كتب : إدوارد جاين
سأبدأ بالقول بأني لا أتفق مع النشرة التي روَّجت خطابي حول فرضية أنَّ يسوع كان أسطورة، في الحقيقة إنَّ عبارة "يسوع كان أسطورة" قد يُفَسَّر معناها بأنَّ يسوع لم يكن شيئًا آخر. لم أكن أعلم بأمر هذا العنوان، في الحقيقة أنا شخصيًا مقتنع بحقيقة وجود يسوع التاريخي، مع أني كملحد أرفض وضعه كمسيح أو وجود علاقة فريدة ومميَّزة كانت تربطه بإله غير موجود برأيي. وحتى هنا، عليَّ أن أعترف أنَّ وجود الله هو احتمال بعيد جدًا، لكن هذا الاحتمال ضئيل جدًا برأيي حتى أني أودُّ القيام بقفزة تحفيزية – لأغراض عملية – في افتراض أنَّ الله غير موجود. بالنسبة للمسيح، فأنا قادر على تقبُّل وجوده كشخص، وحتى الاعتراف بعبقريته الفذَّة كنبي، ولا شيء أكثر من ذلك.
علاوةً على ذلك نجد أنَّ الأناجيل تناقض بعضها الآخر باستمرار. حيث تمَّ العثور على ما بين 150000 إلى 175000 تناقض فيما بينها[5]. والأهم من ذلك، اثنان من الأناجيل فقط، متى ولوقا، يشيران إلى مولد المسيح، وهناك اختلافات جذرية بين الروايات التي يرويانها. والمشكلة نفسها تحدث مع حادثة بعث المسيح وعودته إلى الحياة، فهناك العديد من الاختلافات الفعلية في التسلسل والأشخاص المشاركين في هذا الحدث والمرتبطين به خلال الأيام الثلاث الأخيرة من حياة المسيح (أو ربما لم تتجاوز الحادثة مدَّة اليوم ونصف اليوم؟) بين لحظة صلبه وصعوده إلى السماء، حيث أنَّ هذه الشهادة بكاملها سترفض من قبل أيَّة محكمة قانونية في هذا العصر[6]. ضمن مجتمع مثقَّف ومتعلِّم حيث تمَّ نشر هذه الأناجيل وتوزيعها بسهولة نسبية، يمكن ترجمة هذا التشويش والارتباط بأنه يوحي بالأصالة، لكن في مجتمع لم يتثقَّف بعد فإنَّه يوحي بوجود عملية تناقل شفهي للخبر خارجة عن السيطرة.
في أوائل القرن العشرين قام عدد من الباحثين والعلماء بدعم فرضية أنَّ المسيح لم يكن أكثر من مجرَّد أسطورة. ومن ضمنهم جي. م. روبرتسون، دبليو بي سميث، وإي دوجاردين،
هم الذين جادلوا أنَّ هوية المسيح قد تمَّ اختلاقها وتلفيقها اعتمادًا على إله ما قبل مسيحي يسمى يسوع (أو يوشع/ جوشوا – ربما قد يكون النبي يوشع نفسه).
آخرون مثل درو مثلاً جادلوا أنَّ المسيح كان مستعارًا من شخصية المسيَّا/المسيح في سفر إشعيا، وآخرون أمثال ب. ل. كوشو لام القديس بولس لاختراعه شخصية المسيح. لكن آخرون أمثال ت. ويتاكر، ل. ج. ريلاندز، بي. ألفاريو، أ. بايت، ماتشيورو، ر. ستاهل، ب. فان إسينغا، إلخ[1]. في كتيّب صغير وممتاز نشر في عام 1926 (يسوع: أسطورة Jesus: A Myth) لخَّص فيه الناقد الدنماركي جورج براندس حججهم بوضوح – وضوح شديد في الحقيقة، حيث أنَّ الحجَّة ضدَّ وجود المسيح تصبح جلية جدًا.
كيف أمكن لحجَّة عدم وجود المسيح أن تصبح رائجة إلى هذا الحدِّ؟
في الواقع لأنَّ جميع الوثائق والمدوَّنات عن وجود المسيح مبعثرة ومتفرِّقة. وحتى اسمه يشير إلى وجود عملية اختراع وتلفيق بدلاً من شخص حقيقي، حيث أنَّ كلمة "مسيح" تعني: المدهون أو الممسوح – شخص مدهون بالزيت لتأدية مهمَّة مقدَّسة. لذلك يمكننا ببساطة ترجمة اسم يسوع المسيح بعبارة "يوشع الممسوح"، وإذا أرجعنا اسم يوشع إلى جذره الأصلي: جوشوا Joshua= Jahweh [أو إله]/ "يهوه ينقذ"، فإنَّنا نكون أمام تشكيل لغوي مثير للاهتمام، "الله ينقذ الممسوح". ويمكن القول "أنا أؤمن بمنقذي"، "الله يحفظ الممسوح".
والمزعج أيضًا أنَّ الكُتَّاب غير المسيحيين المعاصرين للمسيح لم يذكروه في كتاباتهم. المؤرِّخون الرومان بعد جيل واحد من ظهور المسيح قد قاموا بتأريخ تواريخ اجتماعية وطبيعية كان ينبغي أن يأخذوا إنجازاته بعين الاعتبار، لكنهم لم يوردوا أية إشارة من أي نوع على حياته أو الظروف التي مرَّ بها. لم يكن هناك أي سبب يدفعهم للتغاضي عنه، فقد كانوا يبحثون عن القصص الأصلية والغريبة، حسب تعبير آني بيسانت عام 1987:
لا يمكن إثبات وجود يسوع من خلال الكتابات والنصوص والوثائق المعاصرة لزمانه. الطفل الذي بشَّر بمولده نجم ظهر في السماء والذي يرشد الحكماء والعقلاء الغرباء إلى يهوذا، مجزرة ارتكبت بحق جميع الأطفال الرضَّع في إحدى المدن الرومانية على يد قائد روماني تابع للإمبراطور، معلِّم يشفي المرضى بداء الجذام، الأعمى، الأخرس، الأطرش، الأعرج، ويقيم الأموات وهم جثث متحلِّلة، ملكٌ على اليهود يدخل مدينة القدس بموكب مهيب ومنتصر، بدون أن تعترضه فيالق القيصر، زعيم حراك ثوري متَّهم بالعصيان يتمُّ القبض عليه من قبل أبناء قومه وتسليمه إلى الحاكم الإمبراطورية، ثائر حكم عليه بالموت وفقًا للقانون الروماني، ثلاث ساعات من ظلام لفَّ جميع أنحاء الأرض، هزَّة أرضية تفتح القبور...، أعداد هائلة من الأشباح الهائمة في جميع أنحاء مدينة القدس، جثَّة مصلوبة تبعث من جديد إلى الحياة، وتظهر على مرأى من حوالي 500 شخص، رجل يبعث من بين الأموات ويصعد بجسده نحو السماء من دون تستر... هكذا أخبرونا، أنَّ جميع هذه الأحداث قد وقعت، لكن من دون أي إشارة لحدوثها في الأدب المعاصر لها[2].
بمعنى آخر، ربما كان المسيح موجودًا، لكن ليس هناك أي توثيق أو دليل كتابي مدوَّن يثبت وقوع جميع هذه الأحداث التي ورد ذكرها في الكتاب المقدَّس.
هناك كاتبان رومانيان تجاهلا وجود المسيح يمكن إدراجهما بشكل خاص. إذ أن كلاً من سينيكا (3ق.م-65 ب.م) وبليني الكبير (23-79 ب.م) وضعا تواريخ تذكارية سُجِّلت فيها جميع الظواهر الطبيعية العظيمة في ذلك الوقت – زلازل، مذنبات، خشوف وكسوف، إلى ما هنالك. كتاب سينيكا التساؤلات الطبيعية يتألف من مجلدين، وعمل بليني التاريخ الطبيعي يتألف من عشرة مجلدات. وكلاهما لا يشيران في عمليهما الضخمين بأي إشارة من أي نوع إلى هذه الأحداث الحياتية للمسيح التي ذكرتها آني بيسانت، وكأنها لم تقع ببساطة. بليني كان مأخوذًا بظاهرة الكسوف والخسوف بشكل خاص حيث أنه ناقش إمكانية حدوث كسوف جزئي عندما قتل قيصر، لكنه لم يذكر شيئًا عن الكسوف الكلي المفترض الذي دام ثلاث ساعات كاملة والذي يفترض أنَّه وقع خلال عملية صلب المسيح بعد ذلك بسبعين عامًا. كيف يمكن حدوث هكذا كسوف عملاق من دون ذكر أية تقارير أو أخبار عنه ضمن عمل بليني الضخم في التاريخ الطبيعي؟
المؤرِّخ اليهودي جوزيفوس (37-100 ب.م)
والحال أنَّه كان هناك تماثل كبير وكافٍ بين المسيحية والديانات الوثنية في زمن المسيح حيث لا يسعنا سوى التوصُّل إلى نتيجة مفادها أنَّ الديانة المسيحية، كغيرها من باقي الديانات والفرق والألغاز، "نمت عن طريق امتصاص الأفكار اللاهوتية المنافسة ودمجها"[15].
كما أنَّ هناك عملية تثليث توفيقية تمَّ إدخالها: النبوءات اليهودية عن المسيَّا، التضحية الوثنية من أجل الخصوبة، والإسكاتولوجيا الفارسية. وقد نجح الأمر – لكن ظل ليس حقيقًا بالضرورة.
والأهم في هذه العلمية هو التشابه مع المثرائية، وهي الديانة التي سادت في روما لأكثر من قرن كامل من الزمن قبل اعتناق الإمبراطور قسطنطين للمسيحية خلال العقد الأول من القرن الرابع للميلاد. هناك الكثير من هذه التماثلات، وينبغي استبعادها كلها بصفتها استعارات محتملة. وهذا يشبه إلى حدٍّ كبير أو ضئيل ما حاوله تولستوي في عمله التوفيقي تعاليم يسوع، وسنقوم بالأمر نفسه. والسؤال لم يعد ما إذا كانت قصة المسيح أسطورة، بل كيف وإلى أي مدى، وما الذي بقي لدينا عندما تمَّ استبعاد الأسطورة وإسقاطها؟
والأمر المدهش أنَّ الإنسان لا يستطيع أن ينظر إلى الآخرين نظرة شهوة (وهذا ما يفعله أغلبنا معظم الأوقات). فمن الأفضل أن نقطع أطرافًا منًّا – أعيننا، أيدينا، أو أي شيء آخر – على أن نخاطر بالسقوط في الجحيم إلى الأبد:
وتمامًا كما تلوَّى جورج دبليو بوش بغبطة في نقاشه الثاني عندما تكلم عن إعدام ثلاثة مساجين (وقد تبيَّن أنهما اثنان) بتهمة ارتكابهما جريمة قتل، فقد تكلَّم المسيح بنفس الحماس غير المعتاد عندما تحدَّث عن ترك المرء لعائلته وأهله في سبيل الدين. وهذا كان خيار المسيحي في عمل بونيان "Pilgrim's Progress"، وذلك من أجل الفوز بالحياة الأبدية في الجنة:
إذ يمكن للمسيحي أن ينال الخلاص من دون أن يكون خصيًا، فكلاهما – المسيحي والمخصي – بإمكانها الالتزام بهذه الحالة، وكلاهما لديهما فرصة جيدة لنيل الخلاص والحياة الأبدية في الجنة. هذه كلمات قاسية جدًا؛ إمَّا أن تخصي نفسك أو تتعلَّم كيف تفكِّر وتتصرَّف كشخص مخصي، لتضمن الخلاص. لكن ما هذا الخلاص؟ وماذا عن فضيلة الزواج وإنجاب أولاد وتربيتهم؟
لماذا كل هذه المعاداة للزواج؟ ألا يدفعنا ذلك للشك في أنَّ يسوع كان يعاني من مشاكل مع عائلته الخاصة، وترد إشارة على ذلك في نفس الإنجيل:
والمزعج أيضًا أنَّ الكُتَّاب غير المسيحيين المعاصرين للمسيح لم يذكروه في كتاباتهم. المؤرِّخون الرومان بعد جيل واحد من ظهور المسيح قد قاموا بتأريخ تواريخ اجتماعية وطبيعية كان ينبغي أن يأخذوا إنجازاته بعين الاعتبار، لكنهم لم يوردوا أية إشارة من أي نوع على حياته أو الظروف التي مرَّ بها. لم يكن هناك أي سبب يدفعهم للتغاضي عنه، فقد كانوا يبحثون عن القصص الأصلية والغريبة، حسب تعبير آني بيسانت عام 1987:
لا يمكن إثبات وجود يسوع من خلال الكتابات والنصوص والوثائق المعاصرة لزمانه. الطفل الذي بشَّر بمولده نجم ظهر في السماء والذي يرشد الحكماء والعقلاء الغرباء إلى يهوذا، مجزرة ارتكبت بحق جميع الأطفال الرضَّع في إحدى المدن الرومانية على يد قائد روماني تابع للإمبراطور، معلِّم يشفي المرضى بداء الجذام، الأعمى، الأخرس، الأطرش، الأعرج، ويقيم الأموات وهم جثث متحلِّلة، ملكٌ على اليهود يدخل مدينة القدس بموكب مهيب ومنتصر، بدون أن تعترضه فيالق القيصر، زعيم حراك ثوري متَّهم بالعصيان يتمُّ القبض عليه من قبل أبناء قومه وتسليمه إلى الحاكم الإمبراطورية، ثائر حكم عليه بالموت وفقًا للقانون الروماني، ثلاث ساعات من ظلام لفَّ جميع أنحاء الأرض، هزَّة أرضية تفتح القبور...، أعداد هائلة من الأشباح الهائمة في جميع أنحاء مدينة القدس، جثَّة مصلوبة تبعث من جديد إلى الحياة، وتظهر على مرأى من حوالي 500 شخص، رجل يبعث من بين الأموات ويصعد بجسده نحو السماء من دون تستر... هكذا أخبرونا، أنَّ جميع هذه الأحداث قد وقعت، لكن من دون أي إشارة لحدوثها في الأدب المعاصر لها[2].
بمعنى آخر، ربما كان المسيح موجودًا، لكن ليس هناك أي توثيق أو دليل كتابي مدوَّن يثبت وقوع جميع هذه الأحداث التي ورد ذكرها في الكتاب المقدَّس.
هناك كاتبان رومانيان تجاهلا وجود المسيح يمكن إدراجهما بشكل خاص. إذ أن كلاً من سينيكا (3ق.م-65 ب.م) وبليني الكبير (23-79 ب.م) وضعا تواريخ تذكارية سُجِّلت فيها جميع الظواهر الطبيعية العظيمة في ذلك الوقت – زلازل، مذنبات، خشوف وكسوف، إلى ما هنالك. كتاب سينيكا التساؤلات الطبيعية يتألف من مجلدين، وعمل بليني التاريخ الطبيعي يتألف من عشرة مجلدات. وكلاهما لا يشيران في عمليهما الضخمين بأي إشارة من أي نوع إلى هذه الأحداث الحياتية للمسيح التي ذكرتها آني بيسانت، وكأنها لم تقع ببساطة. بليني كان مأخوذًا بظاهرة الكسوف والخسوف بشكل خاص حيث أنه ناقش إمكانية حدوث كسوف جزئي عندما قتل قيصر، لكنه لم يذكر شيئًا عن الكسوف الكلي المفترض الذي دام ثلاث ساعات كاملة والذي يفترض أنَّه وقع خلال عملية صلب المسيح بعد ذلك بسبعين عامًا. كيف يمكن حدوث هكذا كسوف عملاق من دون ذكر أية تقارير أو أخبار عنه ضمن عمل بليني الضخم في التاريخ الطبيعي؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر