الضرائب
أ- في العهود الإسلامية الأولى: حين احتل عرب الجزيرة بلاد الشام، وفلسطين من بينها. انتهى عهد، بالنسبة إلى النظام المالي في هذه البلاد، وبدأ عهد جديد. فبعد أن كان الحكم البيزنطي بفرض ضرائب كثيرة ومتنوعة على سكان هذه البلاد (كضريبة الأرض وضرائب القنوات وضرائب الغلال وضريبة الرؤوس والضرائب التجارية وضرائب الحرف والمنازل والمواشي. إلخ) جاء الإسلام فألغى هذه الضرائب، ولم يبق سوى الجزية والخراج، الضريبتين الرئيستين، وبعض الضرائب الأخرى كالزكاة والمكوس والعشور والصدقات وهي من الموارد الثانوية لبيت المال.
وحين دون عمر بن الخطاب* الدواوين أوجد “ديوان الخراج” أو “ديوان بيت المال” الذي أقرته للأمور المالية. وهكذا منذ أيام عمر كان لجند فلسطين ديوان خراج خاص به. وكان لهذا الديوان مسؤول يسمى “صاحب الخراج” يتبع الخليفة مباشرة، ويقيم في قصبة الجند إلى جانب الوالي مباشرة. وقد ولي ديوان الخراج رجالات من أهل البلاد، أو من القبائل التي هاجرت إليها، من بينهم سليمان المشجعي من قضاعة* وعن معاوية بن أبي سفيان*، والطريق بين النكافي في عهد سليمان بن عبد الملك*، وعبد الله ابن عوف في خلافة عمر بن عبد العزيز، وابن ابي جمعة الكاتب في عهد إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك.
وفي جند فلسطين، كما في الولايات الإسلامية المختلفة في صدر الإسلام، وزمن خلافة بني أمية وما تلاها من عهود، كانت الزكاة والجزية والخراج والعشور أهم موارد بيت المال. ولم تكن الزكاة في بداية هذه الفترة أحد الموارد الرئيسة لبيت المال، ولكن مقدارها ازداد بازدياد هجرة القبائل إليها واستيطانهم فيها. وكان للزكاة والصدقات عامل خاص يلي أمرها، ولها سجلات خاصة بوارداتها ونفقاتها.
أما الجزية فكان أهل الذمة، من نصارى ويهود وسامرة يؤديها كل سنة (رَ: السامريون). واختلف الجزية باختلاف أموال أهلها يسراً أو عسراً، لذا كانت على من في فلسطين مثلاً أيام يزيد ابن معاوية خمسة دنانير عن كل مكلف في حين كانت دينارين عمن في الأردن. ويبدو أنها كانت على السامرة أقل من غيرهم، لأنهم ساعدوا في الفتوحات، وكانوا أدلاء وعيوناً للمسلمين.
والضريبة الثالثة، هي الخراج، وضعت على الأرض المزروعة التي ملكها المسلمون بالصلح، أو بدون حرب لهرب أهلها منها أو الأرض التي ملكوها عنوة وتركوها في أيدي أهلها على خراج يؤدونه لبيت مال المسلمين، كأنه أجرة للأرض. ويؤخذ الخراج ممن يستغل الأرض، مسلماً كان أو ذمياً. وكان الخراج إما شيئاً مقدراً من مال أو غلة، وإما حصة شائعة مما يخرج من الأرض.
وقد اعتبرت أرض الشام كلها أرض عنوة، وأشار عمر بن الخطاب على أبي عبيدة، أن يقر الأرض في أيدي أهلها وأن يأخذ منهم الخراج لأنهم أعرف بعمرانها.
ولم يكن في الشام من أرض الصلح، إلا بعض المدن، وكانت تدفع الخراج بحسب الشروط التي صولحت عليها، كما في صلح بيت المقدس (رَ: إيلياء، عهد).
أما أرض العشر، فهي الأرض التي ملكها المسلمون، فهم يدفعون ضريبة العشر. ومن هذه الأراضي في فلسطين أراض السلم عليها أهلها قبل الفتح، أو من غير قتال. وكان أغلب هذا النوع من الأرض في الجزء الجنوبي من فلسطين الذي قبل أهله دعوة الإسلام قبل عصر الفتوح، هذا فضلاً عن الأرض التي امتلكها العرب عن طريق الشراء، والأراضي الموات التي أحياها المسلمون وتملكوها وأراضي الصوافي والإقطاع مما لا مجال للتفصيل فيه.
وكان مقدار الخراج يحسب، كما أشار عمر بن الخطاب، على أساس مساحة الأرض. وقد أقر الفقهاء فعل عمر هذا، وجعلوه أصلاً تقاس عليه نظائره.
وبالرغم من الافتقار إلى إحصاءات دقيقة عن خراج أجناد ومقاطعات الدولة الإسلامية في مختلف العهود، يمكن القول إن خراج فلسطين زمن عبد الملك بن مروان بلغ ما يقارب 350 ألف دينار في السنة، وجعله قدامة بن جعفر قرابة 260 ألف دينار في العام في أواخر القرن الثالث الهجري. واستمر متوسط ما يجبى من خراج فلسطين على هذا القدر حتى أخريات العصر العباسي*.
كان ما يتحصل من أموال الخراج في جند فلسطين يصرف على أعطيات المقاتلة، وأوراق الذرية، وعلى الموظفين والعاملين في مصالح الدولة من غير العاملين على الصدقات، وعلى مصالح الجند المختلفة ومرافقة العامة، وما تبقى يرفع إلى الديوان العام في العاصمة.
ومن الضرائب التي كانت تحيى في جند فلسطين، كبقية الأجناد، ضريبة العشور، أو العشر التي تفرض على التجارة التي تقدم على ديار المسلمين. وكان عمر بن الخطاب أول من فرضها، واستمر فرضها على السفن التي تمر ببعض الثغور، وتعادل اليوم الضرائب الجمركية. وكان التجار من أهل الذمة المعاهدين يدفعون نصف العشر (درهم لكل عشرين درهماً) في حين يدفع التجار المسلمين من أموال العشور حكم الصدقة، أما ما يتحصل من التجار المسلمون ربع العشر. وكان حكم ما يتحصل من غيرهم فمحكمه حكم الخراج والجزية. ويقوم باستيفاء هذه الضريبة موظف يدعى “العاشر” أو “صاحب المكس” ويقيم في الغالب عند الحدود، وعلى طرق التجارة، أو في الثغور. وكان في رفح* من جند فلسطين بيت للمكس يذكره المؤرخون، ولهم حوله حديث زمن عمر بن عبد العزيز.
هذه هي أهم الموارد المالية التي كانت تجبى من فلسطين في العصر الإسلامي الأول وما تلاه من عصور.
ب- الضرائب في العهدين الأيوبي والمملوكي: ظلت هذه الضرائب الكبرى قائمة بالطبع في هذين العهدين، وإن اختلفت تفصيلاتها الجزئية باخنلاف الظروف، وباختلاف الحكم.
وقد تفاوت الخراج، أو ضريبة عوائد الأرض، من مكان إلى آخر وفقاً لخصب التربة، ونوع المحصول، وزيادته أو نقصانه، وكان الخراج يجبى عينا من بعض أراضي فلسطين ويجيى من بعضها الآخر نقداً. وقد اهتم الأيوبيون والمماليك* بالخراج، وعني سلاطينهم بالزراعة* لتنمية موارد الدولة.
كذلك اهتم الأيوبيون بجمع الزكاة، وجعلوا لها ديوناً يقوم عليه “متولي الزكاة”. وفي عهد المماليك أصبح مؤدو الزكاة يوزعونها بأنفسهم، ولم يبق مما يحيي على صورة زكاة إلا ما يؤخذ من التجار على ما يدخلون به من أموال بنسبة 2% – 2.5%. وكانت قطية، وهي من مراكز البريد* بين فلسطين ومصر، تؤخذ فيها المرتبات السلطانية من التجار القادمين والمسافرين.
أما الجوالي، وهي الجزية التي كانت تؤخذ من النصارى واليهود من أهل الذمة. فكانت كالماضي تختلف باختلاف أحوالهم المالية. وقد نقصت في عهد المماليك عما كانت عليه في عهد الأيوبيين، وغدت تراوح بين عشرة دراهم وخمسة وعشرين درهماً.
وجبيت ضريبة المكس من التجار غير المسلمين تساوي عادة خمس قيمة البضائع المستوردة. وقد تخفض أحياناً إلى 35% من قيمة بضائع تجار الفرنج. وكانت عكا* أعظم موانىء فلسطين، وقاعدة التجارة، ومركز القناصل ومكان الجباية. وقد كان حجاج النصارى القادمون إلى فلسطين يدفعون ضرائب ورسوماً للسلطات الحاكمة.
ومن الضرائب في هذين العهدين ضريبة دار الضرب، وتؤخذ من أصحاب الأموال لقاء سك أموالهم من الذهب أو الفضة. وبلغ مقدارها ثلاثة وثلاثين ديناراً عن كل ألف دينار. أما رسوم ضرب الفضة فكانت تبلغ أربعة عشر درهماً ونصفاً عن كل ألف درهم.
وكانت هناك ضرائب أخرى تجبى من أرباب الحرف والصناعات والحوانيت والحمامات. وقد أبطل صلاح الدين الأيوبي* الضرائب غير الشرعية التي كانت تجبى من الناس في المناطق التي خضعت لحكمه. وحين ولي ابنه السلطان عماد الدين (589هـ/ 1193م) أعادها، وزاد في قيمتها. ولم تكن المكوس ثابتة على حال واحدة في عهد المماليك، فربما يشتط أحد سلاطينهم في جمعها، ثم يعقبه سلطان آخر تغلب عليه روح التخفيف عن الرغية فيلغى بعضها، أو معظمها. ومن أمثلة تلك المكوس الضرائب المفروضة على الغلات والاتجار فيها، ورسوم الولاية التي يجمعها من عرفاء الأسواق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر