بقلم : حسام الحداد
لا نستطيع إنكار أنه لا يوجد خطاب ديني واحد ليتم تجديده، فهناك خطابات متعددة منها الخطاب الديني السلفي، والمحافظ، والمتحرر وما يسمى بالمعتدل وغيرها. أضف إلى ذلك بأن هناك خطابًا للمؤسسات الدينية وخطابات تنتجها مجموعات دينية خارج إطار المؤسسات الدينية ليس لأحد السيطرة عليها كالخطاب السلفي الجهادي والخطاب الديني المتحرر الذي يتماهى مع القيم الغربية. إذن، نحن أمام مجموعة كبيرة من الخطابات الدينية التي لا يمكن تجديدها مرة واحدة وبسلة واحدة.. هذه صعوبة لا يمكن تجاوزها بسهولة.
رغم ذلك نرى أساتذة جامعات وعلماء بالأزهر يرددون كل يوم مقولة "تجديد الخطاب الديني" وكثير من الباحثين يتهمون جماعات بعينها تقف حائلًا أمام تجديد الخطاب الديني، وكان في مرمى الهدف هؤلاء المنتمون للفصيل السلفي الذي لا يعد فصيلًا واحدًا، بل هم مجموعة من السلفيين المتنوعين فيما بينهما، ولكل منهم خطابه الذي يعتمد عليه؛ نظرًا لمرجعياته الدينية والفكرية ما بين سلفية علمية "الدعوة السلفية" وسلفية مدخلية وسلفية محتسبة وسلفية حركة.. إلخ هذه المسميات.
ويتضح من هذا ان مفهوم الخطاب الديني بات غريبا على علماء الازهر، مفهوم غير واضح وغير محدد المعالم، فبعدما قال أحد علماء الأزهر ان تجديد الخطاب الديني هو القاء خطبة الجمعة باللهجة العامية أو بلغة يفهمها العامة، أكد الشيخ فرج أبو سمك وكيل مديرية الأوقاف بالبحيرة، أن مسئولية تجديد الخطاب الديني بما يتفق مع القرآن والسنة، وما أجمع عليه الفقهاء تقع على الدعاة والأئمة، مشيرا إلى أنه لا بد من تطوير وتجديد معلوماتهم الشخصية، ولا بد أيضا من مخاطبة الشباب في ذلك العصر باللغة التي يفهمونها، على ألا تتعارض مع الشريعة والسنة، حتى يمكن دعوتهم إلى الفكر الإسلامي الصحيح ونبذ التطرف بكل أشكاله ومواجهة هؤلاء الشباب بالترغيب.
وقال وكيل أوقاف البحيرة، خلال ندوة "تحديث الخطاب الديني ومواجهة الفكر المتطرف والإرهاب"، التي نظمها مجمع إعلام دمنهور، التابع للهيئة العامة للاستعلامات، برئاسة مدحت منيسي، مدير مجمع الإعلام، والتي شارك فيها مجموعة من الأئمة والدعاة بإدارات الأوقاف ببعض مراكز المحافظة، إن هناك مسئولية تقع على عاتق الدعاة في غرس روح الانتماء والولاء للوطن لدى الشباب والنشء، وكيفية احتواء الشباب عن طريق الابتسامة والبشاشة التي يجب أن يتمتع بها الداعية، ولا بد من العلاج العقلي للشباب بالقرآن والسنة النبوية الشريفة، وتسليح الداعية بما هو أهل له حتى يكون هو أهلا له، مع ضرورة إعداد الداعية فكريًا ومعنوياً وعلمياً ومادياً.
كما أكد الشيخ فرج أبوسمك، أهمية إصدار كتب ومطويات وتنظيم دورات تدريبية لتطوير الداعية،
وإيجاد هدف حتى يلتف حوله الشباب للعزوف عن الأفكار الهدامة، كما لا بد من تغيير صورة الإمام في الإعلام فلا يجب أن يظهر غير الأزهرين في الإعلام للحديث عن الدين.
وقال الشيخ فرج أبو سمك، إن الشريعة الإسلامية ومنهج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، صالحان لكل زمان ومكان، والأمة الإسلامية، أمة خيرية، "كنتم خير أمه أخرجت للناس"، ومقومات الخيرية في هذه الأمة ثلاث هي الإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، كما أن الأمة الإسلامية، أمة وسط، "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس"، والإسلام دائماً ينبذ الفكر المتطرف والإرهاب بكل صوره، مشيرا إلى أن الرسول (ص) تحدث عن موضوع تحديث الخطاب الديني بقوله "سيبعث الله على رأس هذه الأمة كل مائة عام من يجدد لها دينها"، وهذا المجدد سوف يحدث الخطاب الديني ويحسنه ليتناسب مع العصر الذي تعيشه الأمة وهكذا العصر تلو العصر.
وأكد أن الإسلام يرفض الفكر المتطرف حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "هلك المتنطعون"، الذين يتشددون في فتواهم وأداء رسالتهم دون الرجوع إلى الفكر الصحيح والسليم الذي يؤكد على أن الدين يسر، وهنا يأتي دور الدعاة في مواجهة هذا الفكر المتطرف بالفكر السليم والاستعانة بالمنهج الصحيح من القرآن والسنة ومواجهة الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان، مؤكدا أن الإسلام دعا للحفاظ على النفس البشرية "من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا"، كما ذكر النبي عليه السلام "لزوال الدنيا أهون عند الله تعالى من قتل نفس بغير حق".)
وشدد وكيل الأوقاف، على أن الفكر المتطرف، لا بد أن نعالجه ونواجه بالفكر المعتدل والدليل والبرهان، موضحا أن القدوة في رسول الله، وذكر أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف وإنما انتشر بالدعوة اللينة وطيب اللسان وذكر قصة أحد الكفار الذي دخل الإسلام بسلوكيات وأخلاق الرسول وليس خوفا من القتل.
وما يتم قوله من علماء الأزهر يطرح علينا سؤال غاية في الأهمية عن إمكانية تجديد الخطاب الديني، وحول مدى فاعلية تجديد الخطاب الديني من عدمه فلا بد من معرفة ماذا يعني الخطاب أولا. الخطاب هو مجموعة من المعايير المعرفية والأخلاقية متناسقة في منظومة فكرية ولغوية واحدة لها حدودها التي تفصلها عن باقي المعايير والخطابات الأخرى. والخطاب، أو تلك المنظومة ليست منفصلة عن الواقع بل هي تتحرك في سياقات محددة ومعينة من خلال اللغة المحكية والمكتوبة وطرق التواصل في مجتمع صغير أو كبير تحدد تلك اللغة طريقة التعامل بين من يتبنون ذلك الخطاب ومع من يتبنون خطابات أخرى. ومثل على ذلك أن الخطاب السلفي والذي له رؤية معينة في طريقة قراءة النص الديني من خلال العودة للسلف الصالح الذي قرأ النص وفهمه ونحن ملزمون بهذا الفهم وتطبيقه.
فالخطاب السلفي له منظومة معيارية ملتزم بها ترفض كل قيمة عقلية متجددة وترفض كل قيمة لها جذور غربية، وأن هذا الخطاب له بيئة يتحرك بها سياسيًّا من خلال الأحزاب السلفية واجتماعيًّا من خلال مجموعة من المساجد والأحياء السكنية؛ حيث يبدو للعيان طريقة الكلام والملبس بالنسبة للنساء والرجال والذي يميزهم عن باقي المجموعات الدينية الإسلامية، فطريقة الملبس والتعامل مع الآخرين تحدد من يتبنى هذا الخطاب ويعبر عنه لغة وتواصلا. فالخطاب مسئول بدرجة ما بصياغة العقلية الفردية والوعي الجمعي لمجموعات معينة ولكل خطاب مراكز قوى أيضا وناشطين يتبنونه ويسوقونه في مجال عام محدد. فمركز قوة الخطاب السلفي هي النص المقدس وقول السلف ومن يحمله فهم الدعاة وشيوخ الدين وخطباء الجوامع.
أما مصطلح التجديد والذي يعني بأن هناك خطابًا فاعلًا كان يلبي متطلبات الواقع ولما أن ذلك الواقع تطور بسرعة كبيرة فلا بد من التجديد؛ لذلك الخطاب ليتلاءم مرة أخرة مع الواقع الجديد. لا بد من الاعتراف بأن الخطاب الديني الإسلامي بأغلب فروعه كان وما زال يعيش أزمات متتالية، منذ غلق باب الاجتهاد إلى يومنا هذا، إذ إنه عجز من أن يطور نفسه في مخاطبة مريديه. آخر المحاولات كانت في نهايات القرن التاسع عشر في حركة الإصلاح الديني أو ما يسمى بالنهضة الإسلامية لجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وغيرهما.. إن تجديد الخطاب هو تجديد اللغة المحكية وطرق التواصل لتلائم المتلقي بشكل يناسب الواقع، إذ إنه لا يمس جوهر الفكر بالتجديد بل فقط بطريقة طرحه وتوصيله من جديد.
نعم، لقد كان للخطاب المتشدد دور كبير في ظهور التيارات الراديكالية المتشددة، ولكن، هذا لا يعني بأن النص المقدس وطريقة تفسيره كانا رافدين مهمين لذلك الخطاب المتجدد، إضافة لدور السرد الديني كقصص الشهادة وحياة الرسول وصحابته في مجتمع نقي ناصع البياض كما تصوره كتب التاريخ، فقد أصبح ذلك السرد- ومنه السرد القرآني- جزءًا لا يتجزأ من الوعي وذاكرة المجتمعات الإسلامية. فيمكن لأي شخص أو مجموعة من خارج المؤسسة الدينية التي تتبنى خطابًا معينًا من تفسير النصوص المقدسة والتزود من المعين السردي للقيام بفعل إرهابي، وعلى هذا الأساس فإن مقولة تجديد الخطاب الديني لا تبدو فكرة جيدة؛ لأن المشكلة لا زالت قائمة في أصل النص وطريقة التواصل معه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر