يقول إن الوقائع تفتقر للمصادر الأولية والدلائل الموثوقة
أكاديمي استرالي يشكك بوجود المسيح التاريخي
موقع ايلاف - ترجمة عبدالاله مجيديشكك باحث استرالي بوجود المسيح التاريخي قائلاً إن أول مشكلة يصطدم بها الباحث الجاد عندما يحاول معرفة المزيد عن المسيح التاريخي هي غياب المصادر الأولية.
حين يتعلق الأمر بما إذا كان هناك حقاً شخص اسمه المسيح الناصري، فإن النقاش يكون عادة بين ملحدين، ولا يعني من قريب أو بعيد المؤمنين الذين لديهم قناعة راسخة بوجود نبي اسمه عيسى اليسوع، مشى على الماء وصنع معجزات أخرى.
إذ قدم العديد من الباحثين العلمانيين نظرياتهم عن شخصية "المسيح التاريخي"، لكنها كانت في الغالب نظريات مخجلة أكاديمياً، على تعبير الباحث التوراتي جي. دي. كروسان. وابتداء من رأي كروسان الذي ينظر على المسيح على أنه شيخ حكيم مرورًا بالمسيح الثوري كما يسميه الباحث روبرت آيزمان إلى النبي الدينوني على حد تعبير الباحث بارت ايرمان، فإن الأمر الوحيد الذي يتفق عليه هؤلاء الباحثون المختصون بالعهد الجديد هو وجود المسيح التاريخي.
ولكن رفائيل لاتيستر، استاذ الدراسات الدينية في جامعة سدني الاسترالية، يضع هذا الوجود موضع تساؤل قائلاً إن أول مشكلة يصطدم بها الباحث الجاد عندما يحاول معرفة المزيد عن المسيح التاريخي هي غياب المصادر الأولية. فإن المصادر الأولى تكتفي بالاشارة الى مسيح الهي وهمي بوضوح. وإن هذه المصادر الأولى التي نشأت بعد عقود على الحوادث المفترضة، كلها من نسج كتّاب مسيحيين متلهفين على إشاعة المسيحية، الأمر الذي يعطينا سببًا للتشكيك فيها، بحسب الباحث لاتيستر.
كما يلاحظ لاتيستر أن من كتبوا النصوص الدينية المسيحية وسيرة المسيح لا يذكرون اسماءهم أو يقدمون مؤهلاتهم أو يمارسون أي نقد لمصادرهم الأساسية التي هي الأخرى لا يأتون على ذكرها. ويقول لاتيستر إن هذه النصوص المليئة بالمعلومات الاسطورية وغير التاريخية، والتي أُخضعت لكثير من التنقيح والتحرير بمرور الزمن يجب ألا تقنع المنتقدين بتصديق حتى أبسط ما يرد فيها.
كما أن الطرق المستخدمة لاستخراج درر الحقيقة من النصوص المسيحية طرق مشكوك فيها. فإن معايير الإحراج تقول إنه إذا كان هناك مقطع يحرج كاتبه فالأرجح أن يكون هذا المقطع حقيقياً صادقاً. ومما يؤسف له أن من المتعذر إزاء الطبيعة المتنوعة للمسيحية واليهودية وقتذاك وبقاء مؤلفي النصوص الدينية مجهولي الهوية، أن نحدد ما هو محرج حقاً أو غير متوقع، ناهيكم عن احتمال كتابته لأغراض دينية إنجيلية، بحسب لاتيستر.
كما أن معيار السياق الآرامي معيار عديم الجدوى بالقدر نفسه. فإن المسيح واتباعه لم يكونوا وحدهم الناطقين بالآرامية وقتذاك. يضاف إلى ذلك أن معيار الشهادات المستقلة المتعددة عمليًا لا يمكن ان يُطبق هنا لأن من الواضح أن المصادر نفسها ليست مستقلة، بحسب رفائيل لاتيستر.
ويقول الأكاديمي الاسترالي في مقاله الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست إن رسائل بولس التي كُتبت قبل أن تُكتب تعاليم المسيح وسيرته، لا تعطينا سبباً للاعلان عقائديًا بحتمية وجود المسيح. فإن بولس إذ يتجنب حياة المسيح الدنيوية وتعاليمه رغم أن هذه كان من الجائز أن تخدم دعوته، لا يتحدث إلا عن "مسيحه السماوي".
وحتى عندما يتناول بولس قيامة يسوع المسيح والعشاء الأخير، فإن مصادره الوحيدة التي يشير اليها هي ما نزل عليه من الرب وما استوحاه مباشرة من العهد القديم بل ان بولس يستبعد المصادر البشرية من حديثه ويقول في رسالته الى أهل غلاطية: 11 ـ وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ، ثم 21 ـ لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
ومما له أهمية المصادر غير المتوفرة، بحسب أستاذ الدراسات الدينية في جامعة سدني الذي يلاحظ عدم وجود افادات شهود عيان أو معاصرين للمسيح، بل كل ما لدينا هي روايات لاحقة عن الأحداث التي وقعت في زمن حياة المسيح، مصادرها ليسوا شهود عيان، وغالبيتهم منحازون بصورة واضحة، على حد تعبيره. ولا يمكن جمع شيء يُذكر من المصادر غير التوراتية وغير المسيحية. فإن الباحث والمؤرخ الرومانيين جوزيفوس وتاسيتوس وحدهما اللذان كتبا عن المسيح في غضون 100 عام من حياته وموته.
وحتى هذه الكتابات النادرة يلفها السجال والخلاف حول الأقسام التي أقدم كتّاب مسيحيون على تغييرها في أعمالهما، وحقيقة أن الاثنين عاشا بعد موت المسيح، وبالتالي فإنهما على الأرجح استقيا معلوماتهما من مسيحيين. ومما يثير الاستغراب أيضًا أن المدافعين عن وجود المسيح لم يتذكروا الإشارة إلى هذين الباحثين الرومانيين إلا بعد مرور قرون على رحيلهما عن هذه الدنيا.
ويعتبر استاذ الدراسات الدينية في جامعة سدني، رفائيل لاتيستر، أن الموقف اللا أدري هو الأنسب، منوهًا بالدعم الذي يلقاه هذا الموقف من المؤرخ المستقل ريتشارد كارير الذي يدافع عن نظرية أخرى تقول إن الإيمان بالمسيح بدأ أيماناً بكائن دنيوي خالص قتلته شياطين في ملكوت أعلى.
وبحسب لاتيستر، فإن نظرية كارير التي يطرحها في كتاب يقع في 800 صفحة والنظرية التقليدية التي تذهب إلى أن المسيح شخصية تاريخية، أُضفي عليها طابع اسطوري بمرور الزمن، تتفقان مع النصوص الدينية التي يقول لاتيستر إنها خلائط لاحقة من الاسطورة البديهية ومما يبدو أنها مادة تاريخية على أقل تقدير.
ولكن رسائل بولس تسند بقوة نظرية "المسيحي الدنيوي" وخاصة المقطع الذي يشير الى أن شياطين قتلت المسيح وما كانت لتقتله لو عرفت من هو. وبحسب النصوص المسيحية، فإن البشر كانوا سيقتلون المسيح بطبيعة الحال لأنهم يعرفون حق المعرفة أن في موته خلاصهم وهزيمة الأرواح الشريرة.
ويؤكد لاتيستر أن الباحثين المسيحيين وغير المسيحيين لا يقولون شيئاً يعتد به إزاء هذه الوقائع. وأن الباحثَين بارت ايرمان وموريس كايسي هما الوحيدان اللذان حاولا في الفترة الأخيرة أن يثبتا وجود المسيح التاريخي.
وحسب لاتيستر، فإن أقوى حجة لديهما تتمثل في أن النصوص الدينية لتعاليم المسيح وسيرته يمكن الوثوق بها عمومًا بعد أن نتجاهل الكثير مما هو ليس جديرًا بالثقة فيها، نظراً لاستنادها إلى مصادر افتراضية (أي غير موجودة). ويتساءل لاتيستر: مَنْ انتج هذه المصادر الافتراضية؟ متى؟ وماذا قالت؟ هل كانت مصادر موثوقة؟ هل كان الهدف منها تقديم وصف تاريخي دقيق أو قصص رمزية تنويرية أم روايات خيالية مسلية؟
ويكتب لاتيستر في صحيفة واشنطن بوست أن أي باحث مختص بدراسة العهد الجديد لا يستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة. وإزاء الضعف الشديد للمصادر المتوفرة والمنهجيات الهزيلة التي يستخدمها المؤرخون المسيحيون من التيار الرئيسي، فإن المسألة على الأرجح لن تُحل ذات يوم.
ويخلص لاتيستر في ختام مقاله إلى أنه "أجمالاً هناك أسباب وجيهة للشك في وجود المسيح التاريخي إن لم نقل بأن وجوده مستبعد اصلاً".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر