تاريخ مكة قبل الاسلام وقبل الفتح / جزء 2
--------------------------------------
مكة جغرافياً .. لا تصلح لسكنى البشر ولا اي نوع من الاحياء
------------------------------------------------------------
تقع مكة مكان قصيٍّ وقاحل بين سلسلتين من التلال الشاهقة والشديدة الانحدار في غرب شبه الجزيرة العربية ونحو الغرب منها مباشرةً تنبسط شواطى البحر الميت المنبسطة والقائظة، وفي الشرق تمتدُّ صحراء الربع الخالي العظيمة – أكبر مساحة من الأراضي الرملية الممتدة على سطح هذا الكوكب.
موقع البلدة قصيٌّ ومملٌّ، والأرض جافة ومتربة، تشتعل تحت الشمس القاسية. عند تقاطع درجتي العرض 25/21 شمالا، والطول 49/39 شرقا،[ ويُعتبر هذا الموقع من أصعب التكوينات الجيولوجية، فأغلب صخورها جرانيتية شديدة الصلابة.
المنطقة بأكملها تتميَّز بالحرِّ الشديد، وخفقات الرياح الصحراوية. ومع أنَّ الأمطار قد لا تهطل طوال أعوام كاملة، فإنَّ هطولها قد يكون شديدًا وقاسيًا، مخلِّفةً سيولاً جارفة من المياه المنحدرة على سفوح التلال متوجِّهةً نحو السفح الذي ترقد ضمنه المدينة لتغمره.
يبلغ ارتفاع وادي مكة نحو 330 متراً فوق سطح البحر، وإلى غربه يرتفع جبل قعيقعان وإلى الشرق جبل أبي قبيس، ويطلق عليهما الأخشبان (الأخشب من الجبال الخشن العظيم). لا ينمو على الأخشبين من النبت إلا القليل، وسطوحهما جرداء تتناثر فيهما غدران تتباين عمقاً واتساعاً.
المورد الرئيسي للمياه بئر زمزم . ويصل إلى مكة بمجرى جوفي عليه آبار مفتوحة في أكثر من مكان في مكة.
وقد يسقط على مكة المطر مرات قليلة في العام، وهو من النوع المداري المفاجئ العنيف، مما قد يؤدي إلى أضرار كثيرة، والمسجد الحرام أشد تعرضاً لهذه الأخطار لانخفاضه؛
وتتميز بالحرارة الشديدة الجافة ويضاعف من تأثير الحرارة إحاطة الجبال بمكة بسفوحها العارية،فتكتسب في الجو الصافي حرارة تعكسها أو تختزنها ثم تشعّها، ولا تكاد تجد الرياح منفذاً إلى بطن الوادي فيصبح الجو راكداً مرهقاً. وقد أثر هذا الجفاف في ظاهرات البيئة الطبيعية والبشرية الأخرى، فقل فيها النبات الطبيعي.
الحياة الحضرية في الحجاز لا توجد معلومات
وفق ما قاله جورجي زيدان: تاريخ التمدن الإسلامي 10/ 23. فانه لا توجد لدى احد اي نوع من المستندات العلمية ما يكشف عن تاريخ الحجاز في العصور القديمة, ولعل السبب في الغموض الذي يكتنف تاريخه عزلته وبعده عن الأحداث العالمية المجاورة، وعدم احتكاكه بالدول الأجنبية المتحضرة.
علاوة على أن وعورة مسالكه، وقسوة مناخه، وجفاف إقليمه، وجدب أراضيه، لتوسطه صحارى مقفرة، قد جعلت منه منطقة لا مطمع لأجنبي فيها. ولذا عاش حياته الخاصة بعيدا عن الأضواء في تاريخ العالم القديم1. وبينما كان القسم الجنوبي من شبه الجزيرة العربية قد أقام دولًا، وابتدع حضارة كان الحجاز يتابع حياة البداوة، الأمر الذي جعل المؤلفات الكلاسيكية تخلو من ذكره أخباره.
إن معلوماتنا عن تاريخ الحجاز مستقاة من أفواه الرواة الذين عاشوا قبل الإسلام بقليل، أو عاصروا الجاهلية والإسلام معًا، والملاحظ أن رواياتهم تغلب عليها الصيغة الغيبية، فقد تأثرت بالإسرائيليات وبجو الإيمان الجديد، إذ دونت في العهد الإسلامي، وبعد أن مضى ما يقارب من قرنين على بزوغ فجر الإسلام. وليس لنا أمل في الوقوف على معلومات تاريخية مستوفية للدقة العلمية، عن ماضي الحجاز في العصور القديمة البعيدة عن الإسلام، إلا إذا قامت في حواضره المهمة تنقيبات من شأنها أن تكشف لنا عن آثاره التي قد تكون مطمورة في باطن التربة.
والمعلومات المتوفرة لدينا في الوقت الحاضر تفيد بان الحجاز قد استمرعلى بداوته، حتى توفرت لبعض مراكزه الشروط التي ساعدتها على التطور، وذلك في مطلع الالف القرن السادس الميلادي عندما ب\أت قوافل يمنية تتصل بها في طريقها الى الشام
لم يقم اي نوع من الحضارة في منطقة الحجاز قبل الاسلام
------------------------------------
ان اي حضارة لا بد وان يكون لها نوع من التظيم السياسي (بما يشبه الدولة او الحكومة) وهذا التظيم تكون لها مؤسسات مختلفة ومتنوعة الاختصاص
وهذا ما لم يوجد نهايئا ولا بادنى درجاته عند القبائل التي كانت تعيش في بوادي شبه الجزيرة العربية قبل مجيء الاسلام .
كل ما في الأمر، (1) أن القبائل العربية كانت تتصور الدولة على أنها القبيلة، فتكرس ولاءها لها، ولا ولاء تكرسه لغير القبيلة.
فالقبيلة هي الوحدة الاجتماعية التي تتقمص صفة الدولة، وتقوم بمهامها في البادية، لا دستور لها مكتوب، ولا قوانين مقننة، ولا نظم تشرعها مجالس، اللهم إلا تقاليد وأعراف متوارثة راسخة، فرضتها على الجميع طبيعة الحياة في البادية، فالتزم القوم بها التزامًا دقيقًا.
ويرتبط أفراد القبيلة برابطة تقوم على أساس وحدة الدم ووحدة الجماعة، والإيمان بهذه الوحدة والتعصب لها هو ما يطلق عليه اسم "العصبية القبلية"، فالعصبية القبلية هي بمثابة الشعور القومي في عرف البدوي. وتتوسع هذه العصبية في الأحلاف، فتشمل القبائل والعشائر بالنسب أو بالجوار أو الداخلة في الحلف2.
وباعتبار أن شبه الجزيرة كانت تضم عشرات من القبائل, لكل منها عصبيتها الخاصة، فإن مجتمعًا هذا شأنه لا يمكن أن تظهر فيه نزعة قومية شاملة، تبني حضارة بالرغم من كون القبائل العربية كلها تعيش في محيط جغرافي واحد، وتجمع ما بينها تقاليد وعادات واحدة، وتدرك أنها تنتمي إلى قوم واحد، وجنس واحد، وتتكلم لغة واحدة تتعصب لها الجميع .
--------------------------------------
1 أحمد إبراهيم الشريف:
المصدر نفسه، ص32.
2 جواد علي: 4/ 212.
---------------------
---------------------------0000000000000000000000000
الحالة الاقتصادية عند العرب (رعاة يحتقرون المهن)
-------------------------------------------
من الصفات الرئيسية الثابتة عن البدو انهم يحتقرون المهن وكسب الرزق عن طريق الصناعة، او الزراعة ، او اي نشاط اخر .. وقد اقتصر عمل البدوي العربي في شبه الجزيرة العربية على مصنوعات بسيطة يصنعها لنفسه.
أما الزراعة فإن الجفاف وطبيعة البلاد الصحراوية، قد جعلا الأرض قاحلة إلا في بعض الواحات في الشمال. وحتى التجارة فإنها لم يكن للبدو خلق يؤهلهم لها، وقليلا ما كانوا يمارسونها،
بيد أنهم قد استُخدموا حراسًا للقوافل التجارية، أو أدلاء لها لقاء أجور يتقاضونها من أصحاب القوافل, الذين ربما استأجروا منهم جمالا لنقل بضاعتهم.
ومع كون التجارة هي المهنة التي يكنون لها شيئًا من الاحترام أكثر من سواها، فإنهم كانوا يكرهون التكالب عليها، وينددون باندفاع قريش فيها.
إنما كانت معيشة البدو قائمة على ما تنتجه مواشيهم من ألبان ولحوم يتغذون بها، ومن صوف ينسجون منه خيامهم ولباسهم، ومن جلود يستعملون منها قِرَبًا أو أحذية يحتذونها, كما كانوا يعتمدون على الموارد التي تأتيهم من الغزو، الذي كان ركنا من أركان الحياة في الصحراء, ولم يكن نوعا من اللصوصية بالرغم من أنه شبيه بها, بل كان في نظرهم نوعا من الممارسة المباحة، ومن التقاليد المتعارف عليها، إذ تغير قبيلة على أخرى بسبب عداوة بينهما، أو حتى بسبب كونها أضعف منها، تأخذ إبلها وماشيتها ومتاعها، وتسبي نساءها وأولادها، فتتحفز القبيلة المعتدى عليها للأخذ بالثأر وتتربص بالأولى، حتى إذا واتتها فرصة سانحة، انقضت عليها لتغزوها بدورها وتسلبها ما تملكه؛ ثأرًا منها لما فعلته بها، ومما درج عليه العرب أنهم يحتفظون بالسبي من نساء وأولاد، حتى ترسل قبيلتهم الفدية التي تطلبها القبيلة المنتصرة، كما كان المغيرون يتحاشون جهد استطاعتهم إراقة الدماء1.
1 - 1 Henri Masse: L'Islam. P. 10
----------------------------------
على اي اساس قالوا ويقولوا ان العرب ساميين ؟؟
وهل هناك وجود حقيقي لما لما يسمى ساميين وكيف آمن العلماء والعامة بخرافة الانساب التوراتية ..؟؟
تاريخ مموزج بالدين وبالخرافة وبالاسطرة وبالانطباعية وبالرغائبية ..
هذا هو التاريخ المكتوب الذي نقراه .. لا عقل نهائيا تدخل في قبول او رفض معلومة دارجة ..
حديثا بدأت بعض الدراسات الخجولة او الخائفة المرعوبة من القمع والارهاب باشكاله المتعددة تحاول سبر غور التاريخ ..
ويبدو ان الاساس الذي بنى عليه المؤرخون (المتدينون في اغلبهم اي كان الدين عامل رئيسي في تحديد مواقفهم) اعتبار العرب بانهم ساميين اساسا انطباعيا لا يمت للعلم او الوثائق التاريخية بأدنى صلة ..
لقد اعتبر الاخباريون (اصحاب العنعنة والروايات الشفوية) ان العرب هم الذين قطنوا شبه جزيرة العرب منذ القرون القديمة . واصطلح من اصبحوا يوصفوا بعلماء التاريخ (في العصور الاسلامية) على اعتبار هذا الشعب من الشعوب السامية التي كونت سكان الشرق الأوسط منذ فجر التاريخ .
وطبعا كل ما قيل بهذا الشان مجرد روايات ومرويات لا سند تاريخي لها ولا لساس .
والملفت للنظر ان علماء اللغات اعتبروا ان العرب من الشعوب السامية لأن هناك صفات مشتركة تطبع هذه الشعوب بطابعها، فهي تشترك في كثير من نظمها السياسية وتقاليدها الاجتماعية وخصائصها اللغوية،
وأوجه الشبه ظاهرة بين اللغات التي يتكلم بها أفرادها، وهي اللغات: العربية والعبرية والسريانية والآشورية والبابلية والكنعانية والفينيقية والآرامية والحبشية والنبطية ولهجات اليمن الجنوبية،
فذهبوا إلى أن هذه اللغات تؤلف أسرة واحدة باعتبار أنها تشترك أو تتقارب في جذور الأفعال وتصاريفها، وفي أصول المفردات والضمائر والكلمات التي تدل على القرابة الدموية، وفي أسماء أعضاء الجسم والأعداد، وبخاصة في تلك الصفة المهمة التي تتميز بها مجموعة اللغات السامية، وهي كون أفعالها مؤلفة من أصول ثلاثية الحروف على الأغلب،وأن الاشتقاق لا يتم بتغيير حروفها، بل بتغيير الحركات في داخل الكلمة الواحدة
الدكتور جواد علي: 1/ 148
جورجي زيدان: طبقات الأمم، ص42
---------------------------------
التقاليد البدوية هي المعتمدة في شبه الجزيرة
كما ذكرنا سابقا وفي محطات كثيرة ان البيئة تلعب دورا مركزيا في اخلاقيات وعادات وسلوكيات البشر .. وهكذا هي حال سكان شبه الجزيرة العربية الصحراوية في اغلبها الجبلية الوعرة القاسية في بعضها فقد كانت النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية عندهم هي حصيلة التفاعل بينهم وبين هذه البيئة الشديدة القسوة فاجبرتهم على الخضوع لها وملائمة حياتهم الاجتماعية مع شروطها
ولهذا اتسمت حياة سكان شبه جزيرة العرب بالقسوة ووالفقر والحاجة والإملاق، حيث السماء شحيحة لا مطر فيها ، وألارض صحراوية قاحلة في أغلب أرجائها، ففرضت هذه البيئة ان تكون البداوة هي نمط حياة العرب، أي حياة القبائل الرعوية المتنقلة، إذ إن طبيعة البلاد الصحراوية تفرض على ساكنيها أن يعانوا حياة شاقة لا مجال فيها للاستقرار واستيطان الأرض. فالقبائل تتنقل مع حيواناتها ومواشيها وخيامها وأمتعتها الهزيلة من مكان إلى اخر، تتبع الماء ومنابت الزرع وتغادره اذا نفذ الماء ومات الزرع .. وذهبت لتبحق عن غيره .. وهكذا استمر الحال قرونا ,, وهذه هي حياة عرب شبة الجزيرة مجرد بدو رحل لم يبنو حضارة ولم يستقروا في موقع .. الا حديثا جدا اي على مشارف ال قرن السادس للميلاد حيث بدات بعض القرى الصغيرة تتكون مثل مكة والمدينة والطائف في منطقة الحجاز ,, ويعض التجمعات القروية الصغيرة الاخرى في نجد وتهامة ..
ولما كانت الأمكنة التي تتوفر فيها المياه وتمتلك بعض الاعشاب محدودة, فقد ادى ذلك الى الصراع وبدرجات كثيرا ما كان دمويا للسيطرة على منطقة تحيط ببئلا ماء او قطعة ارض نبتت فيها بعض الاعشاب ، ووجدت بينها سلسلة من العداوات تجر وراءها سلسلة من الثارات.
ولذا قامت الحياة القبلية أو النظام القبلي على أساس التضامن بين أفراد العشيرة، أو بين العشائر التي تنتمي إلى قبيلة واحدة، لتستطيع الصمود أمام القبائل الأخرى التي تنافسها.
ذلك أن المصلحة المشتركة أو الوحدة السياسية مفقودة بين القبائل، والقبيلة هي الوحدة التي يتجمع حولها الأفراد. والأفراد لا يعرفون سوى قبيلتهم ملاذًا لهم، خلافًا لأهل الحضر الذين يكرسون ولاءهم للدولة في أيامنا الحاضرة.
وإذا كانت القبيلة تقوى بأفرادها، وكانت قوة الأفراد من قوة الجماعة.
=============
جرجي زيدان تاريخ العرب قبل الاسلام ... ص 209
-------------------------------------
في القرن الخامس الميلادي بدات بعض معالم التحضر تظهر في شبه الجزيرة
نعم عاش عرب الجزيرة قرونا طويلة في جهل تام وفي عزلة شبه تامة عن العالم ولم يكونوا سوى مجموعات بشرية صغيرة تتسلل هاربة من امر ما من بلاد اليمن او من بلاد الرافدين او من بلاد الشام .. فتتوه في الصحارء ترعى الماشية وتعيش على الكفاف ,,
ولكن في نهايات القرن الثالث الميلادي بدأت الحياة تتغير في العديد من مناطق شبهة الجزيرة العربية ومنها طبعا منطقة الحجاز موضع تركيو هذه الدراسة ..
واشارت الدراسات الحديثة الى حدوث تواصل في القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد مع الحضارات الكبرى التي جاورتهم (1)، وتفاعلوا معها. وكانت صلة الوصل بينهم وبينها، أولًا التجارة، ثم المدنيات العربية التي اضطلعت بها بعض الإمارات العربية المتاخمة لحدود بيزنطة وفارس، كدول الأنباط والغساسنة والمناذرة، أو بواسطة الجاليات المسيحية واليهودية التي استقرت في بعض المدن الحجازية، كيثرب ومكة ونجران.
فقد كان لوقوع مكة والمدينة على طرق القوافل التجارية أثر كبير في القرن السادس الميلادي على وجه الخصوص في ازدياد أهميتهما وارتقائهما النسبي فكريا وحضاريا؛ ذلك أن أهلهما قد احتكوا بالأمم المجاورة، واعتنق بعضهم الديانات السماوية كاليهودية والمسيحية، وأصبح بعضهم يعرفون القراءة والكتابة وتقدموا فكريًّا.
وعلى رأي بعض المستشرقين أن بعض أجزاء شبه جزيرة العرب قد تفاعلت مع مظاهر الحضارة الهللينية، وأن كثيرا من الأفكار، ومن نتاج الثقافات اليونانية والرومانية، ومن العقائد المسيحية والمزدكية قد اختلطت وامتزجت فيها.
وهكذا لم يبق العرب سادرين في عزلتهم, بل أخذوا بنصيب من يقظة عارمة، كانت تجتاح العالم منذ مطلع الالف الميلادي الاول .. ومما زاد في وضوح معالمها وقوعهم في أطراف المدنيات الكبرى(2.)
________________________________________
1 Henri Masse: L'Islam "Paris 1930". P. 7.
2 Claude Cahen: Ibid. , P. 11.
إدوار بروي: تاريخ القرون الوسطى، ص110-111
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر