الدكتور كمال الصليبي استاذ التاريخ واللغات السامية في الجامعة الأمريكية في بيروت , و نظريته الجديدة في الجغرافية التاريخية للتوراة التي أثارت جدلا كبيرا كما عبر عنها في كتابيه " التوراة جاءت من جزيرة العرب " و " خفايا التوراة و أسرار بني إسرائيل " و هي النظرية التي اعتمدت المقابلة اللغوية بين أسماء الأماكن الواردة في التوراة و بين أسماء الأماكن الموجودة في جنوبي الحجاز و عسير
وفي ما يلي تقديم لكتابه المهم " حروب داود " تقديم : يقدّم هذا الكتاب ترجمة جديدة لأخبار الحروب التي خاضها داود حين كان ملكا على "جميع إسرائيل" (1002 _ 962 ق م تقريبا) , كما هي مروية في الأصل العبري لسفر صموئيل الثاني من التوراة . و هو رابع الأسفار الستّة التي يتكوّن منها جزء "الأنبياء الأوائل" من التوراة. والأسفار الستة هذه تروي أخبار بني إسرائيل , مرحلة تلو مرحلة , منذ وفاة موسى وحتى سقوط مملكة يهوذا وسبي شعبها إلى ارض بابل قرابة العام 586 ق م . ومن بين هذه الأسفار الستّة , يختصّ سفر صموئيل الثاني برواية أخبار داود بعد أن صار ملكا على شعب يهوذا , ثم على "جميع إسرائيل".
أول ما يلاحظ أن المادة التاريخية في هذا السفر _ كما في غيره من أسفار "الأنبياء الأوائل" _ هي على نوعين :نوع قصصّي , شعبي الطابع , يعود عهده في الأصل , على الأرجح , إلى زمن قريب جدا من الحدث , ونوع آخر أبعد زمنا عن الحدث , يعلله ويعلّق عليه , ويبرّره أو يدينه أحيانا ليستخرج منه العبرة.
والنوع الثاني مادة دخيلة على المادة من النوع الأول , اصطلح على تسميتها بـ "المادة التثنوية" .وهي في غالب الأحيان كهنوتية الطابع , وفيها تركيز ملحوظ على الترابط المستمر المفترض بين مشيئة الربّ يهوه , إله التوراة , وتاريخ شعبه الخاص إسرائيل.
كانت هناك محاولات لفرز المادتين القصصية والتثنوية , لم تقم على القاعدة التي يجب أن تتم عملية الفرز وفقها , بمعنى ملاحظة الفرق الأساسي بينهما , وهو في رأي الدكتور الصليبي يقوم على رؤية التركيب اللغوي للمادتين :
فالمادة القصصية مادة لغوية ملحمية شعرية .والمادة التثنوية مادة لغوية نثرية . والترجمة التي يقدمها هذا الكتاب لأخبار حروب الملك داود تقتصر على المادة القصصية شبه الملحمية من هذا السفر . لماذا يعتقدون ان اليهود اغنياء؟
من الاساطير الشعبية السائدة من العصور الوسطى الى الان: اليهود اغنياء، انهم يخبئون الكنوز الكبيرة من الفضة والذهب داخل القبور، وانهم يغشون ويأخذون الاموال بمساعدة السحر
اسطورة اليهودي الغني والطماع الذي يظلم الغرباء، التي تقلق اليهود حتى اليوم، ولدت في اوروبا في العصور الوسطى، عندما اضطر اليهود الى العمل بالقروض بالفائدة وتشغيل الحانات حيث آمنوا بانهم يخبئون الذهب حتى لو كانوا فقراء. يقول احد المؤرخين:” كانوا مثل مفتشي الوقوف، جبوا الاموال لصالح الآخرين وتلقوا الضربات”.
يبدو ان الربط بالدولارات يمكن ان يكون مثيرا للرضى، لكن ملايين اليهود تمت اهانتهم، تعذيبهم وقتلهم
بسبب “الادعاء” بأن اليهود، مخادعون قادرون ويركضون وراء المال “يحبون المال”، الذين سيطروا على مواقع مختلفة ويتهمون “المال اليهودي” الذي تسبب كما يدعون، بشكل متعمد بالازمة الاقتصادية العالمية .
ولدت اسطورة اليهودي الغني بعد آلاف السنين في اوروبا في العصور الوسطى كان مقتنعا بأن اليهود اغنياء، انهم يخبئون الكنوز الكبيرة من الفضة والذهب، وانهم يغشون ويأخذون الاموال بمساعدة السحر. هذه الاشياء تظهر في عدة اساطير شعبية” .
الى أي حد كان اليهود اغنياء في الواقع؟ تظهر وثائق من العصور الوسطى انه على الاقل كان قسم منهم غني جدا. رسائل مع تاجر يهودي من القرن ال 11 شارك في معرض تجاري في المانيا مثلا، تظهر مبالغ ربحها تسوي ثلث كنوز ملك هنغاريا. سيرات ذاتية لأمراء وأغنياء تظهر ان قسما منهم كان لديه مستشار يهودي، “يهودي القصر” الذي كان يدير أموالهم .
لكن الباحثين مختلفين بينهم في مسألة ماذا كان مستوى حياة اغلب اليهود :”تدهور وضع اليهود مع السنوات” يقول افيعاد كلاينبرغ، مختص في العصور الوسطى من قسم التاريخ العام في جامعة تل ابيب “في العصور الوسطى الاولى من القرن ال8 وحتى القرن ال 12 كان معظمهم يعيشون بشكل غير سيء بمصطلحات تلك الفترة”.
“الاشخاص الاغنياء حقا كانوا رجال الجيش، موظفي السلطة والاقطاعيين وكلهم كانوا مسيحيون، لانه كان ممنوعا على اليهودي العمل في خدمة الدولة وامتلاك الاراضي” كما يقول كلاينبرغ “لكن معظم السكان المسيحيين كانوا فلاحين اجيرين، بينما كان معظم اليهود من اصحاب الحرف، الفنانين والتجار. بمصطلحات اليوم كان هؤلاء وهؤلاء فقراء جد، لكن بشكل عام، يبدو ان اليهود كانوا اقل فقرا.
جاء اليهود من الشرق الاوسط المتطور وجلبوا معهم المعرفة التجارية، كان اليهود متنقلين لانهم كان بامكانهم الاستضافة في جاليات بعيدة. كان لديهم القليل من السيطرة على مهن توجب السفر، مثل تجارة النبيذ، كان في المجتمع اليهودي اكثر مساواة بين الاجناس وقامت النساء بإدارة الاعمال عندما يسافر الرجال.”
“كان هنالك فقر لدى اليهود لكن كانت لديهم مؤسسات ناجعة للمساعدة المتبادلة. اليهود الاغنياء تبرعوا بالاموال. وكانت الجالية ترعاهم من الناحية الطبية، تزويج الشبان والتبرعات للفقراء. كان اليهود يعيشون بمستوى صحي جيد بفضل الغطس في مجمعات المياه وغسل الايدي وكانوا يموتون اقل في الامراض الفتاكة”
اصبح اليهود في وسط وغرب اوروبا اقل غنى في القرون الوسطى المتأخرة، من القرن ال 12 “تطور المجتمع وتم ابعاد اليهود الى الحواشي حيث بقي اليهود خارج المنظمات وفقدوا رزقهم، فتحت الجامعات وخلقت مهن جديدة مثل الطب والمحاماة التي أوجبت ثقافة اكاديمية، ولم يتمكن اليهود من التعلم بها. في نهاية الامر تم ابعادهم الى مهن مثل الإقراض بالفائدة”.
“الإقراض بالفائدة لم يحولهم الى اغنياء، كان العمل بالاموال الصغيرة، اليهود كانوا فقط السماسرة الذين اقرضوا اموال النبلاء الى الفقراء، والنبلاء هم الذين عملوا اغلب المال. صحيح ان المقترضين الفقراء كرهوا اليهود الذين كانوا يتحاسبون معهم كل يوم، الناس يكرهون من يجبي منهم الاموال مباشرة. وليس الاشخاص الأقوياء الذين يقفون من ورائهم. معظم السائقين الذين يتلقون مخالفة وقوف يغضبون على المفتش وليس على رئيس البلدية الذي يشغلهم، وكان اليهود في وضع المفتشين”.
“كان اليهود يعيشون في المدينة ويعملون في المهن المتعلقة بالمال، حتى اليهود الذين أداروا مصالح صغيرة اظهروا كفاءة مالية من نوع ما، كانوا يديرون دفاتر الحسابات، بدلوا الاموال واستثمروا. وهذا ادى الى الاعتقاد انهم اغنياء، الفلاح الذي استعمل المال مرة في الشهر عندما كان يأتي ليبيع ويشتري في المدينة كان يقابل بالحذاقة والمعرفة الخاصة باليهود، كان يفكر لنفسه – اكيد انهم سحرة حصلوا على قوى من الشيطان”.
ومع ذلك يشدد كلاينبرغ وفرات بان الغنى الحقيقي والمزيف لليهود لم يكن المحرك المركزي ضدهم “انا اشك بان مسالة المال كانت “الادعاء المركزي” ضد اليهود في العصور الوسطى” يقول كلاينبرغ “لاحقوا اليهود لاسباب عدة، كان معظمها متعلقا بالدين، رغم انهم اعتبروا ماديين اغلب الوقت، أدب العصور الوسطى يصف اليهودي على انه شخص يهتم فقط بالجنس والمال، هكذا كانوا يتطرقون الى الغرباء في المجتمعات المغلقة والمتعصبة، بدون علاقة الى كونهم اغنياء حقا”
يعتقد كلاينبرغ بأن فقر اليهود في العصور الوسطى زاد من خطورة الملاحقات والعنف المرعب ضد اليهود الذي بدأ في اعقاب الحملات الصليبية في نهاية القرن ال 11، وتحول الى ظاهرة منتشرة في الغرب في القرن ال 13، قبل ذلك عاش اليهود مئات السنين تحت الرعاية الشخصية والمباشرة للملوك، الامر الذي كان يعد امتيازا خاصا. بدات الملاحقات عندما لم يكونوا بحاجة اليهم”.
العصور الوسط المتأخرة في غرب ووسط اوروبا كانت فترة سيئة لليهود تم حبسهم في الجيتو، ضربوا، سجنوا، عذبوا، طردوا وقتلوا باعداد كبيرة. الكراهية خلقت تطورا غريبا: تمت ملاحقة اليهود، “بتهمة” كونهم اغنياء. كلما ازدادت الملاحقات، اصبحوا فقراء اكثر، هبط مركزهم وازدادت الملاحقات اكثر – لكن شخصية الغني والمستغل بقيت نفسها، حتى عندما لم يبق يهود في الجوار. العمل الفني الاكثر شهرة للمقرض اليهودي بالفائدة الطماع هو مسرحية “تاجر البندقية” التي كتبها وليام شكسبير في القرن ال 16، بعد 300 عام من طرد كل اليهود منها.
تسبب العنف لليهود بالهجرة الى الغرب الى بلدات في شرق اوروبا – بولندا، ليطا، اوكرانيا رومانيا
وهنغاريا – التي تحولت في وقت من الاوقات خلال العصور الوسطى الى المركز اليهودي الاكبر في العالم، كانت اوروبا الشرقية فقيرة ومعدومة، وتواصل الواقع الاقتصادي الذي كان في الغرب في العصور الوسطى في الشرق مئات عديدة اضافية من السنين وتمتع اليهود في البلدات منها.
“لم يكن في اوروبا الشرقية مركز وسط، وكانوا بحاجة الى اليهود ليطوروا الاقتصاد. يقول كلاينبرغ “اليهود كانوا من القلائل في شرق اوروبا الذين كانت لهم معرفة تجارية، حتى في فترات متأخرة، حتى في القرن ال 16، اقاموا البنوك الاولى وسيطروا على فروع كاملة، مثل النسيج، حتى القرن ال 19 كانوا حوالي نصف السكان في البلدات في شرق اوروبا، الملوك والنبلاء هناك استقبلوهم برغبة ومنحوهم الحماية التي فقدوها في الغرب.”
وسادت الكراهية والانماط المسبقة ضد اليهود في اوروبا الشرقية تماما مثل الغرب، لكن حتى القرن ال 17 كانت هنالك اصابات قليلة لليهود، مثل الغرب، الاعتداءات الصعبة في البلدات بدأت بعد ان تمت ازاحة اليهود هناك الى مركز “مفتش الوقوف”.
“البلدة اليهودية كانت ملك النبيل المحلي “صاحب الارض” واليهود كانوا يعيشون فيها مقابل خدمات اعطيت لهم” يقول البروفيسور يسرائيل بار طال من قسم تاريخ شعب اسرائيل في الجامعة العبرية ” كان العديد من اليهود يستأجرون. طريقة الاقطاع قررت ان كل الاملاك – مثل طواحين القمح او الجسور – تابعة للنبلاء، وقام النبيل بنقل هذه الممتلكات الى اليهود”
“عملت الطريقة بهذا الشكل: النبيل كان يسمح لليهود باستعمال الممتلكات، مقابل رسوم استئجار مثلا بمبلغ 1000 زلوتي، قام الفلاحون البولنديون والاوكرانيون بالدفع لليهودي مقابل استعمال طاحونة القمح، دفعوا له مقابل رسوم العبور في الجسر ودفعوا له على البيرة التي شربوها في الحانة، اذا كان اليهودي يجبي منهم 2000 زلوتي كان يربح 1000 اذا جبى 1000 لم يكن يربح، على كل الاحوال وقف اليهودي امام كل الفلاحين وتلقى الكراهية، الشتائم والضربات”.
“حتى اليهود في البلدات كانوا فقراء” يقول بارتال “سكنوا باكتظاظ، عائلتين او ثلاثة في كوخ مكون من ثلاث غرف، وكانوا يأكلون بشكل اساسي الخبز والبطاطا، لكن اليهودي الأفقر كان لديه اكثر قليلا من الفلاحين في القرية المجاورة، الفلاح كان مرتبطا واليهودي يتحرك بحرية، الفلاح كان لا يعرف القراءة والكتابة واليهودي كان لديه القليل من المعلومات”.
“لذلك انتشرت في القرى اساطير حول الغنى الخيالي لليهود واكياس الذهب التي يخبئونها، تحت الارض. حتى اليوم يوجد في اوكرانيا اشخاص يؤمنون انه يوجد تحت اماكنهم التي كانوا يسكنونها في البلدات كنوز ذهبية مخبئة، وعندما كانت تسنح لهم الفرصة خرجوا لسرقة اليهود وعندما نشبت تمردات ضد النبلاء مثل تمرد القوقازيين التابعين ل حملنسكي في القرن ال 17 تم ذبح اليهود.”
المراحل التي حدثت لليهود في الغرب في العصور الوسطى – ملاحقات، فقر وملاحقات اخرى – حدثت بعد ذلك في القرن ال 17. 18 وال 19، ايضا لملايين اليهود في اوروبا. في نهاية القرن ال 19 كان معظم اليهود في شرق اوروبا – فقراء مدقعون لكن الشخصية التي التصقت بهم – السبط الذكي، الشامل والغني، الذي يظلم ويستغل الاغراب – لم تختفي وانما بالعكس ازدادت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر