الأصوليات الدينية وخطرها على الحريات الحاكمية، حاكمية الله، وهي أجلى مظاهر استثمار الدين في السياسة، بعدما استحضرها الداعية الإسلامي السلفي الباكستاني أبو يعلى المودودي (1903-1979) من أدبيات الخوارج الإعتقادية والسياسية. انبنى هذا المفهوم على الأصل القرآني، “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولائك هم الكافرون” (المائدة 44)، وأتبعه بمفهوم “الجاهلية” للتعبير عن إدانته للمجتمع الذي تسود فيه أنماط عيش لا تتطابق مع أحكام الهداية الإلهية.
في كتابه “المصطلحات الأربعة” قدم المودودي قراءة سلفية لمفاهيم الإله، الرب، العبادة، الدين، فاستعاد بهذه القراءة تعريف كلمة “المسلم” مضفياً عليها مضامين جديدة. هو يرى أن الناس اليوم ولا سيما أغلب الناطقين بالشهادتين، لا يعرفون المعاني والدلالات التي أتى بها القرآن ولا يدركون “الغرض الحقيقي والمغزى الجوهري من دعوة القرآن”، التي تحمل، في منظوره، ربطاً بين مفهومي “الوحدانية” و“الإستخلاف”، معتبراً أن أساس الدولة الإسلامية حاكمية الله الواحد الأحد، والأرض كلها لله وحده، وهو ربّها والمتصرف في شؤونها. فالأمر والحكم والتشريع كلها مختصة بالله وحده، وليس لفرد أو أسرة أو طبقة أو شعب، بل ليس للنوع البشري من سلطة الأمر والتشريع،
ولا مجال في حظيرة الإسلام ودائرة نفوذه إلا لدولة يقوم المرء فيها بوظيفة خليفة الله (المودودي، نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور، دمشق، دار الفكر، 1969، ص77و78)، رافضاً في ضوء ما تقدم، إطلاق وصف الديموقراطية على نظام الدولة الإسلامية، بل يجد أن الوصف المناسب هو الحكومة الإلهية أو الثيوقراطية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر