كتب : عبد الفتاح خطاب
بعد بحث واستقصاء وعمل متواصل لمدة تناهز الثلاثين عاماً، صدر كتاب «التوراة الحجازية.. تاريخ الجزيرة المكنوز» للدكتور محمد منصور، وهو كشفٌ وإنجاز فريد وانقلاب على مفاهيم خاطئة ترسّخت لألفي عام، وعمل رائد وجهد علمي ولغوي وتحليلي واستنباطي مذهل، ليس من السهل استعراضه واختصاره في هذا المقال.
ويُنتظر أن يُثير الكتاب سجالاً وتساؤلات، طرفه من لم يُعط الكتاب حقه من التعمّق والقراءة المتأنّية، وسارع إلى الجدال مستنداً إلى عنوان الكتاب، وما توارد إلى سمعه مبتوراً أو مشوّشاً من الآخرين.
قد يرى بعض المُغرضين ان الكتاب في هدمه للمبدأ الذي تم على أساسه إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين سوف يُسلّط أعين اليهود الصهاينة على أقدس بقاع المسلمين ويساند دعوة بعضهم الى احتلال الكعبة. لكن الكتاب يذهب عبر الاثباتات إلى التفريق بين «بني إسرائيل من ذريّة إبراهيم» و«يهود صهيون» مُدّعي الحقوق المزعومة، ويؤكد الكتاب ان القبلة التي تنبّأ يسوع للسامريّة بالكشف عنها هي البيت الحرام بمكة لا القدس ولا نابلس، كما يؤكد الكتاب ان ذرية إبراهيم واسحق ويعقوب بقيت بأغلبيتها في الأرض المباركة ولم تُغادرها. والخلاصة الأساس أن الصهاينة، يهود اليوم، لا علاقة لهم ببني إسرائيل الحُنفاء ثم الموسويين في التاريخ السحيق، وليس لهم أي أحقية في فلسطين أو أي أرض عربية.
بالاعتماد على وفرة من المصادر والدلائل والاستنتاجات، يستعرض الكتاب مرحلتين: مرحلة بني إسرائيل العرب مع الهيكل الأول في الحجاز، ومرحلة اليهود بغالبيتهم من غير العرب مع الهيكل الثاني في فلسطين.
تبيّن للدكتور منصور أن بني إسرائيل كانوا عرباً حُنفاء ثم مُتّبعين لشريعة موسى (عليه السلام)، وأن نصوص التوراة، وعلى رأسها ألواح موسى، دُوّنت بلغة عربية قديمة هي لهجة قبيلة كنانة الأولى، وهذا كشف يزعزع مبادئ الفكر التوراتي الغربي. كما تبيّن للدكتور منصور، عبر الأدلة، أنّ الجغرافية الصحيحة لأحداث التوراة هي مكّة أمّ القرى وما حولها، منها أنّ مؤرخي مكة القدماء أحصوا أربعين اسماً لها ورد جلّها في التوراة.
ولم يُستعمل تعبير «يهود» إلا بعد السبي البابلي ومحاولة إعادة الهيكل الأول التي لم تنجح، وتحت ضغوطات العدنانيين اضطرت الأكثرية المتمسكة بالأرض للكفر (الردّة) ودخلت في شتى القبائل طلباً للحماية بعد أن باد كيانهم السياسي كما بادت عاد وثمود في الجاهلية، ثم عادوا فأسلموا جميعهم مع محمد (صلى الله عليه وسلم). أما الأقلية التي قبضت على دينها فنزحت إلى فلسطين لتشكّل دولة يهودية دمّرها الرومان فيما بعد.
وقد أجريت فحوص أحماض نووية DNA على يهود اليوم وأشارت نتائجها إلى أن الأشكناز جاءوا من شرق أوروبا والخزر، وجاء السفارديم من بربر شمال إفريقيا. وفيما عدا ذرية الكهنة من السلالة الجينية J1، فإن غالبية يهود اليوم لا ينتمون إلى نسل إبراهيم، وهم يستعمرون أرضاً عربية ويشكّلون نظام فصل عنصري لا يجوز الاعتراف به، ولا يُمكن التطبيع معه.
ناشر الكتاب هي مؤسسة الانتشار العربي ويقع في 312 صفحة من القطع المتوسط. طباعته أنيقة، والغلاف من تصميم الفنانة التشكيلية السعودية خلود القصيبي، وتوطئة الكتاب للكاتب الأكاديمي الفلسطيني الدكتور محمود شريح. ولقد استند الكتاب الى 81 مصدراً ومرجعاً عربياً، و19 مرجعاً أجنبياً، ما عدا اللقاءات والاستقصاءات والزيارات الميدانية.
والمذهل ان الطبعة الأولى شارفت على النفاد بعد مرور ثلاثة أسابيع من بدء توزيع الكتاب، ومعظم الرواج والبيع كان في المملكة العربية السعودية، وقد باشر الناشر التحضير للطبعة الثانية، كما يعمل لإصدار الكتاب بلغات أجنبية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر