يخطئ من يظن أن الفكر التكفيرى هو وليد اليوم، بل إنه ظاهرة تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ الإسلامي, فقديما هم الخوارج الذين تمرَّدوا على أمير المؤمنين عليٍّ بن أبى طالب، رضى الله عنه، واتهموه بالكفر كما اتهموا أصحاب النبيِّ، صلى الله عليه وسلم، بالخروج عن الملة، بل كَفَّروا كلَّ مَن خالَف مذهبهم، وكلَّ مَن لم ينضمَّ لصفوفهم من عامة المسلمين.
وما أشبه اليوم بالأمس، إذْ نرى تنظيمات متطرفةً تتكلم باسم الإسلام وهم لا يعرفون من الإسلام غير اسمه، وينسبون أنفسهم إليه، ويصدرون التخويف والأذى والتهديد, والقتل بغير حق, وقطع الطريق بغيا على الإنسان فى دينه أو دمه أو عرضه أو عقله أو ماله. وهم الآن بغير شك أداة فى يد الأعداء ومعول هدم للفكر الدينى الصحيح والإسلام السمح المستنير.
علماء الدين يؤكدون أن ما يمر به العالم الإسلامى من أزمات مرجعه إلى تشويه المفاهيم الصحيحة للإسلام, وأن ما تقوم به الجماعات المتشددة إنما هو توسيع للهوة وتعميق للفجوة ولى لأعناق النصوص بما يتفق مع آراءها وأهوائها. وأن هؤلاء الخوارج لديهم أيديولوجية يؤمنون بها, وأن من مصلحة أعداء العروبة والإسلام دعم هؤلاء والوقوف خلف ظهورهم، ليصبحوا رأس حربة يوجهونها إلى أى دولة أو أى نظام لا يتفق مع أطماع الغرب وطموحاتهم. وما تلك الفظائع التى يرتكبونها إلا تشويه لصورة الإسلام فى الغرب قبل الشرق.
كلمة حق يٌراد بها باطل
وحول جذور التكفير يقول الدكتور أحمد حسين وكيل كلية الدعوة الإسلامية، بجامعة الأزهر، إن بذور التكفير والخروج على الحاكم، بدأت فى عهد مبكر، فى صدر الدولة الإسلامية بطائفة خرجت على أمير المؤمنين سيدنا على بن أبى طالب، وتبدأ القصة فى معركة صفين، لما رفع جند الشام الذين مع سيدنا معاوية المصاحف على أسنة الرماح، لما رأوا هزيمتهم أمام جنود سيدنا علي، وقالوا نتحاكم إلى كتاب الله، فقال سيدنا علي، لا يخدعوكم إنما فعلوا ذلك فراراً من الهزيمة، فقام هؤلاء الخوارج واضطروا سيدنا عليا إلى قبول التحكيم، فلما قبل التحكيم، وبانت فيه الخديعة، قالوا له: أنت قبلت تحكيم الرجال، ولا حكم إلا لله، فتب من هذه الخطيئة، وإن لم تفعل فأنت (كافر)، وانظر إلى هذا الأمر العجيب، حملوه على التحكيم أولاً، فلما قبله حملوه على تركه، وإن لم يفعل كفروه، وأخذوا يرددون بين الناس لا حكم إلا لله، فقال سيدنا على رضى الله عنهم لما سمع هذه الكلمة، (كلمة حق يُراد بها باطل)، ودار الصراع بينهم وبين سيدنا علي، بدأه بالمجادلة بالحسني، والإقناع بالتى هى أحسن، وفعلا أثر فى كثير منهم هذا الأسلوب، فتابوا ورجعوا، لكن بعضهم أصر على موقفه، وحكم بكفر المسلمين، وكفر أمير المؤمنين (سيدنا علي) وكفر كل من رضى بالتحكيم وشارك فيه، فقاتلهم سيدنا علي، رضى الله عنه، ولكن بقيت منهم باقية، يحملون أفكارهم وتفرقوا فى البلدان، ومنهم جاءت معظم فرق البغاة والخوارج، كالأزارقة، والنجدات، والصفرية، والعجاردة، وغيرهم.
الدعم الغربي
وأضاف: لقد عانى ولاة المسلمين وحكامهم من هؤلاء الخوارج طوال تاريخ الدولة الإسلامية، فكانوا شوكة فى ظهر الدولة الأموية قرابة تسعين عاماً ثم الدولة العباسية، فإذا قُضى عليهم فى مكان، ظهروا فى مكان آخر، وهم يعتمدون فى أفكارهم وأطروحاتهم على ظاهر النصوص، ولا يعمدون إلى فهمها الصحيح، ولا يقتربون من فقهها الحقيقى الذى يعلمه الراسخون فى العلم من العلماء، إلى جانب أنهم يتنكرون لكثير من أحاديث النبي، صلى الله عليه وسلم وسُنته، ولا يخلو منهم زمان، والواجب تجاه هؤلاء مقارعة حججهم بالحجة والدليل، فإن أبوا قوتلوا وقُتلوا كما فعل معهم سيدنا على بن أبى طالب.ويشير إلى أن الغرب وكل من يعادون العروبة والإسلام يبحثون عن هؤلاء الفرق، ويجدون فى أمثالهم الفرصة المواتية للقضاء على حكومات الدول الإسلامية والعربية، فهؤلاء الخوارج لديهم أيديولوجية يؤمنون بها، ويقاتلون فى سبيلها, فمن مصلحة أعداء العروبة والإسلام دعم هؤلاء والوقوف فى ظهورهم، ليصبحوا رأس حربة، يوجهونها إلى أى دولة أو أى نظام لا يتفق مع أطماع الغرب وطموحاتهم، فلا يجوز بحال التعامل معهم أو إيواؤهم فضلاً عن مساندتهم أو مناصرتهم، لأن هؤلاء يحكمون بالكفر على المسلمين، ولا يتورعون عن سفك دمائهم، ومن طالع تاريخ هؤلاء منذ الخلافة الراشدة إلى اليوم، عرف هذه الحقيقة عنهم.
النهى عن التكفير
وفى سياق متصل يؤكد الدكتور بكر زكى عوض، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن النهى عن تكفير المسلم للمسلم ورد فى السُنة وهو من باب الإخبار بأمور غيبية لم تقع بين المسلمين فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما وقعت بعد ملاقاته ربه، وقد بدأت هذه الظاهرة على يد الخوارج، فيما نظروا فى أمر مخالف لهم، فمنهم من مال إلى القول بفسقه، ومنهم من مال إلى القول بكفره، ثم بدت ظاهرة تكفير المخالف تجرى على ألسنتهم فاستباحوا دماء بعض المسلمين، بدعوى كفرهم بينما صانوا دم أهل الكتاب، قائلين: (لا تخفروا رسول الله فى ذمته) فى الوقت الذى رفض فيه الإمام على أن يقول بكفرهم، وحين سئل عن الخوارج (أكفار هم؟) قال: لا من الكفر فروا، ثم قال: إخواننا بغوا علينا، وتبعهم بعد هذا طائفة ممن تشيعوا بالإمام علي، وأعادوا النظر فى أمر أبى بكر وعمر وعثمان، من حيث الخلافة، ثم تجاوزوا الحد فتكلموا عن إيمانهم وانتهوا إلى القول بكفرهم، وبهذا بذرت بذرة الحكم بالكفر على المخالف، ثم نبتت بمر الأيام، ثم أثمرت عفناً فى السنوات الأخيرة، حيث ذاعت فكرة تكفير المخالف واستحلال المال والعرض والدم وما شاكل ذلك.
وأضاف: إن هؤلاء أساءوا التعامل مع النص القرآنى كما أساء المعاصرون التعامل معه، فإذا كان الحاكم من طرفهم جاءوا بالآيات الكريمة الآمرة بإطاعة ولى الأمر، والأحاديث التى توجب السمع والطاعة، غير مراعين أسباب نزول هذه الآيات، أو مقدرين آراء أئمة التفسير المعتد بهم عند علماء الإسلام، بل تجاوزوا حد الاعتدال حين وصفوا المجتمع بأنه جاهلي، وأنه كحال المشركين وقت البعثة، وأن دعوة المجتمع بالإيمان من فروض العين عليه، وهذا خطأ فى المنهج.
إيواء الإرهابيين جريمة
من جانبه أوضح الدكتور رمضان عبد العزيز عطا الله، أستاذ ورئيس قسم التفسير وعلوم القران بكلية أصول الدين جامعة الأزهر، أن الإرهاب هو: (العدوان الذى يمارسه الأفراد أو الجماعات أو الدول بغيا على الإنسان فى دينه، أو دمه أو عرضه أو عقله، أو ماله، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد، والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة، وإخافة السبيل، وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد تنفيذًا لمشروع إجرامى فردى أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، ومن صنوفه: إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة).
وأضاف، د. رمضان عبد العزيز أنه إذا كان هذا هو مفهوم الإرهاب، فإن الحكم الشرعى المتعلق بالإرهاب أصبح واضحاً، فهو من كبائر الذنوب ويستحق مرتكبه العقوبة، ويُحرم فعله وممارسته، فلا يجوز عقلًا ولا شرعًا إرهاب الآمنين وإرعابهم، وقطع الطريق عليهم، وإخافة السبيل، أو تهديدهم بذلك، مسلمين أو غير مسلمين، مستأمنين أو معاهدين بعهد وأمان من ولى الأمر، حتى ولو كان التخويف على سبيل المزاح، ومادام الحكم الشرعى على الإرهاب ينص على ذم الإرهاب وحرمة ممارسته فإن الحكم بالنسبة لمن يقوم بإيواء الإرهابيين أصبح أكثر وضوحاً فمن قام بإيواء الإرهابيين من الأفراد فقد ارتكب ذنباً عظيماً لأنه يساعد على الإثم والعدوان والله تعالى يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، والنبى صلى الله عليه وسلم، يقول: (من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة لقى الله وهو مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله). ويؤكد أن من يؤوى الإرهاب لن يفلت من القانون، وإذا وجدت دولة من الدول تقوم بإيواء الإرهابيين فينبغى أن تعاقب دوليا لمخالفتها بذلك القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، وينبغى على المؤسسات الدولية معاقبتها بأشد أنواع العقوبات حتى يوفر للناس الأمن والأمان وحتى يوضع حد لهذه الجرائم الإرهابية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر