في البداية سأبدأ بتوضيح مفهوم مهم جدا إلا وهو مفهوم النظرية. كثير من المعارضين يستخدمون حجة أن نظرية التطور "مجرد نظرية" وأنها "ليست حقيقة علمية" لكن الخطأ الذي يقع به هؤلاء هو أن كلمة نظرية في العلم لا تعني "فكرة وهمية" أو "مجرد حدس."
دعونا نوضح الفرق بين النظرية والحقيقة العلمية. الحقائق والنظريات ليست نفس الشيء، الحقيقة ليست نظرية فيها يقين أكثر. الحقائق هي بيانات الكون. فمثلا، عندما أترك شيئا من يدي فإنه يسقط على الأرض، هذه حقيقة. الشمس تشرق وتغيب يوميا في مدة حوالي 24 ساعة، هذه حقيقة. النظرية هي بناء من الأفكار التي تفسر وتبين الحقائق. الحقائق ثابتة ولا يتناقش عليها العلماء حين يقدمون نظريات متعددة لشرح هذه الحقائق.
الآن لنعد لحقيقة أن الأجسام تسقط على الأرض. في العصور السابقة، كانت النظرية هي أن جميع الأجسام تنجذب نحو مركز الكون. ولأنه في ذلك الوقت كان معتقدا أن الأرض هي مركز الكون، كانت هذه النظرية مناسبة تماما. سنة 1543، قام كوبرنيكوس بتوضيح أن الأرض ليست مركز الكون، وبالتالي أصبحت تلك النظرية غير صالحة. مع ذلك، بقيت الأجسام تسقط على الأرض. سنة 1687، نيوتن قدم نظريته: نظرية الجاذبية، والتي استطاعت أن تتنبأ بسقوط الأجسام وحركة الكواكب بشكل عالي الدقة. لكن كانت تلك النظرية ضعيفة في تفسير مدار كوكب عطارد مثلا، فجاء أينشتاين سنة 1919 وقدم نظريته: نظرية النسبية العامة. وكانت هذه النظرية نجحت في تفسير مدار عطارد، وأيضا تنبأت النظرية بظواهر أخرى تم اكتشافها وتأكيدها لاحقا. كذلك، نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي هي نظرية بسيطة لشرح وتفسير بعض الحقائق البسيطة.
حقيقة: حين تتكاثر الكائنات الحية، تصدر كائنات مع اختلافات (تنوعات) بسيطة فيما بينها.
حقيقة: بفضل هذه التنوعات، بعض الكائنات سيكون عندها نسل أفضل من كائنات أخرى.
حقيقة: التنوعات التي توفر أفضلية للتكاثر ستصبح أكثر توافرا في المجموعة (لأنها تتكاثر أسرع).
نظرية: مع مرور وقت كاف، عملية التغير التدريجي المتراكم هذه قادت من كائنات وحدة الخلية إلى جميع الكائنات الجميلة والمتعددة التي نراها اليوم، بما فيها نحن.
شارلز داروين قدم نظريته هذه سنة 1865. خلال ال140 سنة التي مرت، آلاف الأدلة تم إيجادها وتحليلها، وهذا يتضمن أدلة من الجيولوجيا، الأحياء، الكيمياء، علم الجينات وعلم الفضاء وغيرها. بعض جوانب النظرية تعرض للتعديل والتصحيح مع ورود أدلة جديدة، لكن النظرية العامة والميكانيكية العامة ثابتة.
التطور بالانتخاب الطبيعي هو البقاء غير العشوائي لتنوعات عشوائية في الكائنات. يمكننا أن نثق بنظرية التطور بنفس القدر الذي نثق به بنظرية الجاذبية.
نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي.
الآن سأشرح باختصار وإيجاز ما تتكلم عنه النظرية بالتحديد.
أهم شيء هو أن نظرية التطور لا تهتم بأصل الحياة أو الكون. أو كيف بدأت الحياة. نظرية التطور تشرح كيف تطورت وتنوعت الحياة منذ نشأت. حتى إذا كان أصل الحياة قد خلق من عند الله فهذا لا ينفي الأدلة على نظرية التطور، مع العلم أن التطور يقره العديد من المؤمنين بالله وكذلك غير المؤمنين. من أعظم علماء نظرية التطور هو البروفيسور Kenneth Miller. مؤمن بالله بالكامل وكذلك يقر بالتطور بل ويجادل كل من يدعي أن التطور لم يحدث.
جميعنا نعرف أن الصفات الفيزيائية تورث عبر الأجيال. وعبر الانتخاب الصناعي (أو التربية الانتقائية) يمكن اختيار صفات معينة ليتم تضخيمها في أجيال لاحقة. يحدث هذا عندما نزاوج زوجين يحملان الصفة المرغوبة، وهكذا إلى أن نصل إلى نسل يحتوي الصفة المرغوبة بشكل كبير، وثم ننشرها في المجموعة. هذا ما يفعله مربي الأغنام والبقر والكلاب.
نفس هذه الميكانيكية هي التي تدفع التطور الطبيعي. الانتخاب الطبيعي هو باختصار تفضيل صفات على أخرى وبالتالي الكائنات التي تحمل هذه الصفات تتزاوج وتتكاثر إلى أن تصبح في النهاية صفة سائدة في المجموعة. كما شرحت سابقا، الصفة التي تعطي صاحبها فرصة أكبر للتكاثر، في النهاية تسود. فمثلا الإناث من الغزلان في البرية تفضل الذكور ذوات القرون الكبيرة. فتحظى تلك الذكور بالفرصة للتكاثر، وبالتالي تنقل جيناتها المسئولة عن هذه القرون إلى الأجيال اللاحقة. وبالتالي مع الوقت، يصبح السائد في هذه المجموعة هو القرن الكبير.
يمكن للتغيير البسيط المتراكم أن يؤدي إلى تغييرات دراماتيكية مع الوقت. والمثال في الفيديو أدناه يوضح كيف أنه بتغيير حرف واحد من كلمة في الوقت ذاته، في النهاية نحصل على كلمات كثيرة جميعها لا تملك أي تشابه مع الكلمة الأم.
ما لا تقوله النظرية:
الكثير من الناس يزعمون أمورا غير صحيحة عن التطور. وهذه بعض منها.
- الكائنات من فصائل مختلفة لا تنتج كائنات من فصائل أخرى. الكلاب لا تنتج قططا.
- الأفراد لا يغيرون فصيلتهم. أفراد الرئيسيات لا تتحول إلى بشر. وأفراد القطط لا تتحول إلى كلاب.
- نظرية التطور لا تطالب بوجود كائنات بينية (أي كائن نصف بطة نصف تمساح مثلا). نظرية التطور تطالب بشيء مختلف كليا. ألا وهو وجود كائنات بينية بين كائنات حديثة وكائنات قديمة منقرضة لتبين التطور التدريجي من تلك الكائنات إلى الكائنات الحديثة اليوم. فمثلا النظرية تتنبأ أن البشر تطوروا عن كائنات شبيهة بالقرود (ليس قرودا!) لذلك يجب أن نجد بقايا لكائنات تبين صفات مشتركة بين البشر وبين الرئيسيات القديمة. وسأناقش هذا الأمر في موضوع آخر.
هل نظرية التطور غير أخلاقية؟
يدعي الكثير من معارضي النظرية أن النظرية بمدلولها الوحشي والأناني تقترح علينا التصرف بهذه الطريقة وعدم الاهتمام بغيرنا وتلمح بالأنانية السيئة.
لكن معرفة حقائق عن الطبيعة لا تعني أنه علينا أن نطبق هذه الحقائق على حياتنا الاجتماعية ونرتكب مخالفات مقرفة لحقوق الإنسان. فكما يقول الكثير من العلماء، "التطور بالانتخاب الطبيعي أمر رائع من ناحية بيولوجية، لكن من ناحية اجتماعية نحن نحتقره ونقف ضد أي أحد يحاول تطبيقه على حياتنا."
النظرية نوعا من التفسير لشرح كيفية حدوث ظاهرة،النظرية لتشرح آلية حدوث هذه الظواهر وتكون بشكل عام معرضة للصواب والخطأ
ردحذفالنظرية نوعا من التفسير لشرح كيفية حدوث ظاهرة، النظرية تشرح آلية حدوث هذه الظواهر وتكون بشكل عام معرضة للصواب والخطأ
حذف