الإمامة وتوارثها مِن قبل أولاد وأحفاد عليٍّ بن أبي طالب مِن بعده كلما مضى منهم إمام نُصب خلفه مِن عَقِبه إماماً.
خلاصة من بحث رشيد الخيون 'ولاية الفقيه.. دولة النصوص المختلف عليها'، ضمن الكتاب 129 (سبتمبر/أيلول2017)'الدولة في التنظير العربي والإسلامي...' .الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي
يمكن القول: إن مسألة الإمامة، أي ما أُسس عليه مِن انتظار ظهور دولة الإمام الثاني عشر المهدي، قد أتت في غضون نهاية القرن الثَّالث الهجري وبداية القرن الرابع الهجري، ذلك إذا تأكد، وحسب ما أفاد به الشَّيخ المفيد، عدم صحة كتاب "أسرار آل محمد" وخطأ نسبته لقيس الهلالي، وبالتالي يُعد كتاباً متأخراً.
ينقل الكُليني في مسألة الإمامة وتوارثها مِن قبل أولاد وأحفاد عليٍّ بن أبي طالب مِن بعده: "كلما مضى منهم إمام نُصب خلفه مِن عَقِبه إماماً، بيّناً وهادياً، نيراً وإماماً قيماً، يهدون بالحقِّ، وبه يعدلون، حُجج الله ودعاته ورعاته على خلقه". وفي الفكر السُّني أن الأرض لا تخلو مِن إمام، ليقوم "في حِراسة الدِّين والدُّنيا"، وأن "نُصبة الإمام واجبة... الفتنة إذا لم يكن إمام يقوم بأمر النَّاس".
حُكم الأثني عشر
حدَّد الشِّيعة الأئمة، لهذا العالم، بعد وفاة النَّبي (11هـ)، وحتى نهايته بيوم القيامة، باثني عشر إماماً أو خليفةً فقط، بأن كتاباً إلهياً نزل للنبي فيه الوصية الإلهية لاثني عشر إماماً، وهم عليٌّ وبنوه، ولم يرث الخلافة أخٌ عن أخيه سوى الحُسين ورثها عن الحسن، أما بعدهما فأصبحت مِن الأب إلى الولد، حتى المهدي المنتظر. لكن كيف تكفي حياة الاثني عشر لحُكم الدُّنيا حتى يوم القيامة، مع طول الدَّهر؟!
هنا، يأتي الحلّ عن طريق فكرة الرَّجعة، وهو بعث الأئمة من جديدة بعد وفاة المهدي، مِن عليّ بن أبي طالب وحتى الحسن العسكري، وعلى اعتبار أنهم كلهم قضوا قتلاً، حسب الحديث "والله ما منا إلا مقتول شهيد"، ومِن معاني الرَّجعة أن يظهروا بترتيب معكوس أي الابن ثم الأب، فبعد وفاة المهدي يظهر والده الحسن العسكري (ت260هـ)، وبعد الأخير يظهر والده علي الهادي(ت254هـ) وهكذا "يمارسون الحُكم في الدُّنيا ما شاء الله"، فلا بد مِن عودتهم ليموتوا رغم أنوفهم، على اعتبار أنهم قضوا قتلاً جميعاً، حسب الحديث الذي ذكرناه سابقاً، وفي رأي آخر أن يحكم بعد وفاة المهدي اثنا عشر مهدياً مِن ولد الحسين.
في موضوع الأئمة الاثني عشر، لماذا هذا العدد بالذات، هل اختير العدد بلا أساس، أم منزل إلهي مثلما هي الوصية في الإمامة، أم هناك ما أُقتبس منه؟ نجد في تُراث الإسلام، الدِّيني والثَّوري، حضور واسع لهذا العدد، فقد ورد في القرآن: "وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا"(المائدة: 12). ورد أن "عيَّن المسيح اثني عشرَ رسولاً بناء على عدد الأسباط الاثني عشر".
كذلك أن عدد الذين بايعوا النَّبي، قبل الهجرة إلى يثرب، في العقبة الأُولى "اثنا عشر رجلاً". استخدم هذا العدد في الثَّورة أو الدَّعوة العباسية، التي انطلقت نحو العام مائة للهجرة، بقيادة محمد بن علي بن عبد الله بن عباس(ت125هـ).
إن عبارة "مِن نفقات الشِّيعة"، التي وردت في كتاب إبراهيم الإمام نجل محمد بن علي إلى شيعة بني العباس، ربَّما أوحت للبعض واعتبره الخُمس الذي كان يُدفع للإمام العباسي، مما قد يقترن بفريضة الخُمس، التي يُدفعها الشِّيعة الإمامية لمراجع الدِّين حتى يومنا هذا، و"يُعرف بحصة الإمام"، ومعروف أن الخمس حسب الآية يوزع على ستة أقسام، وهي كالآتي: "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ"(الأنفال: 41)، تعتبر "الثَّلاثة الأولى هي للإمام المعصوم(ع)، وفي زمن غيبته يُدفع إلى نائبه العام، وهو المجتهد العادل".
ما لمحَ إليه الكركي
يُعد عليّ عبدالعال الكركي (ت940هـ)، أحد مشايخ جبل عامل والفاعلين في البلاط الصَّفوي، أعده البعض مِن أول اللامحين لولاية الفقيه، أو نائب الإمام، قبل النَّراقي بكثير، يقول: "اتفق أصحابنا على أن الفقيه الإمامي العادل الجامع شرائط الفتوى، والذي يُعبر عنه بالمجتهد في الأحكام الشَّرعية، هو في حال الغيبة نائب الأئمة، في جميع ما تكون النِّيابة دخيلة فيه، وكثير مِن الأصحاب استثنى القتل والحدود مطلقاً، فإن التَّحكيم لديهم، والانقياد إلى حكمهم واجب، وله الحق في موارد الحاجة أن يبيع مال الفرد، الذي يمتنع عن أداء الحقِّ، وله الولاية على أموال الغيِّب والأطفال والسُّفهاء والمفلسين، ويستطيع أن يتصرف في أموال الممنوعين مِن التَّصرف في أموالهم، إلى آخر ما يبث للحاكم المنصوب مِن الإمام، والأصل في هذه المسألة رواية عمر بن حنظلة". إن استثناء القتل وتطبيق الحدود يعني أن ما أفاد به الكركي ولاية خاصة حُسبية لا عامة سياسية. غير أن ما أتى في "مقبولة ابن حنظلة" لا يحتمل النِّيابة العامة، على خلاف ما أشار إلى ذلك الشيح مُحسن كديفر قائلاً: "بمقتضى قول الإمام الصَّادق: فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإن هذه استنابة عامة". فالحاكم هنا تُفسر بالقاضي، لا بالسلطة السياسية.
ولاية الفقيه حسب النَّراقي
قرن النَّراقي، والذي أسهب الباحثون والكتاب في دوره باستنباط ولاية الفقيه، بين الولاية والعِلم، على أن العُلماء ورثة الأنبياء، أي يحلون محلهم في إدارة أحوال النَّاس، لكن في زماننا هذا والأزمنة السَّابقة هل يقتصر العِلم على الفقه فقط، أم هناك علوم في مختلف المجالات؟ بل إن مفهوم أو مصطلح الِعلم يختلف مِن عصر إلى آخر، ولم يَعد يُحتكر مِن قِبل الفقهاء، وإن إدارة الدَّولة بحاجة إلى عِلم السياسة والاقتصاد والاجتماع، فهذه كلها غدت علوماً مستقلة. بينما ما يُفهم مِن وراثة الأنبياء الفقه لاغيره، فالأنبياء رُسل لتبليغ الدِّين ومكارم الأخلاق.
طرح النَّراقي، في كتابه "عوائد الأيام"، فكرة "الفقيه الجامع للشرائط" الذي جُعل مِن قِبل القائلين بولاية الفقيه، في ما بعد، وهذا ما أشار إليه الكركي قبله بنحو ثلاثمئة عام، وهو القائم بمهام الإمام الغائب. قال: "لابد للفقيه المفتي أن يُعلم فيه الإفتاء عليه وما لا يجب، فنقول: الفقيه الجامع للشرائط في بلد المستفتي، أو في مكان يتعسر الوصول إليه، إما واحد أو متعدد". ومِن المعلوم أن هذا الشَّرط يخص المفتي أو القاضي، أي الحاكم الشَّرعي، بينما في ولاية الفقيه جُعلت شرطاً للولي الفقيه، على محمل الولاية العامة السِّياسية. غير أن أحوال السياسة والسُّلطة تجاوزت هذا الشَّرط، في أول اختبار لوراثة ولاية الفقيه، عندما أصبح حجة الإسلام علي خامنئي (بعد ذلك أصبح لقبه آية الله العُظمى) نائباً للإمام بعد وفاة الخميني (ت1989).
كانت الفكرة السَّائدة في الفكر الشِّيعي، قبل ما طرح فقيه العهد القاجاري أحمد النَّراقي (1245هـ/1826)، وحتى جاء روح الله الخميني (ت1989)، هي فكرة "الانتظار"، ويبقى دور الفقيه محصوراً بالولاية الخاصة "الحُسبية"، والتي لا تتعدى إلى إدارة الدَّولة وزعامة الفقيه لها، كما هو الحال بإيران اليوم. بعدها أعاد الخميني التَّذكير بما طرحه النَّراقي في كتابه "الحكومة الإسلامية"، الذي قُدم كمحاضرات على الطَّلبة بالنَّجف عام 1969، حيث كان الخميني يُقيم هناك كلاجئ سياسي، وكانت هذه الفكرة غير مستساغة مِن قِبل غيره، والمرجعية الدَّينية آنذاك، الممثلة بالسيد محسن الحكيم (ت1970) غير معنية بالفكرة، وليست محبذةً لها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر