمام من قبل بعض الباحثين والدارسين العرب والأجانب إلاّ إن تلك الدراسات تناولت ديانة اليمن القديم بشكل عام.
تهدف هذه الدراسة إلى معرفة الآلهة التي شكلت مجمع الآلهة الحضرمية، وتوضيح أهميتها، وتحديد علاقتها بالإله سين، والمراتب التي احتلتها وإبراز مكانة الإله سين في ديانة حضرموت، ودوره في حياة المجتمع الحضرمي القديم، وفي الحياة اليومية وتعاملات الأفراد فيما بينهم منذ ظهوره في النقوش وحتى اختفائه، والذي ستمر قرابة ألف وخمسمائة عام. وتتناول الدراسة تسمية الإله سين وصيغ كتابته في النقوش، والألقاب والصفات التي نعت بها، وأيضاً الرموز التي كان يرمز بها له، وكذا معرفة أماكن بناء المعابد ومكوناتها المعمارية، والأماكن التي انتشرت فيها معابد الإله سين، هذا إلى جانب الطقوس والشعائر الدينية التي كانت تقام له، وحمايته للمنشآت والقبور.
وقد أتبع في هذه الدراسة المنهج التاريخي والتحليلي للمعلومات التي وردت في النقوش الخاصة بالآلهة والطقوس الدينية، والأحداث التاريخية التي سردتها تلك النقوش، إلى جانب المنهج الوصفي للعمارة الدينية في حضرموت، وأيضاً المنهج المقارن.
أما مصادر الدراسة فقد اعتمدت بدرجة رئيسة على النقوش اليمنية القديمة التي تتعلق بديانة حضرموت والإله سين، فضلاً عن نتائج التنقيبات الواردة في التقارير والمنشورات الخاصة بالبعثات التي عملت في مواقع ومعابد حضرموت وأهمها البعثة الفرنسية والبعثة الروسية، وخاصة الدراسات التي قام بها كلٌ من : جاكلين بيرين، وجان فرانسوا بريتون، والكسندر سيدوف، التي تتعلق بالعمارة الدينية وخاصة معابد الإله سين. فضلاً عن الاستعانة بعدد من المراجع المختلفة التي تناولت الديانة في حضرموت القديمة وهي مدونة في قائمة المراجع.
تتمثل أبرز المشاكل والصعوبات التي واجهت الباحث، في قلة المعلومات التي تتناولها النقوش اليمنية القديمة، بالرغم من أنها المصدر الرئيس والأساسي للدراسة، لأنها لا تتحدث عن التعاليم الدينية بطريقة مباشرة مثلما عبرت عنها الديانات القديمة في حضارات الشرق، فالنقوش اليمنية لا تشير إلى تصور اليمنيين القدماء للآلهة، ولا تذكر طريقة العبادات والشعائر أو الصلوات والأدعية، ولا عن طبيعة الآلهة، أو الأساطير الدينية المتعلقة بها.
ومن الصعوبات عدم اكتمال الحفريات الأثرية في كثيرٍ من المواقع الأثرية، وخاصة المعابد التي يمكن ٲن تزودنا بكثير من المعلومات طرق العبادة والطقوس الدينية. كما تتمثل بعض الصعوبات في قلة الدراسات المتخصصة في ديانة اليمن القديم وآلهتها، ٳضافة إلى ما تعانيه مكتباتنا من شحة المراجع الأساسية اللازمة للبحث.
وقد احتوت هذه الدراسة على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة وملحق، وهي:
الفصل الأول: تناول مدخلاً عن طبيعة الآلهة اليمنية، وآلهة حضرموت كما ذكرتها النقوش، وتسمية الإله سين، وصيغ كتابته، وألقابه أو صفاته، ورموزه.
الفصل الثاني: خصص لدراسة معابد الإله سين، من حيث أماكن بنائها ومكوناتها المعمارية، وبعض الخصائص والمميزات الخاصة بمعابد حضرموت، وانتشارها في أراضي مملكة حضرموت.
الفصل الثالث: يتضمن الطقوس والشعائر الدينية التي كانت تقام للإله سين، وحمايته للمنشآت والقبور والأملاك الخاصة به.
الخاتمة وفيها أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة. وملحق يضم بعض الخرائط والصور والمخططات الهندسية الخاصة بالمعابد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر