بعض اخبار المجاعات التي حدثت في مصر في التاريخ
تروي لنا صفحات التاريخ القديمة عن الكثير من المجاعات التي وقعت بأرض مصر وعانى منها شعب مصر أشد معاناة، وقد أرجع المؤرخون سبب هذه المجاعات إلى فساد الحكام وسوء إدارتهم والسياسات الاقتصادية الفاسدة التي اتبعوها،
ففي عام 87 هـ (706 م) وقع في مصر غلاء شديدا نتيجة لفساد الحاكم آنذاك “عبد الله بن عبد الملك بن مروان”، فقد كان ظالمًا مرتشيًا يأخذ الأموال من الخراج وغيره، وغلت الأسعار بمصر إلى الغاية، حتى قيل: إن أهل مصر لم يروا في عمرهم مثل تلك الأيام، وقاسى أهل مصر شدائد بسبب هذا الغلاء.
وفي سنة 96 هـ (715 م) تولى خراج مصر أسامة بن زيد التنوخي وكتب إليه الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك “احلب الدر حتى ينقطع ثم احلب الدم حتى ينصرم” (كانت مصر يتم تشبيها بالبقرة الحلوب في هذه الأزمنة)، فأصابت أهل مصر شدة عظيمة وحدث غلاء عظيم مات بسببه خلقا كثيرا أكثر مما يموت في الوباء.
وفي سنة 108 هـ (726 م) في ولاية حفص بن الوليد على مصر من قبل هشام بن عبد الملك حدث بمصر قحط شديد.
ثم وقع الغلاء في الدولة الإخشيدية أيضًا، ففي سنة 327 هـ (938 م) هجم على مصر جراد لا توصف كثرته حتى منع شعاع الشمس أن يقع على الأرض فأتى على الكروم والفواكه والنخل حتى خربت البساتين والحقول، فعمت المجاعة وخرج الناس في طلبه ليأكلوه حتى أفنوه.
وفي سنة 347 هـ (958) شهدت مصر جرادًا طبق الدنيا فأتى على جميع الغلات والأشجار ونفقت الماشية وعمت مجاعة أشد وطئًا من الأولى وما أفاد الناس ما أكلوه منه إذ عم الموت في كل مكان فأكل الناس حيوانات الشوارع ثم أكلوا جيف الماشية.
ثم حدث اجتياح الفئران لمصر، يقول المقريزي:
وقع سنة 341 هـ (952 م) وباء الفأر وأهلك الغلات والكروم وحدثت مجاعة شديدة فاضطر الناس لأكل الكلاب والقطط ثم عمدوا إلى الفئران.
ثم وقع غلاء عظيم عام 352 هـ (963 م) واستمر تسع سنين متتابعة، فعظم البلاء وانتقضت الأعمال لكثرة الفتن، ونهبت الضياع والغلات وماج الناس في مصر بسبب السعر، واضطربت أحوال البلاد اضطرابا شديدا فكثرت الفتن والحروب بين الجند والأمراء وراح ضحيتها خلق كثير وانتهبت الأسواق وأشعلت الحرائق وتضاعف السعر حتى بيع إردب القمح بستة دنانير وأفرط الغلاء حتى أطلق عليه الغلاء العظيم وأكل الناس الجيف والكلاب، وكانوا يسقطون موتى من الجوع واقترن بذلك وباء عظيم فكثر الموت ولم يلحق دفن الموتى فكان يحفر لهم حفرا ويرمى فيها عددا كثيرا ويردم عليهم التراب من غير صلاة ولا غسل ولا كفن.
وفي سنة 96 هـ (715 م) تولى خراج مصر أسامة بن زيد التنوخي وكتب إليه الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك “احلب الدر حتى ينقطع ثم احلب الدم حتى ينصرم” (كانت مصر يتم تشبيها بالبقرة الحلوب في هذه الأزمنة)، فأصابت أهل مصر شدة عظيمة وحدث غلاء عظيم مات بسببه خلقا كثيرا أكثر مما يموت في الوباء.
وفي سنة 108 هـ (726 م) في ولاية حفص بن الوليد على مصر من قبل هشام بن عبد الملك حدث بمصر قحط شديد.
ثم وقع الغلاء في الدولة الإخشيدية أيضًا، ففي سنة 327 هـ (938 م) هجم على مصر جراد لا توصف كثرته حتى منع شعاع الشمس أن يقع على الأرض فأتى على الكروم والفواكه والنخل حتى خربت البساتين والحقول، فعمت المجاعة وخرج الناس في طلبه ليأكلوه حتى أفنوه.
وفي سنة 347 هـ (958) شهدت مصر جرادًا طبق الدنيا فأتى على جميع الغلات والأشجار ونفقت الماشية وعمت مجاعة أشد وطئًا من الأولى وما أفاد الناس ما أكلوه منه إذ عم الموت في كل مكان فأكل الناس حيوانات الشوارع ثم أكلوا جيف الماشية.
ثم حدث اجتياح الفئران لمصر، يقول المقريزي:
وقع سنة 341 هـ (952 م) وباء الفأر وأهلك الغلات والكروم وحدثت مجاعة شديدة فاضطر الناس لأكل الكلاب والقطط ثم عمدوا إلى الفئران.
ثم وقع غلاء عظيم عام 352 هـ (963 م) واستمر تسع سنين متتابعة، فعظم البلاء وانتقضت الأعمال لكثرة الفتن، ونهبت الضياع والغلات وماج الناس في مصر بسبب السعر، واضطربت أحوال البلاد اضطرابا شديدا فكثرت الفتن والحروب بين الجند والأمراء وراح ضحيتها خلق كثير وانتهبت الأسواق وأشعلت الحرائق وتضاعف السعر حتى بيع إردب القمح بستة دنانير وأفرط الغلاء حتى أطلق عليه الغلاء العظيم وأكل الناس الجيف والكلاب، وكانوا يسقطون موتى من الجوع واقترن بذلك وباء عظيم فكثر الموت ولم يلحق دفن الموتى فكان يحفر لهم حفرا ويرمى فيها عددا كثيرا ويردم عليهم التراب من غير صلاة ولا غسل ولا كفن.
سنه444 هـ حدث الغلاء الأول و كادت تحدث مجاعة لولا الوزير الناصر لدين الله اليازورى و تنزيله للأسعار و إرضاء الجميع التجار و الفلاحين و الخبازين...
* أما في سنة 457هـ حدثت مجاعة تسمى الشدة الكبرى أكل الناس بعضهم و أكلوا الكلاب و كان من شدة الجوع تأكل الكلاب الأطفال الصغار و لا يستطيع الإباء إنقاذ أطفالهم من شدة ضعفهم و هزلهم و كان هذا في عهد المستنصر و باع كل شيء و جلس على الحصير و قلت هيبة المستنصر و هربت الأميرات للعراق و كانوا يمتن في الطريق و قد ظلت سبع سنوات و بيع رغيف الخبز بألف دينار و أكل جماعه من الناس حمار الوالي و شنقت هذه الجماعة وعند الصباح وجدوا أن الجماعة المشنوقة قد أكلت من على المشنقة...
* أما في سنة796هـ إلى 808هـ حدثت مجاعة في عهد السلطان برقوق صاحبه طاعون و ماتت ابنة المقريزي!!!
وقعت في أيام المستنصر الفاطمي مجاعة عظيمة في مصر، امتدت لسبع سنين، وسببها ضعف السلطنة واختلال أحوال المملكة، وكانت بدايتها في عام 457 هـ (1064 م).
وقد عرفت هذه المجاعة في التاريخ باسم “الشدة المستنصرية”، وفيها هلك في مصر خلق كثير لما حصل من الجوع الذي لم يعهد مثله في الدنيا، وتزايد الجوع حتى أكل الناس القطط والكلاب، ثم أكلوا بعضهم بعضًا، فكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها ومعهم سلب وحبال فيها كلاليب، فإذا مر بهم أحد ألقوها عليه ونشلوه في أسرع وقت وشرحوا لحمه وأكلوه.
أما المستنصر فقد باع كل ما في قصره من ذخائر وثياب وأثاث وسلاح وغيره.
ومن الحوادث التي وقعت في هذه الأثناء، أن وزير المستنصر نزل على باب القصر عن بغلته وليس معه إلا غلام واحد، فجاء ثلاثة وأخذوا البغلة من الغلام، ولم يقدر على منعهم لضعفه من الجوع فذبحوها وأكلوها، فقبض عليهم الحاكم وصلبهم، وعند الصباح وجدهم وقد أصبحوا هياكل عظمية، فقد أكل الناس لحومهم أثناء الليل!!!
ومن الحوادث أيضًا أن رجلاً باع داراً بالقاهرة بعشرين رطل دقيق وكان قد اشتراها قبل ذلك بتسعمائة دينار!!!
وكانت نساء القصور تخرجن ناشرات شعورهن تصحن “الجوع الجوع” فتسقطن عند المصلى وتمتن جوعًا.
وفي عهد الدولة الأيوبية وسلطنة العادل الأيوبي، ساءت الأحوال الاقتصادية بشدة، ووقعت في مصر مجاعة هائلة، هلك فيها معظم أهل مصر، حتى كادوا أن يفنوا، وكانت بدايتها في سنة 597 هـ (1200 م).
وقد دخلت هذه السنة مفترسة أسباب الحياة، فارتفعت الأسعار وأقحطت البلاد واشتد الجوع بالناس ووقع فيهم الموت، وخرج من مصر خلق كثير بعائلاتهم وأولادهم إلى الشام، فماتوا في الطرقات جوعاً، وشنع الموت في الأغنياء والفقراء، فبلغ عدد الأموات – في مدة يسيرة – نحو مائتي وعشرين ألف إنسان!!
واشتد بالفقراء الجوع حتى أكلوا الميتات والجيف والكلاب والأرواث، ثم تعدوا إلى ذلك أن أكلوا صغار بني آدم، وكثر هذا في الناس جدًا حتى صار لا يُنكر بينهم، وكان بعضهم يدخل بيت جاره فيجد القدر على النار، فينتظرها حتى تنزل ليأكل منها، فإذا فيها لحم الأطفال، وأكثر ما كان يوجد ذلك في بيوت أكابر البيوت، بينما كان رجال الفقراء ونساؤهم يتصيدون الصغار في الشوارع ويأكلوهم، فأمر صاحب الشرطة بإحراق من يفعل ذلك، فأحرقت في أقل من شهرين ثلاثون امرأة وجد معهن لحوم أطفال!!
ولما فرغت الأطفال والميتات غلب القوي الضعيف فذبحه وأكله.
وكان الرجل يحتال على الفقير فيأتي به ليطعمه أو ليعطيه شيئا، ثم يذبحه ويأكله.
وكان أحدهم يذبح امرأته ويأكلها وشاع هذا بينهم بلا إنكار ولا شكوى، بل يعذر بعضهم بعضًا، ووجد عند بعضهم أربعمائة رأس، وهلك كثير من الأطباء الذين يستدعون إلى المرضى، فكانوا يذبحون ويؤكلون، فكان الرجل يستدعي الطبيب ثم يذبحه ويأكله.
ومن الحوادث التي يرويها المؤرخون، أن شخصاً استدعى طبيبًا، فخافه الطبيب وسار معه على تخوف، حتى وصلا إلى الدار، فإذا هي خربة، فارتاب الطبيب مما رأى، وبينما هو يريد الدخول إليها إذ خرج رجل من الخربة، وقال للشخص الذي أحضر الطبيب: “مع هذا البطء جئت لنا بصيد واحدة”، فارتاع الطبيب، وفر على وجهه هاربًا، فلولا عناية الله به، وسرعة عدوه، لقبض عليه!!
وخلت مدينة القاهرة ومصر من أكثر أهلها، وصار من يموت لا يجد من يواريه، فيصير عدة أشهر حتى يؤكل أو يبلى.
وفي هذه الأثناء، كان الرحالة العراقي “عبد اللطيف البغدادي” يزور مصر، فروى لنا الأهوال مما رآه في هذه المأساة، وكان مما رواه: “رأيت امرأة يسحبها الرعاع وقد وجدوا معها صغيرا مشويا تأكل منه، ثم فشا في الناس أكل بعضهم بعضًا حتى فنى أكثرهم، وظهر من هؤلاء الخبثاء من يصيد الناس بأصناف الحيل والخداع، فكان عند جامع ابن طولون قوما يخطفون الناس، بينما آوت جماعة من الفقراء إلى الجيزة واختبئوا في بيوت من طين يتصيدون فيها الناس.
وهذه البلية التي شرحناها وجدت في جميع بلاد مصر، ليس فيها بلد إلا وتم أكل الناس فيها أكلاً ذريعًا، من أسوان وقوص والفيوم والمحلة والإسكندرية ودمياط وسائر النواحي.
ومما شاع أيضًا نبش القبور وأكل الموتى وبيع لحمهم، وأما القتل والفتك ففشي في كل مكان، وكان الموتى ليس لهم عددًا ويرمون ولا يوارون، وأما الضواحي والقرى فقد هلك أهلها قاطبة إلا ما شاء الله، وقد دخلنا مدينة (الكلام لعبد اللطيف البغدادي) فلم نجد فيها حيوانًا في الأرض ولا طائرًا في السماء فتخللنا البيوت، فوجدنا أهلها كما قال الله عز وجل “جعلناهم حصيدًا خامدين”، فتجد ساكني كل دار موتى فيها الرجل وزوجته وأولاده، ثم انتقلنا إلى بلد آخر فوجدناه كالذي قبله من الخراب، ووجدنا القرى التي كانت تشتمل على زهاء عشرة آلاف نسمة وقد صارت خرابًا.
وأما بيع الحرائر فشاع وذاع، حتى كانت الحرة تبيع نفسها مقابل دراهم معدودة، وسألتني امرأة أن اشتري ابنتها وكانت جميلة دون البلوغ بخمسة دراهم فقلت لها أن هذا حرام، فقالت خذها هدية!!!
ومن الله سبحانه يُرجى الفرج وهو المتيح للخير بمنه وجوده.”
مصادر:
المقريزي – إغاثة الأمة بكشف الغمة
يوسف بن تغري – النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
ابن كثير – البداية والنهاية
المقريزي – السلوك لمعرفة دول الملوك
موفق الدين عبد اللطيف البغدادي (رحالة عراقي) – كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر
* أما في سنة 457هـ حدثت مجاعة تسمى الشدة الكبرى أكل الناس بعضهم و أكلوا الكلاب و كان من شدة الجوع تأكل الكلاب الأطفال الصغار و لا يستطيع الإباء إنقاذ أطفالهم من شدة ضعفهم و هزلهم و كان هذا في عهد المستنصر و باع كل شيء و جلس على الحصير و قلت هيبة المستنصر و هربت الأميرات للعراق و كانوا يمتن في الطريق و قد ظلت سبع سنوات و بيع رغيف الخبز بألف دينار و أكل جماعه من الناس حمار الوالي و شنقت هذه الجماعة وعند الصباح وجدوا أن الجماعة المشنوقة قد أكلت من على المشنقة...
* أما في سنة796هـ إلى 808هـ حدثت مجاعة في عهد السلطان برقوق صاحبه طاعون و ماتت ابنة المقريزي!!!
الشدة المستنصرية:
وقعت في أيام المستنصر الفاطمي مجاعة عظيمة في مصر، امتدت لسبع سنين، وسببها ضعف السلطنة واختلال أحوال المملكة، وكانت بدايتها في عام 457 هـ (1064 م).
وقد عرفت هذه المجاعة في التاريخ باسم “الشدة المستنصرية”، وفيها هلك في مصر خلق كثير لما حصل من الجوع الذي لم يعهد مثله في الدنيا، وتزايد الجوع حتى أكل الناس القطط والكلاب، ثم أكلوا بعضهم بعضًا، فكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها ومعهم سلب وحبال فيها كلاليب، فإذا مر بهم أحد ألقوها عليه ونشلوه في أسرع وقت وشرحوا لحمه وأكلوه.
أما المستنصر فقد باع كل ما في قصره من ذخائر وثياب وأثاث وسلاح وغيره.
ومن الحوادث التي وقعت في هذه الأثناء، أن وزير المستنصر نزل على باب القصر عن بغلته وليس معه إلا غلام واحد، فجاء ثلاثة وأخذوا البغلة من الغلام، ولم يقدر على منعهم لضعفه من الجوع فذبحوها وأكلوها، فقبض عليهم الحاكم وصلبهم، وعند الصباح وجدهم وقد أصبحوا هياكل عظمية، فقد أكل الناس لحومهم أثناء الليل!!!
ومن الحوادث أيضًا أن رجلاً باع داراً بالقاهرة بعشرين رطل دقيق وكان قد اشتراها قبل ذلك بتسعمائة دينار!!!
وكانت نساء القصور تخرجن ناشرات شعورهن تصحن “الجوع الجوع” فتسقطن عند المصلى وتمتن جوعًا.
وفي عهد الدولة الأيوبية وسلطنة العادل الأيوبي، ساءت الأحوال الاقتصادية بشدة، ووقعت في مصر مجاعة هائلة، هلك فيها معظم أهل مصر، حتى كادوا أن يفنوا، وكانت بدايتها في سنة 597 هـ (1200 م).
وقد دخلت هذه السنة مفترسة أسباب الحياة، فارتفعت الأسعار وأقحطت البلاد واشتد الجوع بالناس ووقع فيهم الموت، وخرج من مصر خلق كثير بعائلاتهم وأولادهم إلى الشام، فماتوا في الطرقات جوعاً، وشنع الموت في الأغنياء والفقراء، فبلغ عدد الأموات – في مدة يسيرة – نحو مائتي وعشرين ألف إنسان!!
واشتد بالفقراء الجوع حتى أكلوا الميتات والجيف والكلاب والأرواث، ثم تعدوا إلى ذلك أن أكلوا صغار بني آدم، وكثر هذا في الناس جدًا حتى صار لا يُنكر بينهم، وكان بعضهم يدخل بيت جاره فيجد القدر على النار، فينتظرها حتى تنزل ليأكل منها، فإذا فيها لحم الأطفال، وأكثر ما كان يوجد ذلك في بيوت أكابر البيوت، بينما كان رجال الفقراء ونساؤهم يتصيدون الصغار في الشوارع ويأكلوهم، فأمر صاحب الشرطة بإحراق من يفعل ذلك، فأحرقت في أقل من شهرين ثلاثون امرأة وجد معهن لحوم أطفال!!
ولما فرغت الأطفال والميتات غلب القوي الضعيف فذبحه وأكله.
وكان الرجل يحتال على الفقير فيأتي به ليطعمه أو ليعطيه شيئا، ثم يذبحه ويأكله.
وكان أحدهم يذبح امرأته ويأكلها وشاع هذا بينهم بلا إنكار ولا شكوى، بل يعذر بعضهم بعضًا، ووجد عند بعضهم أربعمائة رأس، وهلك كثير من الأطباء الذين يستدعون إلى المرضى، فكانوا يذبحون ويؤكلون، فكان الرجل يستدعي الطبيب ثم يذبحه ويأكله.
ومن الحوادث التي يرويها المؤرخون، أن شخصاً استدعى طبيبًا، فخافه الطبيب وسار معه على تخوف، حتى وصلا إلى الدار، فإذا هي خربة، فارتاب الطبيب مما رأى، وبينما هو يريد الدخول إليها إذ خرج رجل من الخربة، وقال للشخص الذي أحضر الطبيب: “مع هذا البطء جئت لنا بصيد واحدة”، فارتاع الطبيب، وفر على وجهه هاربًا، فلولا عناية الله به، وسرعة عدوه، لقبض عليه!!
وخلت مدينة القاهرة ومصر من أكثر أهلها، وصار من يموت لا يجد من يواريه، فيصير عدة أشهر حتى يؤكل أو يبلى.
وفي هذه الأثناء، كان الرحالة العراقي “عبد اللطيف البغدادي” يزور مصر، فروى لنا الأهوال مما رآه في هذه المأساة، وكان مما رواه: “رأيت امرأة يسحبها الرعاع وقد وجدوا معها صغيرا مشويا تأكل منه، ثم فشا في الناس أكل بعضهم بعضًا حتى فنى أكثرهم، وظهر من هؤلاء الخبثاء من يصيد الناس بأصناف الحيل والخداع، فكان عند جامع ابن طولون قوما يخطفون الناس، بينما آوت جماعة من الفقراء إلى الجيزة واختبئوا في بيوت من طين يتصيدون فيها الناس.
وهذه البلية التي شرحناها وجدت في جميع بلاد مصر، ليس فيها بلد إلا وتم أكل الناس فيها أكلاً ذريعًا، من أسوان وقوص والفيوم والمحلة والإسكندرية ودمياط وسائر النواحي.
ومما شاع أيضًا نبش القبور وأكل الموتى وبيع لحمهم، وأما القتل والفتك ففشي في كل مكان، وكان الموتى ليس لهم عددًا ويرمون ولا يوارون، وأما الضواحي والقرى فقد هلك أهلها قاطبة إلا ما شاء الله، وقد دخلنا مدينة (الكلام لعبد اللطيف البغدادي) فلم نجد فيها حيوانًا في الأرض ولا طائرًا في السماء فتخللنا البيوت، فوجدنا أهلها كما قال الله عز وجل “جعلناهم حصيدًا خامدين”، فتجد ساكني كل دار موتى فيها الرجل وزوجته وأولاده، ثم انتقلنا إلى بلد آخر فوجدناه كالذي قبله من الخراب، ووجدنا القرى التي كانت تشتمل على زهاء عشرة آلاف نسمة وقد صارت خرابًا.
وأما بيع الحرائر فشاع وذاع، حتى كانت الحرة تبيع نفسها مقابل دراهم معدودة، وسألتني امرأة أن اشتري ابنتها وكانت جميلة دون البلوغ بخمسة دراهم فقلت لها أن هذا حرام، فقالت خذها هدية!!!
ومن الله سبحانه يُرجى الفرج وهو المتيح للخير بمنه وجوده.”
مصادر:
المقريزي – إغاثة الأمة بكشف الغمة
يوسف بن تغري – النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
ابن كثير – البداية والنهاية
المقريزي – السلوك لمعرفة دول الملوك
موفق الدين عبد اللطيف البغدادي (رحالة عراقي) – كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر
-----------------------
من كتاب المقريزي (اغاثة لامة يكشف الغمة)
تحدث المقريزي في كتابه إغاثة الأمة بكشف الغمة أو "تاريخ المجاعات في مصر"، الحديث عن الأزمات الاقتصادية والمجاعات التي عاشتها مصر، ليصور لنا ما لاقته معظم فئات الشعب والجماهير المصرية من ضروب المحن والمآسي، في غفلة من الحكام، الذين فضل معظمهم الابتعاد عن الجماهير ، وجعلوا كل همهم في جني الأموال وتحصيلها والإكثار منها، والاحتفاظ بالسلطة والحكم بمختلف الوسائل الأخلاقية وغير الأخلاقية، ومهما حل بالشعب من آلام ومصائب. واستطاع المقريزي أن يحدد الأسباب التي أدت إلى حدوث هذه المآسي والمجاعات ووصفها واحداً واحداً لتلافيها وعدم الوقوع فيها مرة ثانية. لقد عدد الكثير من المجاعات التي ألمت بمصر وأوضح صورها وأسبابها وحمّل مسؤولية هذه المجاعات للحكام الغافلين عن مصالح العباد، والغارقين في ملذات الدنيا وعبثها (ذكر منها قرابة ستاً وعشرين مجاعة).
لقد كانت وسائل الإنتاج بسيطة، حيث كان يسود في المدينة الإنتاج الحرفي مع أدواته البسيطة، وتمركزه الضعيف ورأسماله القليل، أما في الريف فلم تكون وسائل الإنتاج تعدو المألوف من محاريث يدوية وأوائل زراعية تقليدية. ويوضح المقريزي بأن المصائب والمحن تعاظمت على الناس في مصر بحيث ضن الناس أن هذه المحن لم يكون فيما مضى مثلها ولا مر الزمان في شبهها، حتى أنهم قالوا لا يمكن زوالها، وغفلوا أن ما بالناس هو ناتج من سوء تدبير الزعماء والحكام، وغفلتهم عن النظر في مصالح العباد، وما هذه الأزمة التي تمر بها مصر حالياً إلا كما مر من الأزمات والمصائب والمحن التي مرت بها فيما مضى من الأزمات وحاول المقريزي أن يذكر من الأزمات والمحن والمجاعات التي مرت بها مصر فيما مضى، ما يتضح به أنها كانت أشد وأصعب من هذه المحن التي نزلت بالناس في هذا الزمان بأضعاف مضاعفة، حتى ولو كانت الأزمة الحالية مشاهدة والماضية خبراً.
وأكد المقريزي على أن المحن والأزمات تتعاقب على هذا الكون منذ بداية الخليقة وفي سائر الأقطار والبلدان، وهو يحاول أن يوضح في كتابه هذا ما حل بمصر وشعب مصر من المجاعات منذ آدم عليه السلام وإلى الزمن الحاضر " الذي عاشه " وهو يعود إلى التاريخ ويحاول أن يوضح ويذكر أهم ما حدث لشعب مصر من المصائب على مر العصور. ويذكر على لسان الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه في كتابه أخبار مصر لما قبل الإسلام، ( أن أول غلاء وقع بمصر كان في عهد الملك السابع عشر من ملوك مصر قبل الطوفان . واسمه افروس بن مناوش الذي كان طوفان نوح عليه السلام في زمنه ، على قول ابن هرجيب بن شلهوب، وكان سبب الغلاء ارتفاع الأمطار وقلة ماء النيل، فعقمت البهائم ، ووقع الموت فيها لما أراده الله سبحانه وتعالى من هلاك العالم بالطوفان
يقص لنا المؤرخ الكبير موفق الدين عبد اللطيف البغدادي....نبأ تلك المجاعة المفجعه التي حدثت في مصر فى رمضان سنة 595هـ في عهد الدولةالأيوبية!!حبث يئس الناس من زيادة النيل فارتفعت الأسعار و انتشر القحط...و اشتد الجوع بالناس حتى إذا جاء رمضان سنة 595هـ كانت المجاعة على أشدها والمآسي التي تحدث بسببها لايصدقها عقل،ولولا أن البغدادي كان في القاهرة في ذلك الوقت و قص ما شاهده و هو المعروف بصدقه و اتزانه لولا ذلك ما صدق القارئ ما حدث في رمضان 595هـ وما بعده... انها عبرة لمن يعتبر!
و يسرد لنا عبد اللطيف البغدادي بكل الم ما عاينه و رآه فيقول في كتابه القيم "الإفادة و الإعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر"
يقول: و اشتد بالفقراء الجوع حتى أكلوا الميتات والجيف والكلاب والبعر والأرواث ،ثم تعدوا ذلك إلى أن أكلوا صغار بني آدم فكثيرا ما يعثر عليهم ومعهم صغار مشويون أو مطبوخون فيأمر صاحب الشرطة بإحراق الفاعل لذلك والآكل ، ورأيت صغيراً مشوياً في قفة وقد أحضر إلى دار الوالي ومعه رجل وإمرأة زعم الناس أنهما أبواه فأمر بإحراقهما .."
و يصف مشاهداته المروعة فيقول " ووجد في رمضان وبمصر رجل وقد جردت عظامه عن اللحم فأكل وبقى قفصاً كما يفعل الطباخون بالغنم.. ولقد رأيت إمراة يسحبها الرعاع في السوق ظفروا معها بصغير مشوي تأكل منه ،وأهل السوق ذاهلون عنها ومقبلون على شئونهم وليس فيهم من يعجب لذلك أو ينكره ، فعاد تعجبي منهم أشد وما ذلك إلا لكثرة تكرره على إحساسهم حتى صار في حكم المألوف الذي لا يستحق أن يتعجب منه، ورأيت قبل ذلك بيومين صبياً نحو الرهاق مشوياً وقد أخذ به شابان أقرَا بقتله وشيِّه وأكل ْ بعضه .." .
و يحكي قصص مزعجة في هذا السياق وكلها تدور حول فقراء جوعى من رجال ونساء وقد انتشروا في شوارع القاهرة يخطفون الصغار ويأكلونهم ، وقد أصابهم الجوع بالسعاروالجنون، وأنه إذا عوقب أحدهم بالحرق ما لبث أن يأكله الآخرون..!! .
و يقول تلك العبارة المؤلمة " ثم فشا فيهم أكل بعضهم بعضاً حتى تفانى أكثرهم ، ودخل في ذلك جماعة من المياسير والمساتير، منهم من يفعله احتياجاً ومنه من يفعله استطابة".
ثم يحكي عن الحيل التي كان يخترعها بعضهم للإيقاع بالناس وأكلهم .. ويقول أن الوالي حكي له أن إمراة دعيت إلى وليمة فوجدت لحماً كثيراً فاسترابت في الأمر وسألت بنتاً صغيرة من المنزل سراً عن ذلك اللحم فقالت:إنها فلانة السمينة دخلت لتزورنا فذبحها أبي وها هي معلقة.. فهربت السيدة إلى الوالي فهجم على المنزل ولكن هرب صاحب البيت .
ويروي من الغرائب أن إحدى النسوة الأثرياء كانت حاملاً وكان جيرانها من الصعاليك فكانت تشم عندهم رائحة طبيخ فاشتهت منه كما هي عادة الحبالى فأكلت منه وأحبته وعرفت منهم أنه لحم آدمي فأدمنته وصاروا يتصيدون لها وغلبها السعار ، واكتشف أمرها في النهاية فحبست وأرجئ قتلها احتراماً لزوجها الغائب حتى تضع حملها..
و يقول عبد اللطيف البغدادي أنه يحكي ما يشاهده دون قصد، وأن ما رآه أكثر مما يحكيه وأنه كثيراً ما كان يفر مما يرى من بشاعته.
و يقول إن المضبوطات في بيت الوالي كانت تشتمل على كوارع ورءوس آدمية وأطراف مطبوخة في القمح وغيره!!!
و يقول وكثيراً ما يدعي بعضهم أنه يأكل ولده!و زوجه أو حفيده ولئن يأكله هو خير من أن يأكله غيره !! .
و يقول ومما شاع أيضا نبش القبور وأكل الموتى وبيع لحمهم، وهذه البلية وجدت في جميع بلاد مصر من أسوان وقوص والفيوم والمحلة والاسكندرية ودمياط وسائر النواحي .
و تحدث عن قطع الطريق وقتل المسافرين وعن موت الفقراء في الطرقات والجثث العائمة في النيل ، وخلو القرى والمدن من السكان ، وتحدث عن بيع الأولاد والبنات بدراهم معدودة ،حتى تباع الفتاة الحسناء بدراهم ، ويقول أنهم عرضوا عليه فتاتين مراهقتين بدينار واحد ، وأنه رأى فتاتين إحداهما بكر يُنادى عليهما باحدى عشر درهماً ، وقد سألته إمرأة ان يشتري إبنتها وكانت جميلة دون البلوغ بخمسة دراهم فقال لهم إن ذلك حرام فقالت له: خذها هدية .!! ويقول إن كثيراً من النساء والولدان أصحاب الجمال كانوا يترامون على الميسورين ليشتروهم أو يبيعوهم .. ووصل بعضهم إلى إيران..
و في هذه المحنة برز بعض الفجرة الأغنياء اشتروا الأحرار الجوعى واسترقوا النساء الحرائر بأقل الأثمان ويحكي البغدادي أن بعضهم كان يفتخر بأنه اشترى خمسين بكراً أو سبعين..
من كتاب المقريزي (اغاثة لامة يكشف الغمة)
تحدث المقريزي في كتابه إغاثة الأمة بكشف الغمة أو "تاريخ المجاعات في مصر"، الحديث عن الأزمات الاقتصادية والمجاعات التي عاشتها مصر، ليصور لنا ما لاقته معظم فئات الشعب والجماهير المصرية من ضروب المحن والمآسي، في غفلة من الحكام، الذين فضل معظمهم الابتعاد عن الجماهير ، وجعلوا كل همهم في جني الأموال وتحصيلها والإكثار منها، والاحتفاظ بالسلطة والحكم بمختلف الوسائل الأخلاقية وغير الأخلاقية، ومهما حل بالشعب من آلام ومصائب. واستطاع المقريزي أن يحدد الأسباب التي أدت إلى حدوث هذه المآسي والمجاعات ووصفها واحداً واحداً لتلافيها وعدم الوقوع فيها مرة ثانية. لقد عدد الكثير من المجاعات التي ألمت بمصر وأوضح صورها وأسبابها وحمّل مسؤولية هذه المجاعات للحكام الغافلين عن مصالح العباد، والغارقين في ملذات الدنيا وعبثها (ذكر منها قرابة ستاً وعشرين مجاعة).
لقد كانت وسائل الإنتاج بسيطة، حيث كان يسود في المدينة الإنتاج الحرفي مع أدواته البسيطة، وتمركزه الضعيف ورأسماله القليل، أما في الريف فلم تكون وسائل الإنتاج تعدو المألوف من محاريث يدوية وأوائل زراعية تقليدية. ويوضح المقريزي بأن المصائب والمحن تعاظمت على الناس في مصر بحيث ضن الناس أن هذه المحن لم يكون فيما مضى مثلها ولا مر الزمان في شبهها، حتى أنهم قالوا لا يمكن زوالها، وغفلوا أن ما بالناس هو ناتج من سوء تدبير الزعماء والحكام، وغفلتهم عن النظر في مصالح العباد، وما هذه الأزمة التي تمر بها مصر حالياً إلا كما مر من الأزمات والمصائب والمحن التي مرت بها فيما مضى من الأزمات وحاول المقريزي أن يذكر من الأزمات والمحن والمجاعات التي مرت بها مصر فيما مضى، ما يتضح به أنها كانت أشد وأصعب من هذه المحن التي نزلت بالناس في هذا الزمان بأضعاف مضاعفة، حتى ولو كانت الأزمة الحالية مشاهدة والماضية خبراً.
وأكد المقريزي على أن المحن والأزمات تتعاقب على هذا الكون منذ بداية الخليقة وفي سائر الأقطار والبلدان، وهو يحاول أن يوضح في كتابه هذا ما حل بمصر وشعب مصر من المجاعات منذ آدم عليه السلام وإلى الزمن الحاضر " الذي عاشه " وهو يعود إلى التاريخ ويحاول أن يوضح ويذكر أهم ما حدث لشعب مصر من المصائب على مر العصور. ويذكر على لسان الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه في كتابه أخبار مصر لما قبل الإسلام، ( أن أول غلاء وقع بمصر كان في عهد الملك السابع عشر من ملوك مصر قبل الطوفان . واسمه افروس بن مناوش الذي كان طوفان نوح عليه السلام في زمنه ، على قول ابن هرجيب بن شلهوب، وكان سبب الغلاء ارتفاع الأمطار وقلة ماء النيل، فعقمت البهائم ، ووقع الموت فيها لما أراده الله سبحانه وتعالى من هلاك العالم بالطوفان
البغدادي يروي تفاصيل مجاعة فى مصر فى رمضان سنة 595هـ
يقص لنا المؤرخ الكبير موفق الدين عبد اللطيف البغدادي....نبأ تلك المجاعة المفجعه التي حدثت في مصر فى رمضان سنة 595هـ في عهد الدولةالأيوبية!!حبث يئس الناس من زيادة النيل فارتفعت الأسعار و انتشر القحط...و اشتد الجوع بالناس حتى إذا جاء رمضان سنة 595هـ كانت المجاعة على أشدها والمآسي التي تحدث بسببها لايصدقها عقل،ولولا أن البغدادي كان في القاهرة في ذلك الوقت و قص ما شاهده و هو المعروف بصدقه و اتزانه لولا ذلك ما صدق القارئ ما حدث في رمضان 595هـ وما بعده... انها عبرة لمن يعتبر!
و يسرد لنا عبد اللطيف البغدادي بكل الم ما عاينه و رآه فيقول في كتابه القيم "الإفادة و الإعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر"
يقول: و اشتد بالفقراء الجوع حتى أكلوا الميتات والجيف والكلاب والبعر والأرواث ،ثم تعدوا ذلك إلى أن أكلوا صغار بني آدم فكثيرا ما يعثر عليهم ومعهم صغار مشويون أو مطبوخون فيأمر صاحب الشرطة بإحراق الفاعل لذلك والآكل ، ورأيت صغيراً مشوياً في قفة وقد أحضر إلى دار الوالي ومعه رجل وإمرأة زعم الناس أنهما أبواه فأمر بإحراقهما .."
و يصف مشاهداته المروعة فيقول " ووجد في رمضان وبمصر رجل وقد جردت عظامه عن اللحم فأكل وبقى قفصاً كما يفعل الطباخون بالغنم.. ولقد رأيت إمراة يسحبها الرعاع في السوق ظفروا معها بصغير مشوي تأكل منه ،وأهل السوق ذاهلون عنها ومقبلون على شئونهم وليس فيهم من يعجب لذلك أو ينكره ، فعاد تعجبي منهم أشد وما ذلك إلا لكثرة تكرره على إحساسهم حتى صار في حكم المألوف الذي لا يستحق أن يتعجب منه، ورأيت قبل ذلك بيومين صبياً نحو الرهاق مشوياً وقد أخذ به شابان أقرَا بقتله وشيِّه وأكل ْ بعضه .." .
و يحكي قصص مزعجة في هذا السياق وكلها تدور حول فقراء جوعى من رجال ونساء وقد انتشروا في شوارع القاهرة يخطفون الصغار ويأكلونهم ، وقد أصابهم الجوع بالسعاروالجنون، وأنه إذا عوقب أحدهم بالحرق ما لبث أن يأكله الآخرون..!! .
و يقول تلك العبارة المؤلمة " ثم فشا فيهم أكل بعضهم بعضاً حتى تفانى أكثرهم ، ودخل في ذلك جماعة من المياسير والمساتير، منهم من يفعله احتياجاً ومنه من يفعله استطابة".
ثم يحكي عن الحيل التي كان يخترعها بعضهم للإيقاع بالناس وأكلهم .. ويقول أن الوالي حكي له أن إمراة دعيت إلى وليمة فوجدت لحماً كثيراً فاسترابت في الأمر وسألت بنتاً صغيرة من المنزل سراً عن ذلك اللحم فقالت:إنها فلانة السمينة دخلت لتزورنا فذبحها أبي وها هي معلقة.. فهربت السيدة إلى الوالي فهجم على المنزل ولكن هرب صاحب البيت .
ويروي من الغرائب أن إحدى النسوة الأثرياء كانت حاملاً وكان جيرانها من الصعاليك فكانت تشم عندهم رائحة طبيخ فاشتهت منه كما هي عادة الحبالى فأكلت منه وأحبته وعرفت منهم أنه لحم آدمي فأدمنته وصاروا يتصيدون لها وغلبها السعار ، واكتشف أمرها في النهاية فحبست وأرجئ قتلها احتراماً لزوجها الغائب حتى تضع حملها..
و يقول عبد اللطيف البغدادي أنه يحكي ما يشاهده دون قصد، وأن ما رآه أكثر مما يحكيه وأنه كثيراً ما كان يفر مما يرى من بشاعته.
و يقول إن المضبوطات في بيت الوالي كانت تشتمل على كوارع ورءوس آدمية وأطراف مطبوخة في القمح وغيره!!!
و يقول وكثيراً ما يدعي بعضهم أنه يأكل ولده!و زوجه أو حفيده ولئن يأكله هو خير من أن يأكله غيره !! .
و يقول ومما شاع أيضا نبش القبور وأكل الموتى وبيع لحمهم، وهذه البلية وجدت في جميع بلاد مصر من أسوان وقوص والفيوم والمحلة والاسكندرية ودمياط وسائر النواحي .
و تحدث عن قطع الطريق وقتل المسافرين وعن موت الفقراء في الطرقات والجثث العائمة في النيل ، وخلو القرى والمدن من السكان ، وتحدث عن بيع الأولاد والبنات بدراهم معدودة ،حتى تباع الفتاة الحسناء بدراهم ، ويقول أنهم عرضوا عليه فتاتين مراهقتين بدينار واحد ، وأنه رأى فتاتين إحداهما بكر يُنادى عليهما باحدى عشر درهماً ، وقد سألته إمرأة ان يشتري إبنتها وكانت جميلة دون البلوغ بخمسة دراهم فقال لهم إن ذلك حرام فقالت له: خذها هدية .!! ويقول إن كثيراً من النساء والولدان أصحاب الجمال كانوا يترامون على الميسورين ليشتروهم أو يبيعوهم .. ووصل بعضهم إلى إيران..
و في هذه المحنة برز بعض الفجرة الأغنياء اشتروا الأحرار الجوعى واسترقوا النساء الحرائر بأقل الأثمان ويحكي البغدادي أن بعضهم كان يفتخر بأنه اشترى خمسين بكراً أو سبعين..
حسبنا الله ونعم الوكيل
ردحذفنعوذ بالله من الجوع فإنه بئس الضجيع المعدة أقسى الاسياد