-------------------------------
د. خلود قنديل
---------------------------------
الجزء الاول
هذا البحث هو مدخل الى دراسة شاملة حول تاريخ مكة وهي جزء من دراسة اشمل حول تاريخ الاسلام .
الصحراء والانسان
منذ بدايات الحياة البشرية على كوكب الارض لم يسكن الانسان الصحراء .. كان مسكنه اما في المناطق الجبلية او على شواطيء الانهار وسواحل البحار .. وذلك امر طبيعي جدا لان الصحراء خالية من اسباب ومقومات الحياة بسبب عدم وجود طعام اة شراب فيها ..
ولهذا كانت الصحراء خالية من البشر على مر التاريخ وحتى الان تقريبا ولم تنشأ فيها حضارات نهائيا في اي مكان في العالم ..
وفي بلاد العرب تغطي الصحاري مساحات شاسعة من اراضيها ففي اسيا ما يعرب بالصحراء العربية الكبرى وتشمل الغالية الساحقة من اجزاء شبه الجزيرة العربية واجزاء من العراق والاردن وسوريا واليمن .. وفي افريقيا 90% من مساحة مصر وليبيا والجزائر والمغرب صحراء ..
اذن نحن اما نقطة هامة ومدخل رئيسي للبحث في تاريخ المنطقة العربية الواقعة في اسيا حيث تركيزنا على شبه الجزيرة العربية التي يدعي المؤرخون المسلمون ان فيها كانت بداية الكون ومنها كانت بداية الحياة البشرية على الارض وان فيها اول بيت لعبادة الله اقامه ابراهيم .. ويدعي البعض انها موطن كل الاحداث الربانية الكبرى في التاريخ ..
كما ذكرنا تكون الصحارى ثلاث ارباع مساحة الجزيرة العربية والربع الرابع جبال معظمها جرداء قاسية قاحلة وشريط ضيق على ساحل البحر الاحمر .. ولذا فان مناخها شديد القسوة حار جدا صيفا بارد لاسع شتاء .. وسقوط المطر فيها نادرا يسقط في بعض المناطق الجبلية ولكن بشكل محدود لا يتجاوز 2 سنتمتر في السنة .. مما يجعل الماء نادرا ولهذا لا يوجد فيها زرع ولا ضرع .. ولا بشر لان البشر لا ييمكنهم الحياة بدون ماء
وكانت تعيش فيها بعض الحيوانات والتي اصبحت نادرة اليوم مثل : عناق الأرض ـ الظبي العربي -المها - الوعل البري - الغزال العربي
وتنبت فيها بعض النباتات مثل : العنصل - الفرسك الفركس - الكحيل - الزهر .. وكلها ايضا لا تستخدم الان ..
ويتضح مما سبق انها بيئة فقيرة تفتقد للمقومات الحياتية من كل نوع ..
وكما تلاحظون لا يوجد فيها اي نوع من الماشية لا خراف ولا ماعز ولا بقر ولا جمال ولا حيوانات مثل الحمير والبغال والخيول ..
ولهذا الصحراء خالية من السكان تماما تقريبا ,,, ومن الطبيعي ان الارض الخالية من البشر لا يمكن ان تنشا فيها حضارات .. وهذه حال شبه جزيرة العرب
--------------------------------
جغرافية الحجاز حيث تقع مكة
ان دراسة تاريخ أي مجتمع لا بد وان يكون للبيئة الجغرافية مكانا رئيسيا من الاهتمام نظرا لاهمية البيئة الجغرافية على مجمل النشاط الانساني وتلعب دورا مركزيا في ثقافة وسلوك وطبائع البشر ونشاطهم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وايضا معتقداتهم الدينية ..
ولذا فلنلق نظره على الملامح الطبيعية والأحوال الجغرافية لبلاد الحجاز ، موطن العرب الاشهر وموطن الدين الاسلامي ومنطلق تاريخ الاسلام فيما بعد .
ومن الجدير ذكره ان شبه جزيرة العرب تنقسم الى 4 اقسام هي : الحجاز ونجد والعروض وتهامة . واحيانا يضاف لها اليمن وبعض اجزاء من الاردن وسوريا والعراق ..
جغرافية بلاد الحجاز ..
وما يعنينا في دراستنا هذه بشكل رئيسي هو بلاد الحجاز لارتباطها بالتاريخ الاسلامي .. طالما ان دراستنا هي عن تاريخ الاسلام .
يعد اقليم الحجاز الذي يقع في المنطقة الغربية من شبه جزيرة العرب (انظر الخارطة) أهم أقاليم شبه الجزيرة العربية ، فالطبيعة فيها تحتوي على الجبال والبوادي وهنالك الوديان والمناطق الصحراوية الرملية الشاسعة ، وتمتد من جنوب العقبة حتى جدة كما تضم مكة والمدينة والطائف ، وهي عديمة الأنهار شحيحة المياه ، طقسها حار لاهب .. وبارد لاسع ,, الأمر الذي لا يشجع على الاستقرار البشري . . وفي جنوب الحجاز تقع بلاد اليمن.
ويوجد في بلاد الحجاز 9 جبال هي : جبل إبراهيم جبل دكا جبل الشفا جبل أثرب جبل القربنبط جبل حيرة جبل ورقان جبل السراة جبل برد الحجارة السوداء
وتوجد في الحجاز عدد من الحرات أو اللابات وهي المناطق السوداء ذات الحجارة النخرة المحرقة بالنار، أو الحجارة المؤلفة من السائل البركاني المتجمد تكونت بفعل البراكين، والكراع هي أعناق الحرار، وشرقي الحجاز سلسلة من أرض بركانية ذات حجارة سوداء ومنها حرة عويرض حرة خيبر حرة ليلى حرة النار حرة أشجع حرة رهاط حرة بني سليم حرة واقم حرة شوران حرة بس.
وينقسم الحجاز الى ثلاث مناطق هي المنطقة الشمالية والمنطقة الوسطى والمنطقة الجنوبية وتمتد المنطقة الشمالية من العقبة إلى يثرب ، وتشمل مدن الحجاز الشمالية وتليها المنطقة الوسطى التي تمتد الى الطائف ، وهذه المنطقة لها أهمية خاصة ، لانها تشمل اهم مدن الحجاز ومنها يثرب ، وميناؤها الجار ثم ينبع ، ومكة وميناؤها الشعيبة ثم جدة ، ثم المنطقة الجنوبية الممتدة من جنوب الطائف الى الليث وتشمل جبال الحجاز .
وجبال الحجاز هي جزء من سلسلة جبال السروات الجرداء القاحلة ذات الصخور النارية القديمة وتمتد بين تهامة و نجد بطول حوالي 1,700 كم من خليج العقبة في الاردن شمالا إلى حدود اليمن جنوبًا.
ومن سماتها أنها تنحدر بشدة نحو الغرب نحو البحر الاحمر مما يجعل الحياة مستحيلة عليها وتميل بشكل تدريجي نحو الشرق، وتضيق في الشمال، وتتسع في الجنوب بعرض يتراوح ما بين 40 و 240كم. وتتميّز هذه الجبال بأنها تسير في سلاسل متوازية وفيها أعلى قمة في جزيرة العرب في جبل السودة بالقرب من مدينة أبها إلى 3,678 متر فوق مستوى سطح البحر
لم تقم اي نوع من الحضارة في شبة الجزيرة العربية او في الحجاز ..
الحضارات قامت في اليمن فقط .. وهي حضارات حديثة مقارنة مع الحضارات في بلاد الرافدين ومصر وبلاد الشام ..
فكما ذكرنا ان البئية الجغرافية تلعب دورا مركزيا وحاسما في حياة البشر وعندما تكون البيئة جرداء قاحلة جبلية صخرية قاسية التضاريس او صحراء عارية رملية ممتدة خالية تقريبا من جميع مقومات الحياة فلا يمكن انذاك ان تنشأ تجمعات سكانية ذات شأن لتقيم حضارات وتصنع تاريخ ..
وهذه حال شبه الجزيرة العربية حيث لم تذكر اي وثيقة مكتوبة اي كان نوعها على حجر او وبر اي ذكر لاي تجمع بشري مستقر وله حضارة في شبه الجزيرة العربية .
وكل ما يوجد عن الحياة في شبه الجزيرة العربية ورد في اثار يمينية عن الاعمال والانشطة التي كان اليمنيون يمارسونها لحماية مدنهم وقوافلهم التجارية من هجوم الاعراب البدو خلال رحلتها الى الشام ..
ولم تكن هناك مراكز تستريح فيها القوافل التجارية اليمنية لا في مكة ولا في المدينة ولا في اي مركز حضري في كل منطقة الحجاز التي كانت عبرها تنتقل القوافل اليمنية الى الشام ..
فمكة لم تكن موجودة اصلا ولم تذكر مكة نهائيا في اي مرجع او مصدر تاريخي قبل الالف الالرابع الميلادي ..
وسوف اعرض موجزا لتاريخ اليمن لابرهن على دقة وصحة المعلومات حول عدم وجود اي اهمية تذكر عبر التاريخ لشبه الجزيرة العربية باسرها ..
الحضارة قامت في اليمن وحضرموت جنوب شبه الجزيرة العربية .. وهي مكنطقة مختلفة تماما سواء من حيث البيئة الجغرافية او المناخية او التضاريس عن شمالها (شبه الجزيرة العربية الصحراوية الجبلية القاحلة ..
--------------------
حضارة اليمن
حضارة اليمن تعتبر حديثة مقارنة بالعراقية او المصرية او الشامية ..
ينتشر في الثقافة الشعبية السائدة بين العرب معلومات تجزم بان اليمن كانت اول ارض سكنها البشر وانها منبع العرب وان منها بدا الكون .. وان العرب كلهم اصلهم من اليمن وغيرها من الخرافات الشائعة التي تعطي معلومات غير صحيحة نهائيا عن اليمن وتاريخها ومكانتها بين حضارات العالم القديم وخصوصا حضارات لاشرق القديم ..
ولا يفوتنا ان نذكر ان الحضارة المصرية تمتد الى نحو 10 الاف سنة منها ما هو مؤكد 7 الاف سنة .. وكذلك الحضارة العراقية والحضارية الشامية حيث مدينتي دمشق واريحا والبعض يضيف اليهم حلب اعمارها تتجاوز 10 الاف سنة ..
بينما في اليمن فان اقدم حضارة لها قيمة ومثبتة في التاريخ هي حضارة سبأ .. والتي قامت في حدود الالف الاول قبل الميلاد .. اي بعد تسعة او ستة او ثمانية الاف سنة بعد حضارات مصر والعراق والشام ..
وهذا كفيل بان يقلب الشائع راسا على عقب .. ويلغي خرافة ان العرب اصلهم من اليمن هاحروا بعد انهيار سد مأرب .. بينما سد مأرب انهار في سنة 210 قبل الميلاد .. فهل يعقل ان العرب وجدوا في الكون فقد قبل 200 سنة من مجيء المسيح .. وملؤا الارض في الشام والعراق ومصر ؟؟
سوف اعرض بالتفصيل المكثف تاريخ اليمن حتى تكونوا على بينة من ان معظم ما هو شائع ويتردد من معلومات حول التاريخ هي محض خيالاات وافتراءات
وكل ذلك تمهيدا للوصول الى مكة .. التي لم تكمن موجودة على امتداد الحضارات اليمنية ..
----------------------------------
تاريخ اليمن القديم
قد يتساءل البعض وما علاقة تاريخ اليمن القديم بتاريخ مكة .؟؟ فارد عليه ان العلاقة في الثقافة الشعبية الدينية لاشائعة قوية جدا رغم انها خاطئة تماما حيث يعتبروا مكة اقدم حضارة ومركزا تجاريا قديما جدا وان مكة كانت مركز رحلة الشتاء والصيف وكأن هذه الرحلة (اي التجارة من مكة الى اليمن والى الشام) كانت تحدث في الالف العاشر قبل الميلاد ولا يعلم العامة ان اول رحلة نظمها اهل قريش الى اليمن كانت في سنة 600 بعد الميلاد يعني قبل نزول الاسلام بسنوات قليلة
المهم لنعود لتاريخ اليمن
تاريخ اليمن القديم هو التاريخ الذي يتناول الحضارات الصيهدية في اليمن والمناطق الغربية لعُمان وجنوب ما يعرف اليوم بالسعودية من الألفية الثانية قبل الميلاد حتى وصول الإسلام في القرن السابع.
يقسم التاريخ اليمني إلى مرحلتين، مرحلة مكارب وملوك مملكة سبأ ومملكة حضرموت ومملكة قتبان ومملكة معين وهي ممالك نشأت في فترات زمنية متقاربة ومن ثم فترة الهيمنة الحميرية على هذه الممالك.
أهمية هذه الممالك لم تقتصر على المواضع المذكورة آنفا بسبب سيطرتهم على الطرق التجارية أهمها طريق البخور وطريق اللبان كون اليمنيين كانوا محتكرين لتجارة الذهب والطيب والأحجار الكريمة والمر.
إمتد نفوذ هذه الممالك حتى منطقة ديدان في العلا على مقربة من الحدود السعودية مع الأردن حاليا وعلى السواحل الشرقية لأفريقيا وبالذات المناطق الشمالية لإثيوبيا في منطقة أكسوم وأثروا على سكان هذه المناطق الذين استعاروا نظام الكتابة اليمني القديم المعروف بخط المسند وهناك اعتقاد عند الباحثين أن أهل يثرب القدماء أو من عُرف بالأنصار لاحقا كانوا جزءا من غرس سبئي أو معيني في الطريق التجارية لغرب الجزيرة العربية
مرت البلاد بعدة أطر من ناحية الفكر الديني بداية بالوثنية وتعدد الآلهة إلى توحيدها من قبل الحميريين وشهدت البلاد تواجداً يهودياً منذ القرن الثاني للميلاد أغلب مصادر تاريخ اليمن القديم هي كتابات خط المسند بدرجة أولى تليها الكتابات اليونانية
ويلاحظ لجوء بعض مؤرخي السيرة النبوية مثل ابن إسحاق وغيره إلى وضع روايات وأبيات شعرية مختلقة على ملوك اليمن القديم لأسباب دينية وسياسية للايحاء بأن اليمنيين القدماء كانوا يحجون إلى مكة وما تواتر عن صراع بين عدنانوقحطان لأجل السيطرة على تلك المدينة، رغم عدم العثور على أي ذكر لمكة في أية كتابة قديمة مكتشفة حتى الآن على كل أراضي الجزيرة العربية، وليس في اليمن فحسب ولا في كتابات اليونان الكلاسيكية فهناك غياب واضح لها في الكتابات القديمة رغم أن السبئيين كانوا يجيدون الكتابة منذ القرن العاشر ق.م على الأقل عدا أن اليمنيين لم يعرفوا قحطان هذا كجد بل عرفوا المسمى كاسم محطة تجارية تابعة لهم في قرية الفاو فهم كانوا يعتقدون أنهم أبناء آلهتهم وهو مايُضعف الإدعاءات الواردة في كتب التراث العربية بشأن التاريخ القديم لليمن والجزيرة العربية بشكل عام فلا توجد دلائل مادية أن كعبة مكة عنت لليمنيين أي شي فلا يعرف متى بنيت على وجه الدقة فلا ظهور لمكة إلا في القرن السادس الميلادي عقب سقوط مملكة حمير.
نظام الزراعة
كان للعرب الجنوبيين نظام زراعي متطور وعرفوا ببناء السدود الصغيرة في كل واد وأشهر السدود اليمنية القديمة سد مأرب وإزدهرت تجارتهم وكونوا محطات وممالك صغيرة منتشرة في أرجاء الجزيرة العربية مهمتها حماية القوافل من محاولات الأعراب لنهب وسلب محتوياتها وأسسوا إحدى أهم ممالك العالم القديم المعروفة باسم ممالك القوافل وبلادهم باسم بلاد العرب السعيدة في كتابات المؤرخين الكلاسيكية
اقدم حضارة في اليمن تعود الى القرن العاشر قبل الميلاد ..
فقط قبل الف سنة من الميلاد قامت اول حضارة في اليمن .. وهذا مخالف تماما للشائع من الخرافات والاكاذيب والاساطير حول تاريخ اليمن وان بها هبط ادم من الجنة .. او انها كانت الجنة التي عاش بها ادم وحواء .. الى اخر الخرافات
ووفق وثائق المركز الوطني للمعلومات التابع للحكومة اليمنية فان الإطار الزمني لتاريخ اليمن القديم ينقسم إلى عصرين رئيسين،
ويستند هذا التقسيم إلى معطيات تاريخية وجغرافية ليس هنا محل تفصيلها، ومع ذلك فإن العصرين يتداخلان ومن الصعب رسم حد فاصل بينهما ، فقد تزامنت فترات من العصرين، كما لم يكن الانتقال من الأول إلى الثاني انقطاعاً، وإنما امتداداً واستمراراً، والعصور التاريخية ليست مسارات زمنية مختلفة ، وإنما هي في حقيقة الأمر مظاهر مختلفة لمسار زمني واحد .
العصر الأول:
تدل أقدم المعلومات المعتمدة على حضارة يمنية راقية، يعود تاريخها على الأقل إلى القرن العاشر قبل الميلاد وتقترن هذه المعلومات بذكر سبأ التي ارتبطت بها معظم الرموز التاريخية في اليمن القديم والتي هي بالفعل واسطة العقد في هذا العصر ،
ويمثل تاريخ دولة سبأ، وحضارة سبأ فيه عمود التاريخ اليمني، وسبأ عند النسابة هو: أبو حمير وكهلان، ومن هذين الأصلين تسلسلت أنساب أهل اليمن جميعاً، كما أن هجرة أهل اليمن في الأمصار ارتبطت بسبأ، حتى قيل في الأمثال: تفرقوا أيدي سبأ ،والبلدة الطيبة التي ذكرت في القرآن الكريم هي في الأصل أرض سبأ، كما أن أبرز رموز اليمن التاريخية سد مأرب قد اقترن ذكره بسبأ، وكان تكريمه بالذكر في القرآن سبباً في ذيوع ذكر سبأ وحاضرتها مأرب.
ودولة سبأ في العصر الأول هي أكبر وأهم تكوين سياسي فيه، وما تلك الدول التي تذكر معها سوى تكوينات سياسية كانت تدور في فلكها، ترتبط بها حيناً وتنفصل عنها حيناً آخر، مثل دولة معين وقتبان وحضرموت، أو تندمج فيها لتكون دولة واحدة مثل دولة حمير، والتي لقب ملوكها بملوك سبأ وذي ريدان وذو ريدان هم حمير.
وأرض سبأ في الأصل هي منطقة مأرب ، وتمتد إلى الجوف شمالاً، ثم ما حاذاها من المرتفعات والهضاب إلى المشرق، وكانت دولة سبأ في فترات امتداد حكمها تضم مناطق أخرى ، بل قد تشمل اليمن كله . وكانت مأرب عاصمة سبأ، وتدلل الخرائب والآثار المنتشرة التي تكتنف قرية مأرب الصغيرة اليوم على الضفة اليسرى من وادي أذنه على جلال المدينة القديم وكبرها، ويرجح أن التل الذي تقع عليه قرية مأرب اليوم هو مكان قصر سلحين الذي ذكره العلامة الحسن بن أحمد الهمداني قبل ألف عام، والذي ورد ذكره بالاسم نفسه في النقوش اليمنية القديمة .
دولة معين
أما دولة معين فقد ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد في الجوف، بعد أن تمكنت مناطق الجوف بقيادة مدينة يَثُل = براقش العاصمة الدينية من السيطرة على طريق اللبان التجاري بمساندة حضرموت وقتبان، ثم اتجه المعينيون شمالاً، وأقاموا المحطات التجارية والمستوطنات المعينية على طرق القوافل التجارية مثل قرْية في وادي الدواسر على الطريق بين نجران والبحرين أي شرق الجزيرة ، ومثلددان في وادي القرى على الطريق بين نجران وغزة،
ومن قرنو عاصمة الدولة المعينية انطلق أهل معين يرتادون الأسواق العالمية في فلسطين ومصر واليونان وغيرها، وقد عثر بمصر على قبر تاجر معيني نقش اسمه زيد إلا بن زيد وكان يتاجر بالمر والقرفة في مصر أيام بطليموس الثاني حوالي 264 ق،م،
وكان العالم القديم يعرف المعينيين، وقد ذكرهم مؤلفو اليونان في كتبهم وسموا اللبان باسمهم، على أن تلك المصادر لا تقصر الذكر على المعينيين، وإنما تذكر معهم أيضاً في اليمن: السبئيين والحضارمة والقتبانيين، وكان أول ذكر لقتبان قد ورد في نقش الملك كرب إل وتار السبئي، وكانت حينها موالية لسبأ التي خلصتها من سيطرة أوسان، على أن قتبان مثل معين استطاعت أن تخرج عن سيطرة سبأ في القرن الخامس قبل الميلاد، وأن تمد نفوذها على حساب سبأ متحالفة مع حضرموت،
كانت مدينة تمنع في وادي بيحان عاصمة قتبان وهو مقر قبائلها في الأصل ، وفي القرن الثالث والثاني قبل الميلاد بلغت قتبان أوج ازدهارها وشملت رقعتها مناطق أوسان القديمة حتى ساحل بحر العرب، ومدت نفوذها جنوباً لتشمل واحة الجوبة على بعد مسيرة يوم واحد من مأرب العاصمة السبئية، وتميز القتبانيون بنشاط زراعي هائل، فأقاموا مشاريع الري في الوديان، وشقوا القنوات الطويلة وحفروا الآبار وبنوا السدود، وأحسنوا استثمار موقعهم على طريق اللبان التجاري، فجنوا من الزراعة والتجارة الخير الوفير، وكانوا يُعنون بسن الشرائع ووضع القوانين التي تنظم أمورهم الاقتصادية، ولا تزال تقوم إلى اليوم وفي محل السوق القديم بهجر كحلان تمنع العاصمة قديماً مَسَلَّةٌ نقش على جوانبها تعاليم خاصة بسوق المدينة واسمه سوق شمر ويبين النقش إجمالا الرسوم المفروضة ، وفئات التجار وغير ذلك،
أما حضرموت في أقدم عهودها فقد كانت تابعة لدولة سبأ الكبيرة ثم موالية لها، وفي القرن الخامس ق،م، إبان ضعف الدولة السبئية خرجت حضرموت عن سبأ كغيرها وكونت دولة مستقلة، وقد نمت قوتها تدريجياً واكتسبت أهمية فائقة، خاصة لكونها تملك أرض اللبان في ظفار وكانت عاصمتها شبوة التي تقع في أقصى غرب وادي حضرموت على أطراف مفازة صيهد، وكانت تشمل في عز ازدهارها ظفار أرض اللبان والنطاق الجنوبي الممتد حتى ساحل العرب، وتمتد شمالاً باتجاه الربع الخالي وما يحاذي العَبْر، بالإضافة إلى موطنها الأصلي وادي حضرموت، وتبرز أهمية هذه الدولة بوضوح من خلال ذكرها وذكر عاصمتها في المصادر الكلاسيكية، إذ تذكر أن شبوة عاصمة حضرموت كانت مركزاً هاما لتجارة اللبان،
وبهذا تنتهي المرحلة الاولى من تاريخ اليمن القديم
المرحلة الثانية
بداية انهيار حضارة اليمن وسقوطه تحت النفةوذ الروماني تارية والحبشي تارة والفارسي تارة ..
العصر الثاني من تاريخ اليمن القديم
في أواخر العصر الأول، وخاصة في القرنين الثاني والأول قبل الميلاد، أتى على أهل اليمن حين من الدهر قللوا فيه من اهتمامهم بالزراعة، واعتمدوا كثيرا على الرخاء الذي تدره عليهم القوافل التجارية، وغلب عليهم التنافس على المال والجاه ، فأصبح في اليمن خمس دول في آن واحد هي سبأ وقتبان ومعين وحضرموت وحمير ، أصبحت عواصمها باستثناء حمير أشبه ما تكون بدول مدن القوافل التي يخضع ازدهارها وسقوطها للأوضاع التجارية والأطماع السياسية، كما حدث للبتراء ولتدمر والحضر في شمال الجزيرة،
وتمكن البطالمة الذين كانوا يحكمون مصر آنذاك من التعرف على أسرار الملاحة في البحر الأحمر ومواقيت حركة الرياح الموسمية في المحيط الهندي، فشرعوا يتجرون بحراً دون وساطة اليمنيين الذين كانوا يسيطرون على طريق اللبان البري وتحول النشاط التجاري بين حوض البحر المتوسط وحوض المحيط الهندي تدريجياً من الطريق البري إلى الطريق البحري، فبدأ يخف عطاء الطريق البري وتأثرت به الدول اليمنية القديمة كثيراً، مما أضعف من قوتها وأنقص هيبتها، فطمع بها الناس دولاً وقبائل ، فكانت حملة أليوس جالوس الرومانية التي أخفقت عند أسوار مأرب عام 224 ق،م، في محاولة للسيطرة على الطريق البري والاستيلاء على بلاد اللبان،
كما طمعت القبائل البدوية المنتقلة في الصحراء بحواضر الدول اليمنية ومحطاتها التجارية، خاصة بعد أن تضرر أهل البادية أنفسهم نتيجة نقص مواردهم التي كانوا يجنونها من الطريق كجمالة أو حماة قوافل، فكانوا يهاجمون المحطات والمدن كلما مسهم جوع وآنسوا من تلك المدن ضعفاً، وساعدهم على ذلك اتخاذهم الفرس سلاحاً فعالاً في غزواتهم حيث كانوا ينقضون بسرعة وقوة على ثغور تلك الدول ثم يعودون فارين إلى قلب الصحراء مما اضطر كثيراً من سكان الوديان على أطراف الصحراء إلى هجر ديارهم والاحتماء بالمرتفعات في الداخل، وقد ساعد هذا الوضع على نمو قوة جديدة هي حمير التي حاولت الاستفادة من انتعاش الملاحة والتجارة على البحر الأحمر، فأقامت لها موانئ عليه وبنت لها أسطولاً ، وكانت حمير آخر دول اليمن القديم ظهوراً، ويرجح أن ذلك اقترن ببداية التقويم المعروف بالتقويم الحميري الذي يبدأ حوالي 115ق،م، كما أسست عاصمتها ظفار في قلب المرتفعات اليمنية بعيداً عن الصحراء وهجمات البدو، وذلك في قاع الحقل بسند جبل ريدان، كما ازدهرت مدن الهضبة اليمنية في القيعان، بعد أن كانت مدن الوديان الشرقية تحجب عنها المكانة والسمعة، وزادت سلطة الأقيال بعد أن قلت هيبة هؤلاء من منافسة السلطة التقليدية فيها، وإعلان نفسه ملكاً على سبأ، ودخلت اليمن في فترة من الصراع على اللقب الملكي في سبأ، وهو صراع وإن أشبه صراع ملوك الطوائف ،إلا أنه كان تعبيراً عن الانتماء المشترك والوحدة عبر حرص الملوك جميعاً وخاصة ملك حمير في ظفار-آخر دول اليمن القديم كما أسلفنا- على أن يكون لقبه ملك سبأ وحمير ملك سبأ وذي ريدان ومثله كان بنو همدان في ناعط وبنو بتع في حاز وبنو مرثد في شبام وذو جرة في نِعض بالإضافة إلى سبأ في مأرب وقتبان في تمنع وحضرموت في شبوة، وكانت دولة معين في هذا العصر قد انتهت وضمت إلى سبأ في القرن الأول قبل الميلاد وبدأ الضعف يدب في قتبان خاصة تحت ضربات دولة حضرموت، منذ مطلع القرن الأول الميلادي، ثم ما لبثت أن انتهت في القرن الثاني الميلادي، وضم ما تبقى منها إلى حضرموت، وفي القرن نفسه انتهى حكم الأسرة التقليدية السبئية في مأرب، علماً بأن مأرب نفسها لم تفقد أهميتها كعاصمة أو مدينة حينذاك، ومما زاد في الصراع حدة بروز دولة أكسوم في الحبشة وهي الدولة التي قامت نتيجة استيطان يمني دام قروناً هناك، وساعد انتعاش الملاحة في البحر الأحمر على ازدهارها، ودخلت مع حكام اليمن في صراع أو تحالف حسب ما تقتضيه ظروفها، على أن فترة النزاع ما لبثت أن تبلورت في محاولة توحيد السلطة وإقامة دولة مركزية واحدة، وكان أول من قام بهذه المحاولة الملك شَعِر أوتر بن علهان نهفان الذي حمل لقب ملك سبأ وذي ريدان ، واتخذ من مأرب عاصمة له ومد نفوذه إلى كثير من بقاع اليمن بما فيها حضرموت، وذلك في أواخر القرن الثاني بعد الميلاد، كما حاولت ظفار ومأرب توحيد قواهما ضد الحبشة ، بل وتوحيد السلطة إبان حكم الملك الشهير إل شَرَحْ يحضب الذي شاركه الحكم أخوه يأزل بيِّن وكان ذلك في أواخر النصف الأول من القرن الثالث الميلادي .
وفي الربع الأخير من القرن الثالث انتهت حضرموت كدولة على يد شَمّر يهرعش بن ياسر يهنعم ، وهو الملك الذي تنسب إليه الأخبار كثيراً من البطولات والأمجاد، بل هو من أبرز الشخصيات الملحمية في قصص أهل اليمن، وقد استطاع هذا الملك أن يوحد الكيانين السياسيين الباقيين وهما: سبأ وحمير في كيان واحد، وأقام حكماً مركزياً قوياً وحمل لقب ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وانتهت مأرب كعاصمة وحلت محلها ظفار، وقد عرفت هذه الفترة التي تبدأ بتوحيد المناطق اليمنية في وطن واحد وسلطة مركزية واحدة عاصمتها ظفار بفترة حمير، وهي الفترة التي بقيت ذكراها عالقة في أذهان الناس ، وتناقل الرواة أخبارها قبل الإسلام أكثر من أية فترة سابقة في تاريخ اليمن القديم
تاريخ اليمن الخاتمة ..
الهدف من ذكر كل هذه التفاصيل عن تاريخ اليمن القديم حتى مجيء الاسلام هو تأكيد ان شمال اليمن اي شبه الجزيرة العربية لم يكن فيها ما يغري حتى اهل اليمن جيران شبه الجزيرة بالقيام باي نشاط او عمل او حتى مجرج حكاية او حادثة .. لا ذكر نهائيا لشبه جزيرة العرب في تاريخ الحضارة اليمنية الا موضوعين فقط وهما هجرة قبيلة يمينية وتاسيس (يثرب) التي اصبحت المدينة لاحقا .. وايضا قصة ابرهم (الذي كان ملك على اليمن وليس على الحبشة) وغزوه مكة ةمحاولته هدم الكعبة
الخلاصة
كان آخر من حكم من ملوك حمير قبل دخول الحبشة إلى اليمن عام 525 للميلاد رجل اسمه أسأر يثأر من العائلة اليزنية، واشتهر بذي نواس، ويقال إنه تسمى يوسف بعد أن اعتنق اليهودية، ربما كرد فعل لتغلغل النفوذ الروماني عبر المسيحية التي كانت نجران قلعة من قلاعها، وكان أهل الحبشة يدينون بالنصرانية، ويشرفون على النشاط المسيحي في اليمن، حيث دان أقوام بالمسيحية منذ أن دخلت إليه في حوالي منتصف القرن الرابع الميلادي، ومن أولئك نصارى نجران،
وكان النفوذ الحبشي قد اشتد في اليمن، فاشتبك ذو نواس معهم في معارك طاحنة، كانت الغلبة فيها أول الأمر لذي نواس، حيث ألحق بهم الهزائم تلو الهزائم ، وانتهت بحرق كنائسهم وتعقبهم في كل مكان، ولم يشأ أهل نجران أن يتركوا دينهم ويعتنقوا بدلاً منه دين ملكهم، فما كان من هذا الملك إلا أن دمر كنائسهم وأحرقها وقتل المؤمنين منهم بالنصرانية وألقاهم في الأخدود، ويجد المرء ما يوافق تلك الحادثة في سورة البروج من القرآن الكريم ، وانسحب الأحباش بعد هزائمهم في تلك المعارك ليعودوا من جديد بعد سنوات لغزو اليمن وتمكنوا بمساعدة إمبراطور الروم من إلحاق الهزيمة بذي نواس واحتلال اليمن ، وكان ذلك عام 525 للميلاد،
وولي اليمن نيابة عن نجاشي الحبشة شخص يدعى أبرهة وهو الذي تهدم سد مأرب في زمنه كما أسلفنا وأصلحه، لكن أبرهة استبد بالأمر في اليمن وخلع طاعة النجاشي وسمى نفسه ملكاً على اليمن ، وقام بغزوات عديدة لإخضاع القبائل المتمردة عليه في الداخل، وبأخرى لمد نفوذه في الجزيرة، على أن دولته لم تدم طويلاً إذ أن الفرس بدءوا يتحينون الفرصة للسيطرة على اليمن في إطار صراعهم الطويل مع الروم، وتنافس الطرفان على كسب مناطق نفوذ لهما، فكان أن أرسل الملك الساساني عن طريق ملوك الحيرة قوات فارسية إلى اليمن، تمكنت بالتعاون مع قائد يمني من ذي يزن اشتهر باسم سيف من تقويض نفوذ الأحباش في اليمن وطردهم،
على أنه مما بقي عالقاً في أذهان أهل اليمن وتواتر أخبارهم قصة حملة أبرهة الفاشلة على مكة، وهي الحملة التي قصد منها هدم الكعبة واتخاذ القليس في صنعاء كعبة يحج إليها الناس بدلاً منها، وقد أشار القرآن إلى هذه القصة في سورة الفيل،
وفي عام الفيل ولد النبي في مكة وروي أن جده عبد المطلب بن هاشم كان في جملة الوفود التي وصلت إلى صنعاء لتهنئة سيف بن ذي يزن بانتصاره على الحبشة، وتوليه سُدة الحكم في اليمن إلا أن ذلك لم يدم طويلاً، فقد قرر كسرى الثاني برويز الملك الساساني أن يجعل من اليمن ولاية فارسية، وكان أن تم له ما أراد، وعين عليها والياً فارسياً في اليمن حوال عام 598 ، وكانت اليمن بعد تحولها إلى ولاية فارسية لا تزال تشكل مركز الاستقطاب والثقل في الجزيرة العربية ، ويمكن الاستشهاد على ذلك بتصورات الملك الفارسي لدور اليمن في الجزيرة، فقد أرسل كما هو معلوم إلى واليه في اليمن أن يقبض على رسول الإسلام محمد بن عبد الله (ص) في الحجاز وكأنه بهذا الطلب ينظر ببداهة إلى نفوذ اليمن في منطقة شمال الجزيرة العربية،
وقد ضعفت أحوال اليمن الداخلية في عهد الحكم الفارسي وفقدت السلطة المركزية هيبتها في البلاد وهو ما أفسح الطريق لبروز الزعامات القبلية الكثيرة إلى جانب حكم الوالي الفارسي في صنعاء وبعض مناطق أخرى من اليمن ، وهذا هو الوضع السياسي الذي ستشرق شمس الإسلام واليمن عليه وسيتغير بعد ذلك ضمن المتغيرات الكبرى التي أحدثتها دعوة النبي محمد عليه الصلاة والسلام الناس جميعاً إلى دين الإسلام. وقبل الإسلام عبد اليمنيون عدداً من الآلهة أهمها: الكواكب والأجرام السماوية، كالشمس والقمر والزهرة، أما اليهودية والمسيحية فقد بدأت بالظهور في اليمن ابتداءً من القرن الرابع الميلادي فتداخلت مع ديانات محلية ذات طابع توحيدي كعبادة الرحمن، كما شاع بين أهل اليمن القديم السحر والشعوذة
المصدر : المركو الوطني للمعلومات التاريع لحكومة الجمهورية اليمنية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر