اليهودية هي جذر الفكر التكفيري الاسلامي

. . ليست هناك تعليقات:

اليهودية هي جذر الفكر التكفيري الاسلامي
أيديولوجيا الفكر التكفيري وعلاقتها بالفكر الصهيوني 

ما هو التكفير؟
التكفير هو رمي الناس بالكفر، أي الحكم بإنكارهم الإيمان بعد بلوغهم رسالته، فهو حكم يطلق على فرد أو جماعة بسبب مخالفتهم الجزئية أو الكلية لما يراه مطلِق الحكم حقائق مطلقة غير قابلة للنقاش تحت وطأة الاتهام بالتكفير. ويهيئ التكفير عادة لانتهاك حقوق المتهمين به، أفراداً وجماعات، وصولاً لقتلهم واستعبادهم واستباحة أعراضهم وبيوتهم وأملاكهم وأموالهم.
الحكم بالكفر مسألة خلافية بشدة في الفقه الإسلامي لا يوجد إجماع على تعريفها أو طرق التعامل معها، فثمة من يسارع لتكفير المخالف في الرأي بشكل اعتباطي، وثمة من لا يرى قتال الكافر غير المحارب، وثمة من لا يرى قتال الكافر أصلاً، وثمة من يرى قتاله، وثمة من يصر أن من تصله الدعوة الإسلامية بطريقة مشوهة ومنفرة لا يعتبر مبلغاً بها، وبالتالي لا يجوز الحكم بكفره، وثمة من يعتبر أن الدعوة واضحة ومن تصله ويرفضها يعتبر كافراً.
هنا ينقسم الحكم بالتكفير إلى نوعين: تكفير غير المسلم ابتداء من الذي بلغته الدعوة الإسلامية فلم يشهر إسلامه، وتكفير المسلم الذي يعتبر مرتداً. وهنا ندخل من جديد في مسألة خلافية أخرى هي متى يصح الحكم بالردة، فالتشدد المفرط والغلو يقودان لتكفير من يعتبر مخالفاً لأحد أحكام الشرع، وثمة من يعتبر أن المرتد هو فقط من يعلن الارتداد عن الإسلام جملة وتفصيلاً.
أما التكفيري المعاصر فيسمى تكفيرياً لأن غلوه وإفراطه يقودانه إلى المسارعة لتكفير كل من لا يوافقه في أي جزئية فقهية يعتنقها، وإلى المسارعة لاستباحة دماء المخالف وأهله وماله، وقد تفاقمت ظاهرة التكفير في وطننا العربي في السنوات الفائتة بطريقة أسية مخلفة وراءها أنهاراً من الدماء والدمار والأشلاء.
العناصر الثلاثة لظاهرة التكفير
تتضمن ظاهرة التكفير الديني ثلاثة عناصر رئيسية:
1- إطلاق حكم مبرم بخروج المحكوم عليه بالكفر من “الدين الصحيح”، وبالتالي من رحمة الله، وبالتالي من رحمة المؤمنين” المتمسكين بـ “الدين الصحيح” كما يعرفه مطلقو الحكم بالتكفير.
2- إعطاء المتمسكين بـ “الدين الصحيحرخصة لاستباحة من وقع عليه حكم التكفير، فرداً أو جماعة، والتجاوز الحر على حياته ودمه وحقوقه وعائلته وأملاكه وأماكن سكناه وعبادته.
3- انتحال صفة القاضي الأعلى الذي يملك حق إصدار حكم التكفير مع/ أو من دون صفة دينية رسمية، ومع/ أو من دون الاستناد لنص شرعي، بحسب الحالة.
ثمة ثلاثة أحكام ضرورية للتكفير الديني، إذن، وهي:
الحكم على الآخر بعدم الإيمان.
الحكم عليه بعقوبة الاستباحة الشاملة.
3- الحكم على الذات بالأهلية لإطلاق الحكمين السابقين.
وقد يقع خلاف بين المدارس الفقهية المختلفة هنا حول الحالات التي يجوز فيها إطلاق حكم التكفير وطبيعة العقوبة والجهة المخولة بإطلاقه. فهل يكون مثلاً لمخالفة ثابت ديني واضح جهاراً نهاراً بالقول والعمل، أم أنه يكون لمخالفة تأويل ديني مغال غير مجمع عليه؟ وهل تجيز استباحة الكافر التفنن الإبداعي في ممارسة القتل والتعذيب والانتهاك، أم أنها يجب أن تقتصر على عقوبات محددة مسبقاً؟ وهل يفترض بمن يطلق حكم التكفير أن يكون مرجعية دينية معترفاً بها، أم أن من حق أي مؤمن بـ ” الدين الصحيح”، يرى في نفسه الأهلية اللازمة، أن يطلق حكم التكفير بحسب قناعاته الشرعية المخلصة وأن ينفذه؟
إذن قد تضيق الحالات التي يقع فيها حكم التكفير وقد تتسع، وقد يغالي المكفّرون في استباحة من يعتبرونه كافراً، وصولاً للاستعباد والإبادة الجماعية، وقد “يرحمونهم” بالاقتصار على ممارسة التمييز ضدهم كمواطني درجة ثانية، وقد ينفلت حبل الأحكام التكفيرية على الغارب ليطلقه من هب ودب، وقد ينضبط لنخبة ثيوقراطية تزيد أو تقل تشدداً، وهي اختلافات مهمة جداً بالطبع لمن يحتمل أن يتعرضوا للاستباحة جراء حكم بتكفيرهم، غير أنها تبقى اختلافات في الدرجة لا في النوع، لأن الجوهر يبقى وجود “دين صحيح” يحق لأصحابه “شرعياً” أن ينفلتوا من أي ضابط أخلاقي في التعامل مع من يخالفه، بحسب قواعد قد تضيق أو تتسع، وهو ما لا يغير من التكفير، بالمجرد، كثيراً.
ابن تيمية مثلاً عرّف التكفير بأنه “عدم الإيمان.. سواء اعتقد (المرء) نقيضه وتكلم به، أو لم يعتقد شيئاً ولم يتكلم.. وسواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب، بل شك وريب، أو إعراض عن هذا كله حسداً أو كبراً أو اتباعاً لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة” (من كتابه “مجموع الفتاوى”). إذن يقع الكفر عند ابن تيمية لو لم يعتقد المرء شيئاً ولم يتكلم، ولو لم يكن يكذب الدين، بل خالطه شيء من الشك والريب فحسب!
وهو تضييق مفرط لشروط التكفير لربما أدى به للحكم على الإمام أبو حامد الغزالي، الذي مر بمراحل صعبة من الشك والريبة، بالكفر، لو التقى به قبل أن يصل الغزالي لتكفير الفلاسفة (مع أنه ولد بعده بمئتي سنة!). رغم هذا، لم يعتبر ابن تيمية من يتأول فيخطئ كافراً، ولا اعتبر الجاهل كافراً حتى يوضَّح له جهله ويصر عليه، ودعا إلى عدم المسارعة للتكفير وإلى مراعاة الأحكام الشرعية، حتى لو خفض سقف التكفير إلى الشك والريبة ولو دون كلام، ولربما اعتبرته داعش، لو جاء اليوم، كافراً، على تهاونه وتفريطه بالأمر هكذا!

جذور التكفير المعاصر
التكفير ليس منتجاً إسلاموياً بمقدار ما يبدو لنا اليوم. فالظاهرة التكفيرية كنص وضعت أحكامها ابتداء في التوراة والتلمود، والتلمود طبعاً هو تفاسير التوراة التي وضعها الحاخامات، وستكون لنا عودة لهذه النقطة أدناه. أما الممارسات التكفيرية واسعة النطاق فهي ظاهرة مسيحية غربية من القرون الوسطى، بمقدار ما لا يبدو ذلك واضحاً اليوم. وقد كان المسيحيون الشرقيون بعض ضحاياها على مدى قرون، بالإضافة للمسلمين وشعوب أفريقيا وسكان القارة الأمريكية الأصليين. وكان من ذلك مثلاً، عدا حملات الفرنجة:
1- محاكم التفتيش الكاثوليكية التي نشطت في القرون الوسطى بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر بحثاً عمن اعتبرتهم مهرطقين ومرتدين ومنافقين، وقد تفننت في استخدام وسائل التعذيب الوحشي، ومن ذلك بتر الأوصال وحرق البشر أحياء وسحق العظام بالآلات. ومن هؤلاء المصلح التشيكي يان هوس الذي احتج على بيع “صكوك الغفران” فتم حرقه علناً عام 1415 ميلادية، ومنهم العالم الإيطالي جيوردانو برونو الذي قطع لسانه وأحرق حياً عام 1600 بتهمة الادعاء أن الأرض كروية وأنها تدور حول الشمس!
2- الحملات الصليبية ضد المسيحيين الأرثوذكس في القسطنطينية وفي بلاد الشام، ويقول العالم الفرنسي غوستاف لوبون أن الفرنجة حين دخلوا القدس ذبحوا سكانها المسلمين واليهود و”خوارج النصارى” وكان ذلك بتقطيع الأوصال والرؤوس، وقد بلغ عدد ضحايا تلك المجزرة المروعة حوالي عشرة آلاف!
 3- حروب الاستئصال الديني التي شنتها الكنيسة الكاثوليكية ضد حركة الإصلاح البروتستاني في أوروبا الغربية في القرنين الخامس والسادس عشر وأدت لإزهاق أرواح الملايين
4- حملات التبشير في أمريكا الجنوبية من قبل الإسبان والبرتغاليين التي قضت على حضارات وشعوب بأكملها.
5- محاكم التفتيش الإسبانية التي أشرفت على استئصال مئات آلاف المسلمين بعد سقوط غرناطة في الأندلس وإجبارهم على اعتناق المسيحية بطرق وحشية.
تستمد الظاهرة التكفيرية العربية الإسلامية المعاصرة جانباً أساسياً من “وعيها” إذن من ثقافة القرون الوسطى الأوروبية، فهي تشبه إلى حد مثير للريبة إسقاطاً لمختبرات الاستشراق علينا، كأنها فيروس أوروبي تم حقنه في عروقنا لإعادتنا إلى عصور الظلام، بعد أن تخطتها أوروبا بالنهضة القومية. فالتكفير، كما تمت الإشارة في مادة سابقة بعنوان “في التكفير ومواجهته”، هو اليوم جزء موضوعي من مشروع تفكيك البلدان العربية بصفته ظاهرة معلومة اليوم مناهضة لكل شكل من أشكال الظنية والقومية، وتخوض حربا شعواء ضد الجيش الوطني والدولة الوطنية حيثما وجدت، وبغض النظر عن سياسيات تلك الدول تقريبا، أي حتى لو كانت تابعة للغرب، وقد أشرت في المادة نفسها لاريب في أن الحركات التكفيرية والظلامية المعاصرة زرعت بذورها الأولى في العصر الحديث مع محاولات الاستعمار البريطاني احتواء حركات التحرر الهندية ثم المصرية، وهو ما يوثق له مثلا روبرت درايفوس في كتابة (“لعبة الشيطان: كيف اطلقت الولايات المتحدة الإسلام الأصولي”) الصادر عام 2006. وكانت الولايات المتحدة منذ الحرب الباردة قد جعلت من بعض الإسلام السياسي جزءا من استراتيجيتها احتواء كل من الاتحاد السوفيتي من جهة وحركات التحرر والنهوض القومي في العالم الثالث من جهة أخرى”. وكل هذا يعطينا خلفية استراتيجية للمصلحة الامبريالية في حقن الجسد العربي بالفيروس التكفيري كنقيض موضوعي للفكر القومي النهضوي، مع أن الدعم الامبريالي الخارجي لها ليس العامل الوحيد في نشوئها وارتقائها، كما سنرى لاحقا.
الجذور اليهودية للفكر التكفيري
من محمد ابو خضير، إلى علي الدوابشة، إلى حرق المساجد والكنائس الفلسطينية، يمثل الحرق إذا قام به اليهودي صيغة رمزية لتطهير الدنس والرذيلة عنده، وتحويله إلى أضحية للرب، ونلاحظ هنا وجه شبه عجيب بين الفكر التكفيري والفكر الصهيوني، حتى أن الأمر بالتحريق منصوص عليه في التوراة: “فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف وتحرمها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف. تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك فتكون تلاً إلى الأبد لا تبنى بعد” (تثنية 13:15-17).
تتحقق في التوراة والتلمود الصيغة الأولية لأحكام التكفير من خلال عناصرها الأساسية الثلاث:
1) اعتبار غير اليهود أميين أو أغياراً كفرة.
2) إعفاء اليهود من أي ضوابط اخلاقية في التعامل معهم.
3) منح الذات اليهودية حق إطلاق حكم التفكير على الأغيار وحق ممارسة التجاوزات بحقهم بسند شرعي يهودي تحول إلى ثقافة استعلاء واستذءاب.
يتجلى ذلك في علاقة خاصة مع الله عز وجل، بحسب زعمهم، تجعلهم مؤمنين، وتجعل غيرهم كفرة بحق الولادة، وليس بحق الإيمان بالضرورة، كما جاء في سفر اللاويين (الاصحاح 20): “وقد أفرزتكم من بين الشعوب لتكونوا خاصتي”. وفي فكرة “مخالفة الكفار” والتجاوز عليهم وعلى أرضهم جاء في السفر نفسه: “لاتمارسوا عادات الأمم التي سأطردها من أمامكم، لأنها ارتكبت كل هذه القبائح، فكرهتها… ووعدتكم أن ترثوا ديارها. وأنا أهبكم إياها لتمتلكوها، أرضاً تفيض لبناً وعسلاً. فأنا الرب إلهكم، ميزتكم عن بقية الشعوب”، وفي الاصحاح نفسه نجد وفرة من أحكام القتل على تجاوزات أخلاقية مختلفة إذا مارسها يهود.
كذلك جاء في التلمود :”إذا ضرب غير اليهودي يهودياً فكأنه ضرب العزة الإلهية… إذا ضرب أمي اسرائلياً فالأمي يستحق الموت (سنهدرين ص 2 و58). وجاء في تلمود القدس (ص94) أن النطفة التي خلق منها غير اليهود هي نطفة حيوان، فمفهوم “نجاسة” الأغيار هو مفهوم تلمودي بالأساس. “لأن أرواح غير اليهود هي أرواح شيطانية شبيهة بأرواح الحيوان” (ص43 من كتاب “الكنز المرصود في قواعد التلمود”). ونلاحظ هنا مدى التشابه بين الفكر اليهودي والفكر التكفيري في التعامل مع الخارجين عن الدين الصحيح” كأنهم من غير البشر، واقتصار مفهوم البشر على أصحاب “الفرقة الناجية”، وهي عند اليهود من يولد لأم يهودية أو يؤمن بالعقيدة اليهودية، وينسحب مفهوم النجاسة وفقدان الصفة الإنسانية في التلمود على اليهودي المرتد الذي يقرر الحاخامات أنه خرج من الملة، فيعتبرون مثل هؤلاء خنازير نجسة، كذلك يعتبرون أن غير اليهود هم حيوانات خلقت لخدمة اليهود، إنما خلقهم الله على هيئة البشر ليكونوا لائقين لخدمة اليهود الذين خلقوا لأجلهم، أما الحكم على المرتد بالرجم والصلب، فهم حكم يهودي بالأساس… وكان مما جاء في التلمود:
من حق اليهودي أن يقتل بيديه غير المؤمنين، لأن الذي يهرق دماء غير المؤمنين يقدم قربانا الله.
أقتل الصالحين من غير اليهود.
أفلا يشبه هذا القتل والتمثيل غير المقيدين ما تمارسه القوى التكفيرية اليوم بحق من تعتبرهم كفاراً؟!
وجاء في سفر ميخا (4:13) في التوراة: “قومي ودوسي يا بنت صهيون، لأني أجعل قرنك حديداً، وأظلافك أجعلها نحاساً، فتسحقين شعوباً كثيرين، وأحرم غنيمتهم للرب، وثروتهم لسيد كل الأرض”. أليست هذه هي نفسها فلسفة داعش في التعامل مع أهل المناطق التي يدخلونها؟!
وفي سفر التثنية جاء: “1 متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي انت داخل اليها لتمتلكها، وطرد شعوباً كثيرة من أمامك: الحثًيين والجرجاشيّين والأموريّين والكنعانيّين والفرزيّين والحوّيّين واليبوسيّين، سبع شعوب أكثر وأعظم منك، 2 ودفعهم الرب إلهك أمامك، وضربتهم، فإنك تحرمهم. لاتقطع لهم عهداً، ولا تشفق عليهم”. ولو استبدلنا أسماء الجماعات الكنعانية الواردة في التوراة بأسماء الجماعات الطائفية في العراق وسورية، فإننا نجد أنفسنا ازاء ممارسات تكفيرية مستندة إلى التوراة، لا إلى أعلام التكفير مثل ابن حنبل والغزالي وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب فحسب.
إذن، نرى بوضوح أننا إزاء ثقافة تكفير واستباحة للآخر كعقيدة، لا ازاء مجموعة تجاوزات فردية مثلا، وأن هذه الثقافة التوراتية والتلمودية هي المصدر الأساسي للفكر والممارسات التكفيرية في الغرب والشرق، وفي الماضي والحاضر، بما تمثله من شرعنة لامتهان المخالفين من دون أي ضوابط، وفي هذا نجد نقاط التقاطع بين الفكر الصهيوني والفكر التكفيري على مستوى عقائدي، حتى دون النظر في نقاط التقاطع السياسية الراهنة، مثل الإسهام في مشروع التفكيك وتلقي الدعم من الصهيوني عير جبهة الجولان، فهذا الفكر أقرب لـ “الإسرائيليات” منه للإسلام. فالتكفيريون يطلقون حكم التكفير على كل الطوائف الدينية الأخرى، المسلمة وغير المسلمة، ويتعالون عليها، ويمنحون أنفسهم حق استباحتها فرادى وجماعات، ويفعلون ذلك من دون صفة دينية رسمية استناداً لما يعتقدون أنه شرعي، وإلى هنا تنطبق عليهم القواسم المشتركة مع بقية التكفيريين عبر تاريخ الأديان، غير أنهم في كل ذلك لا يمثلون أكثر من فرع في شجرة جاءت بذرتها من التوراة والتلمود، حتى لو وجدت خصوصيات تميز التكفير العربي الإسلامي في القرن الواحد والعشرين عما سواه.
عن الصهيونية واليهودية: أحكام علاقة اليهود بالأغيار
لم يكن ارتداد اليهود، ابتداء من القرن التاسع عشر، وبعيداً عن حركة التنوير اليهودية (الهاسكالاة) الداعية لاندماج اليهود على قدم المساواة في الشعوب التي يعيشون بينها، ليأتي بالصورة الصهيونية العنصرية والاستعمارية التي جاء عليها، لو لم تكن ثمة عناصر أصلية في الديانة اليهودية نفسها تدعمه وتقدم له إمكانيات النجاح.
ورب معترض هنا بأن تحميل اليهودية مسؤولية شطط” الصهيونية لا يصح منهجياً إلا بمقدار ما يتحمل أي دين أو عقيدة مسؤولية الشطط الذي تحدثه جماعة من اتباعها، لكن اليهودية ليست كباقي الأديان والعقائد المعروف،ة لأن العنصرية والاستعمار لا يمثلان انحرافاً عنها بقدر ما يمثلان التأويل الأساسي، وإن لم يكن الوحيد، لها.
وقد ترجم الكاتب إسرائيل شاحاك نصوصاً عبرية قديمة من التلمود، حول الكيفية التي يجب أن تدار بها علاقة اليهود بغيرهم، لا يمكن أن تجد لها مثيلاً في أي ديانة أو عقيدة أخرى. وقد نشر تلك النصوص في كتابه المعروف “التاريخ اليهودي، الديانة اليهودية، وطأة ثلاثة آلاف عام”.
ولننتبه أن كل هذه الأحكام مقيدة بشرط مهم هو أن ممارستها من قبل اليهودي يجب أن تراعي عدم عودتها بالضرر على أي يهودي آخر على سبيل الانتقام أو غيره.
ومنها مثلاً: على اليهودي أن يلعن عند المرور بمقابر غير يهودية، وأن يترحم عندما يمر بمقابر يهودية. وعليه ألا يسعف جرحى أو مرضى الأغيار، أو الغريق أو الواقع في حفرة منهم، إلا إذا عاد ذلك بالانتقام على يهود.
بحسب منظومة الأحكام اليهودية الكلاسيكية المعروفة فإن قتل المدنيين من الأغيار عن سابق قصد وتصميم في الحرب ضرورة لا مفر منها يتعرض اليهودي الذي لا يراعيها لغضب الرب، وهو ما لا نستطيع أن نفصله عن الممارسات الصهيونية في فلسطين. أما في حالة الحرب، فإن اليهودي الذي يقتل غير يهودي بتعمد، فإنه يعتبر مذنباً أمام الله ولكن ليس أمام القانون. فإذا قتل اليهودي غير اليهودي بطريق الخطأ، فإنه لا يعتبر مذنباً لا أمام الله ولا أمام القانون.
ومن امتيازات اليهودي على الأغيار في هذه الشرائع حقه في تضليلهم في السياسة والتجارة والعلاقات الشخصية. مثلاً، تمنع السرقة على اليهودي بتاتاً، ولكن من حقه أن يمارسها في التجارة مع غير اليهود بشكل غير مباشر إذا كانت تتضمن “تشغيل عقل”. وكذلك يسمح بالنصب، ويسمح بالسطو العنيف على الأغيار إذا كانوا تحت حكم اليهود، وهو الأمر الذي يقلل من احتمالات الانتقام من يهودي آخر. وكذلك يحق لليهودي أن يأخذ أو أن لا يأخذ الربا من يهودي آخر، ولكنه ملزم بأخذ الربا من غير اليهودي إلا بمصلحة، حيث أن الهاكالاة تحظر الهدايا لغير اليهودي دون مقابل!
وهناك كثير غير ذلك ينسج على نفس المنوال مما ترجمه إسرائيل شاحاك. ولكن د. عبد الوهاب المسيري يعترض على تعميم هذه القوانين التشريعية اليهودية على كل اليهود باعتبار الذين أسسوا دولة إسرائيل” من العلمانيين والملحدين الذين لا يعترفون بهذه الأحكام بالضرورة. ولكن هذه الرؤية تتجاهل حقيقة أن اليهودية، مثل أي دين، ليست مجموعة من الشعائر والأحكام فحسب، بل ثقافة يتشرب أبناؤها الكثير من قيمها ومفاهيمها منذ الصغر.
وتتميز اليهودية عن غيرها من الأديان بالكثير من التعاليم العنصرية المتعالية إزاء غير اليهود – كما وثقنا اعتماداً على كتاب إسرائيل شاحاك. واليهودية تتميز عن غيرها بفكرة “أرض الميعاد” أي احتلال فلسطين، وفكرة “شعب الله المختار” أي العنصرية. وهذا هو تراثهم الثقافي الذي هيأهم للدور الذي يلعبونه لمصلحة الإمبريالية، أي الذي هيأهم ليكونوا صهيونيين. ومن ابتعد عن ذلك التراث ليس يهودياً ببساطة، وليست لدينا مشكلة معه مادام خارج فلسطين، ولا نعاديه لمجرد أنه من أم يهودية.
فالحقيقة تبقى أن الذين أتوا من خلف البحار لاغتصاب فلسطين هم اليهود، وليس الصينيون أو الهنود الحمر أو قبائل الزولو الأفريقية أو سكان آيسلندا. هؤلاء اليهود الذين قدموا لبلادنا من مشارق الأرض ومغاربها لم يأتوا مهاجرين مسالمين كما يهاجر أي إنسان إلى أي مكان، بل أتوا غزاة محتلين بالرغم منا. وهؤلاء اليهود الغزاة، وليس غيرهم، هم الذين اقتلعونا من أرضنا ومارسوا ضدنا أبشع الجرائم، ورمونا بعدها بأقذع الصفات عبر وسائل الإعلام المسيطر عليها. فعلام نخدع أنفسنا بعدها في التفريق ما بين غاز يهودي وغاز صهيوني على أرض فلسطين؟! أليس كل يهودي على أرض فلسطين، بغض النظر عن رغباته “اليسارية” أو الإنسانية، جزءاً موضوعياً من المشروع الصهيوني، وبالتالي عدواً؟!
ورب قائل أن هؤلاء اليهود الغزاة لم يأتوا وحدهم، بل استقدمتهم الدول الإمبريالية مثل بريطانيا ليصبحوا قاعدة لها في بلادنا. ولا شك أن هذا ثابت تاريخياً. ولا نقول أن الإمبرالية بريئة، ونعرف أنها عدوة للأمة، مع اليهود أو بدونهم، وأن تأسيس قاعدة للإمبريالية في فلسطين جاء في بريطانيا بالتحديد على خلفية مشروع منع قيام الوحدة العربية بعد محمد علي باشا، فكان لابد من “حاجز بشري غريب”، كما أسماه الساسة البريطانيون، لفصل المشرق العربي عن مغربه، ولمنع الوحدة العربية. ومازالت الإمبريالية عدوة لأمتنا بسبب مخططاتها للسيطرة على بلادنا، ولسنا من الذين يضللون أنفسنا بالقول إن الدول الغربية بريئة لولا سيطرة اليهود عليها. فهذا ليس إلا الوجه الآخر لنفس الوهم الذي يزعم أن اليهود أبرياء لولا سيطرة الإمبريالية عليهم.
فهناك سبب يجعل اليهود قابلين لاستخدامهم من قبل الإمبريالية، لأن ثمة تراث ثقافي محدد هيأ اليهود بالذات لهذا الدور. فاليهودية ليست عرقاً حتى نكون عنصريين إذا عاديناها، وهي ليست قومية حتى نكون متعصبين قوميا إذا نددنا بها. اليهودية هي عقلية التقوقع والانعزال التي ابتلت بها مجموعات من عدة أعراق وقوميات بسبب اعتناق اليهودية، فنشأت عندها عقلية الغيتو الرافض للاندماج بالشعوب التي عاشت بين ظهرانيها، وتقول كتب التاريخ إن الحاخامات كانوا يطلبون من بعض أمراء القرون الوسطى في أوروبا الغربية فرض الغرامات على اليهود الذين يعملون يوم السبت حتى لا ينسى هؤلاء أنهم يهود. وفي بعض الحالات كان اليهودي الذي يجرؤ على انتهاك تعاليم الحاخامات يتعرض للضرب أو للقتل..
التكفير كصيرورة وخصوصية التكفير العربي- الإسلامي المعاصر
حيث تجد الأخوان المسلمين تجد القاعدة، ومن ثم تجد داعش، فكل واحد من تلك التنظيمات يشكل هيولى سابقة للصورة اللاحقة، بالتعبير الأرسطي، أي أن شروط الارتقاء باتجاه صيغة أنقى من الدين، بحسب الباحثين أبداً عن مثل الجوهر، هي نفسها شروط النكوص الدنيوي خارج التاريخ. وكلما تطلب الارتقاء التكفيري القيام بعملية فك ارتباط أكثر عمقا مع كل المفاهيم المعاصرة، مثل الوطنية والمواطنة وحقوقها، كلما اصطدم اللاحقون مع السابقين، داعش مع القاعدة والقاعدة مع الأخوان، لأن الأكثر نقاء في التكفير يؤمنون بكل جدية أنهم وجدوا طريقاً للإيمان الصافي أكثر تجرداً من شروط العمل السياسي المعاصر، أي أقل ارتباطاً بالواقع المدني وموازين القوى المحلية والإقليمية والدولية، وبالتالي يعتبرون أنفسهم أكثر صفاء، وغيرهم من الإسلاميين أكثر تلوثاً وشركاً لا يمكن تطهيره إلا بالدم والنار.
هي معادلة الإيمان التكفيري التي يصعب أن يدرك من لا يمسك بها لماذا يسارع الدواعش، بكل طيب خاطر، لتفجير أنفسهم في عناصر النصرة في إدلب، أو لماذا يستهدف عناصر النصرة جيش الإسلام في ريف دمشق، وكلاهما يستهدف عناصر “الجيش الحر” في كل مكان، الذين يصبحون هنا قوى علمانية” كافرة لأنهم يتقصمون خطاباً إعلامياً يزعم القبول بفكرة سورية ديموقراطية تعددية لإرضاء مموليهم وداعميهم الغربيين أي لـ “عجز” الأخيرين عن فك ارتباطهم مع شروط العمل السياسي والميداني في الواقع الملموس. ولا يهم هنا إن أكد السابقون للاحقين أنهم يريدون “دولة إيمان نقية” مثلهم، إنما يمارسون “التدرج” في العمل، أو أن خطابهم الإعلامي لا يعبر حقاً عما في دواخلهم، لأن التلوث المتمثل بالتعاطي تحت سقف شروط الواقع المعاصر، ما دام قد وقع، ولو جزئياً، فإنه يمثل بالضرورة “شركاً بالله”، و”تحريفاًللدين الصحيح، وحالة اختراق خبيثة بـ”غطاء إسلامي” لا بد من التصدي لها!
ليست العبرة هنا بتنظير التكفير فلسفياً بمقدار ما هي محاولة للإمساك بالجذر الأول لميكانيزم التكفير نفسه، أي النزوع نحو ما يعتبره الكائن التكفيري “نقاءً إيمانياً أعلى”، وبغض النظر عن صيرورة “ارتقاء” مثل تلك النزعة، وانحدارها الفعلي من أبي الأعلى المودودي إلى سيد قطب إلى تكفيريي القرن الواحد والعشرين، وجذورها الأصلية من الخوارج إلى ابن تيمية إلى محمد بن عبد الوهاب، فهي صيرورة عنكبوت الأرملة السوداء” على جسد الأب الذي تشله الأم بالسم بعد القيام بعملية التلاقح، وعليه لو جاء ابن تيمية اليوم، الذي حرم صلاة النساء في المساجد خلف الرجال مثلاً بعد أن أباحها رسول الله علي الصلاة والسلام، فستجد من يحاربه من الداعين إليه، ولعلهم يصلبونه بعد بتر يده وقدمه من خلاف بتهمة الحرابة”.
ليست النزعة التكفيرية الصرف، التي يحركها قلق البحث عن ايمان أكثر نقاءً، والاستعداد لممارسة القتل الجماعي والعشوائي من أجله، مقتصرة على الإسلاميين بالمناسبة، وقد وجدت عند المسيحيين بقوة في القرون الوسطى في أوروبا، كما سبق، ووجدت عند بول بوت في كمبوديا في السبعينيات تحت عنوان يساري متطرف، لكنها لم تصل يوماً إلى ما وصلت إليه من اتساع وتناسخ وقوة دفع داخلية كما وصلت عند التكفيريين الإسلاميين المعاصرين. فلكل حالة تكفير ظروفها وسياقها، أما التكفير العربي الإسلامي المعاصر، فقد اكتسب زخماً داخلياً وقوة تجدد ذاتية خاصة به، وهو ما يميزه عن غيره أكثر من دمويته والتفنن في وسائل القتل.
التكفير العربي الإسلامي المعاصر جاء متميزاً في دوافعه، وفي لحظته التاريخية. فهو، أولاً، رد الفعل المكثف على مشروع النهضة العربية، منذ الغزالي في العصر العباسي، إلى الوهابية في مواجهة محمد علي باشا، ثم الثورة العربية الكبرى، إلى الأخوان المسلمين في مواجهة حركات التحرر الوطني العربية الحديثة، إلى بؤرة التكفير في أفغانستان في مواجهة الاتحاد السوفيتي. أي أن التكفير في ظروف بلادنا هو أيديولوجيا القوى الإقطاعية وما قبل الإقطاعية المتضررة من مشاريع النهضة القومية، ويظهر هذا الحقد الدفين بجلاء اليوم في ما يقوم به البترودولار التكفيري من سعي لتدمير كل دولة عربية وجد فيها يوماً مشروعٌ نهضوي تحرري، من العراق لسورية لليمن لمصر لليبيا للجزائر، بغض النظر عن ملاحظاتنا، نحن من الموقع النهضوي القومي، على أي من تلك التجارب.
التكفير العربي الإسلامي المعاصر، ثانياً، استفاد من كل المنتجات المعاصرة التي يستطيع الوصول إليها، من تكنولوجيا الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي، إلى تكنولوجيا الأسلحة الحديثة، إلى الدولار واليورو، إلى السيارات والمعدات وغيرها، ولم يجد في ذلك ما يخالف نقاءه” التكفيري بتاتا، لا بل إنك تجد من يبرر “الاستعانة بالكفار على الكفار”، التعاون مع برنار هنري ليفي وحلف الناتو نموذجا، فالمهم هو “نقاء الخطاب والسريرة”، وبهذا المعنى فإن الإسلامي الذي يستعد للعمل تحت سقف الدولة الوطنية، أو يعلن قبوله بفكرة التداول والتعددية، ولو لم يؤمن بها حقاً، يصبح “مشركاً” أو “كافراً” يعمل بـ “غير ما أنزل الله” في نظر الإسلامي الذي يتبنى قناعات تكفيرية “أنقى” لكن يتعاون مع قوى الهيمنة الخارجية أو يستخدم منتجات الغرب الكافرة المعاصرة!
التكفير العربي الإسلامي المعاصر، إذن، جاء أكثر حدة، وأكثر قدرة على تجديد نفسه ذاتياً، لأنه ردة الفعل التاريخية المعاكسة لمشروع النهضة القومية. وقد احتضنته قوى الهيمنة الخارجية وغذته، ولو ارتد عليها أحياناً، كجزء من طبيعته الأصلية. وهو تكفير استفاد من منتجات الغرب المعاصرة بشدة رغم رجعية أيديولوجيته. وباختصار، التكفير هو الوجه الآخر لعجزنا عن إعادة إنتاج مشروع النهضة القومية، وإقامة مملكة العقل والمواطنة. إنه مرآة فشلنا ومشروع النهضة معكوساً، فهو يتجدد لأن النهضة تذوي، ويخبو  بمقدار ما ننهض، فهو النقيض الجدلي لصيرورة النهضة، أي الصيرورة المعاكسة للتاريخ كأيديولوجيا.
باختصار، كما جاء التكفير الأوروبي تعبيراً عن عصور الظلام الإقطاعية في القرون الوسطى يجيء التكفير العربي- الإسلامي المعاصر ردةً مدعومة من الخارج على مشروع النهضة القومية في الوطن العربي
الظاهرة التكفيرية أيديولوجياً: مساجلة مع التفسير الليبرالي للظاهرة
يشيع هراء أجوف في أعمدة بعض الكتاب ممن يزعمون أن الظاهرة التكفيرية في الدول العربية نتجت بالأساس عن الديكتاتورية والفساد والاستبداد وتهميش المواطن ومصادرة حقوقه الأساسية. والنتيجة المنطقية لهذه المقولة تصبح، بالطبع، أن تبني الديموقراطية والانتخابات وحقوق الإنسان واستقلال القضاء ورقابة السلطة التشريعية على التنفيذية كفيل بإزالة ذلك التهميش السياسي والاجتماعي الذي يدفع المواطن للغلو والتطرف، وأن الإصلاح الساسي والدستوري هو الأقدر على تجفيف منابع التكفير والإرهاب!
وينسجم مثل هذا التفسير المسطح للظاهرة التكفيرية، بالطبع، مع مفاهيم التيار الليبرالي المستندة إلى أولوية الحرية الفردية” في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية لتصل تلك الرؤيا الليبرالية المطبقة بتعسف على ظروف حياتنا العربية المعاصرة إلى أن تقييد الحريات، خاصة حريات الأفراد السياسية، والتغول على حياة المواطن وحقوقه وأملاكه (وليس بالضرورة حياة الوطن وسيادته وثرواته)، هو البيئة الخصبة التي تزهر فيها نبتة التكفير والتطرف الديني. ويسوق أصحاب تلك النظرة مثال إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية في الجزائر، عام 1992، والتي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، مما فتح الباب على مصراعيه أمام صراع دموي بين الجيش وأجنحة من التيار الإسلامي ازدادت تطرفاً وتكفيراً مع الوقت، ويسوقون أيضاً مثال “الانقلاب” على الرئيس الأخواني المنتخب في مصر، محمد مرسي، في 30 حزيران و3 تموز 2013، وموجة الإرهاب التكفيري التي تلته، كـ “دليلين” على ما يذهبون إليه من ربط بين الإرهاب التكفيري ومصادرة الديمقراطية”، وتصبح التتمة الطبيعية لهذا المنطق بالطبع أن الإرهاب التكفيري في سورية هو النتاج الموضوعي، حسب رأيهم، لـ “الاستبداد والديكتاتورية” على مدى عقود!
الطريف سياسياً في هذه الرؤيا أنها تنتهي لتبرير، أو حتى لتبني، مواقف أطراف دموية وهمجية أقل ديمقراطية وانفتاحاً وتنوراً واستعداداً لـ “تقبل الآخر الليبرالي” بكثير من “الدكتاتورية والاستبداد” اللذين يفترض، حسب المنطق الليبرالي، أنهما استفزا ظاهرة التطرف الدموي والتكفير إلى حيز الوجود! فالليبرالي الذي يدافع عن تكفيري في مواجهة “الديكتاتورية والاستبداد” المزعومين متناقض مع نفسه بمقدار ما تتخطى دكتاتورية التكفير الحيز السياسي إلى الحيز الشخصي والاجتماعي والثقافي مقارنة بأي نظام سياسي ديكتاتوري حقاً، مع التحفظ الشديد على اعتبار انتفاضة 30 يونيو الشعبية في مصر “انقلاباً”، واعتبار العشرية السوداء في الجزائر، أو ما يجري في سورية اليوم، “نضالاً من أجل الديمقراطية”! لكن موضوعنا ليس سياسياً هنا بمقدار ما هو محاولة لفهم الظاهرة التكفيرية نظرياً، ولنبدأ أولاً بوضع الفرضية الليبرالية السائدة على المشرحة: هل هناك علاقة طردية حقاً بين الدكتاتورية والاستبداد من جهة، وبين نشوء وارتقاء الظاهرة التكفيرية في الوطن العربي من جهة أخرى؟
يستند التكفير في خطابه لمنطلقات دينية فقهية من القرون الوسطى بالأساس، أما الدكتاتورية والاستبداد فيمثلان ظاهرة سياسية أساساً من نتاج الدولة الحديثة، على الأقل من الزاوية التي يتناولها الليبراليون من خلالها. ولا يتبنى التكفيريون نموذجاً سياسياً مناهضاً للدكتاتورية يقوم على تعميم الحريات السياسية مثلاً أو غير السياسية، بل على اعتراض متعصب على الحداثة، لا على الدكتاتورية والاستبداد، فمشكلة التكفيري مع الدولة الحديثة سواء أكانت دكتاتورية أم ديمقراطية، وليس من الواضح تماماً كيف يربط الليبراليون بين انتهاك حقوق المواطن أو مصادرة العملية السياسية من جهة، وبين رمي الآخرين بالكفر بذرائع لا تكتفي باتهام الحكام بأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله، بل تكفر مجتمعات برمتها، حتى لو كان جلها من المسلمين، لأتفه الأسباب أحياناً. فمشكلة التكفيري أيضاً أنه لا يؤمن بالمواطنة لأن عقله السياسي مستقى من المرحلة الإقطاعية في أقصى حالات تعفنها، أي مرحلة الطوائف والرعايا والقنانة، أي أن جذوره الفكرية ليست مستمدة من وحي التجربة السياسية للقرون الأخيرة.
فإذا كان التفسير الليبرالي للظاهرة التكفيرية كنتاج للدكتاتورية تفسيراً فرويدياً يحول “الكبت السياسي” للأنا العليا إلى عقد نفسية مستعصية لدى الفرد التكفيري، ويمكن أن تتفجر على شكل نزعات إجرامية، فإن المطلوب يصبح تحليلاً نفسياً، أو مصحة نفسية بالأحرى، للمجتمع العربي، وربما يكون مثل ذلك ضرورياً لفهم الحالات الهروبية التي تشكل بعض قواعد الحركات التكفيرية. وتلك الحالات الهروبية ليست على كل حال ما صنع الظاهرة التكفيرية، بل من لجأ إليها، أما إذا كان الربط سياسياً فإن قيادات التكفيريين ورموزهم و”مفكريهم” ليسوا ليبراليين متطرفين، مثلاً، ليكونوا ردة فعل على فعل استبدادي (دون أن نسلم بالمفهوم الليبرالي للاستبداد والدكتاتورية)، ولا هم دعاة حرية أو تحرر، ولا هم من المدرسة الفوضوية الرافضة لأي سلطة سياسية ليكونوا ردة فعل انفعالية على الدكتاتورية”. فالواقع هو أن التكفيريين هم دعاة إقصاء وتنكيل وتهميش واستعباد وقتل جماعي، بدلالة أن القضايا التي يكفرون الحكام والمجتمع بأسره عليها كثيراً ما تتصل بـ “التساهل” في مسائل اجتماعية وثقافية وشخصية غالباً ما يعطيها الخطاب التكفيري أولوية أعلى بكثير من القضايا السياسية والاقتصادية الأساسية في المجتمع “الكافر”. إنهم، باختصار، لا يعارضون الأنظمة العربية أو يعادونها، بعد أن حالفوها مراراً، لنفس الأسباب التي قد تجدها عند شخص ليبرالي، ناهيك عن شخص قومي أو يساري أو وطني أو إسلامي متنور، بل بسبب تفاهات.. أو حتى بسبب ما قد نعتبره نحن إيجابيات. إنهم يعأرضون مسير عقارب الساعة إلى الأمام، ويريدون أن يعيدوها بقوة للخلف، فهم بالأساس نتاج صدمة حضارية للمجتمع العربي وأزمة هوية، لا نتاج مشروع حضاري، بل إنهم النقيض التاريخي للمشروع الحضاري العربي، ونتاج التعثر التاريخي لذلك المشروع.
ليس التكفيري معارضاً سياسياً من أي نوع إذن. إنه بالأساس معارض للعقل، ولا يمكن أن يصبح تكفيرياً إلا بتعطيل عقله وتعطيل أحكامه المنطقية، وهو معارض للذوق السليم والحس المرهف والفن والإبداع، وهو معارض للتسامح والرحمة وحرية الاختيار في الدين، ومعارض للإنسان ككيان، كفرد أو كمرجعية، وهو على استعداد لاستباحة الإنسان وسفك دمه بلا تردد، ومعارض للمرأة إلا كجارية، ومعارض لفكرة الوطن والمواطنة وللدولة الوطنية، ومعارض للرابطة القومية، ومعارض للتيارات الإسلامية التي لا تجاريه في غلوه وشططه، ومعارض حتى للتكفيريين نتاجاً لرغبة دفينة في الحرية والتحرر؟!
ولو افترضنا جدلاً أن الظاهرة التكفيرية هي نتاج الدكتاتورية والاستبداد بالمفهوم الليبرالي، كيف نفسر تكاثر التكفيريين في باكستان التي يحكمها نظام برلماني فيدرالي يقوم على تداول السلطة وتوزيع الصلاحيات بين المركز والحكومات المحلية؟ وكيف نفسر تكاثر التكفيريين في ليبيا والصومال والعراق بالضبط بعد تفكيك الحكومات المركزية الدكتاتورية” في تلك البلدان؟ وكيف نفسر تكاثر التكفيريين في الهند وفي أوروبا الغربية نفسها حيث تسود حكومات “ديمقراطية ليبرالية”؟ وفي اليمن بعد إضعاف حكومته المركزية؟ وفي دول أفريقية ليست الحكومة المركزية قوية فيها أصلاً؟! أو في لبنان؟ أو في تونس بعد وصول حركة “النهضة” للحكم؟
لنفترض جدلاً أن الدكتاتورية تشكل عاملاً رئيسياً في تفاقم ظاهرة التكفير، لماذا لم تنشأ تلك الظاهرة إذن بين البوذيين في تايلند خلال السنوات المنصرمة (لفرض النظام البوذي حسب تفسير البوذيين التكفيريين على أبناء دينهم) أو بين الكاثوليك في تشيلي بعد حكم بينوشيه أو بين الأرثوذكس في دول أوروبا الشرقية التي حكمتها أنظمة اشتراكية على مدى عقود وهي الأنظمة التي يعتبرها الليبراليون قمة الدكتاتورية؟! وإذا كانت الدكتاتورية محركاً لظاهرة التكفير، لماذا لم نرها في عشرات الدول التي عاشت أقسى أنواع الدكتاتورية على مدى عقود في أمريكا اللاتينية وآسيا؟ وهل جاءت حملات قتل مئات آلاف الشيوعيين وأنصارهم في أندونيسيا في نهاية الستينيات بذريعة التكفير، مع أن الشيوعيين لم يكونوا في الحكم آنذاك، نتاجاً للدكتاتورية المزعومة و”التهميش” أيضاً، أم نتاج شيء آخر؟ ولماذا ظهر التكفير المسيحي في أوروبا كتيار جارف أنتج الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش في إسبانيا والبرتغال في القرون الوسطى تحديداً وليس بعد عصري النهضة والتنوير؟ لماذا ظهر التنوير في الوطن العربي فيما كان يظهر التكفير في أوروبا؟ وأخيراً، لماذا ظهر التكفير اليهودي في التوراة أولاً، وفي تعاليم التلمود على شكل قصص إبادة للأقوام غير اليهودية في فلسطين وجوارها، فيما جاء مؤسسو الحركة الصهيونية من العلمانيين؟
من يزعم أن التكفير ظاهرة ترتبط بالدكتاتورية السياسية المعاصرة ليس لديه إحساس بالتاريخ وقوانينه. التكفير لم يبدأ كظاهرة سياسية حزبية أو شعبوية، بل كظاهرة اجتماعية – ثقافية تُنتج وتنتجها أيديولوجيا من عصر بائد كانت فيه منذ الأساس ردة على مشروع التنوير العربي-الإسلامي. وليس المقصود بالحس التاريخي عقد المقارنات بين التكفيريين المعاصرين وبين الخوارج مثلاً، إنما فهم الشروط التاريخية التي تنتج التكفير كظاهرة، كردة على إجهاض مشروع نهضوي. فالغزالي في الفلسفة العربية – الإسلامية كان معلماً للتكفير ومصادرة العقل النقدي: “تهافت الفلاسفة” نموذجاً، المؤلف الذي خطَّأ فيه الفلاسفة في سبع عشرة مسألة وكفرهم في ثلاث. وكان الغزالي ردة متخلفة على قمم الفلسفة العربيةالإسلامية من ابن طفيل لابن سينا للفارابي لعلماء الكلام ولغيرهم، وقد أسس لمدرسة تعادي الفكر والعقل وصولاً لإشراقية الشهرزوري التي قال فيها: “الفلسفة أس السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة، ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة..” (وبإمكان من يرغب أن يضع المقتطف الأخير في محرك غوغل ليتأكد من مصدره وتتمته).
الأيديولوجيا بالتعريف هي منظومة المفاهيم والقيم المترابطة بينية فكرية تحيكها، فتساعد على فهم العالم وتصبح حافزاً للعمل. لكن الأيديولوجيا لا تنبت عشوائياً كالفطر بعد المطر، إنما تأتي لتعبر عن مصالح تاريخية معينة في مراحل تاريخية معينة كنتاج لتناقضات معينة يفرضها الواقع الملموس. فالتدين الظلامي هو نتاج الحقبة الإقطاعية في أوروبا في القرون الوسطى، وفي الوطن العربي بعد سيطرة الإقطاع العسكري بعد تغلغل السلاجقة في الخلافة، ثم بعد تغلغل المماليك. أما التكفير فهو مركب التدين الظلامي على ثقافة الغزو قبل النهضة، أو بعد انكسار مشروعها. إن التكفير هو الشكل الذي تتخذه البنية الفوقية لحكم أمراء الإقطاع وشيوخ العشائر في ظل التبعية للإمبريالية عندما يصبح مشروع الأخيرة مشروع تفكيك. فإذا كانت أيديولوجيات عصري النهضة والتنوير في أوروبا هي الجسر الفكري والمعنوي للانتقال من عصر الإقطاع للرأسمالية الصناعية في مرحلة صعودها، فإن التكفير هو القيح الأيديولوجي للتدين الإقطاعي في مرحلة التعفن والانحطاط. لكنه ككل قيح نشأ عن التهاب، وقد تفاقم الالتهاب حين تعثر النهوض العربي وعجز عن نقل مجتمعنا من مرحلة تاريخية إلى مرحلة تاريخية أعلى، فانتشر قيح التكفير الذي تحمله روافع تاريخية متجذرة بخصوصية بلادنا، وكان سببه الحقيقي الردة عن مشروع النهضة إلى مشروع مختلق لتاريخٍ مزعوم. وكما وصف الحالة بدر شاكر السياب في قصيدته “الأسلحة والأطفال”: كأن السنا في الحروفِ، تخطا إليها ظلام الكهوفِ
إن التكفير بصفته تعبيراً عن أيديولوجية يمثل حالة انحطاط قومي لأمة عجزت عن تحقيق مشروعها التاريخي، وقد جاء في العصر العباسي ردة على تيارات فكرية عربية إسلامية أكثر منه رقياً بسنوات ضوئية، ويعود التكفير اليوم كردة على تعثر المشروع القومي النهضوي التحرري ووصول الدولة القطرية العربية، دولة التجزئة، إلى منتهى أزمتها. وقد جاء التكفير في العصر العباسي بعد نشوء نويات الرأسمالية التجارية المدينية في ظل الخلافة العربية الإسلامية قبل البندقية وجنوة والمدن التجارية على المتوسط بقرون، وبعد نكوص القفزة التاريخية العربية إلى الأمام قبل عصر النهضة الأوروبية بقرون. وهي الردة التي هيأت لحكم الإقطاع العسكري في ظل سيطرة السلاجقة الأتراك على الخلافة، فكان التحجر أيديولوجيتهم، وكانت بذرة التكفير في المدرسة النظامية في الرصافة في بغداد قبل صعودها في أوروبا بخمسمئة عام على الأقل.
اما التكفير اليوم فيحمل عطن النفط والصحراء. وقد جاء ردة على المشروع النهضوي العربي التحرري الذي مثله القوميون واليساريون والنهضويون العرب منذ بداية القرن العشرين. فالتكفير المعاصر هو نتاج تخثر المشروع القومي، ونتاج المستنقعات الآسنة التي نشأت في ظل دولة التجزئة العربية حتى عندما حكمها قوميون. فإذا كانت أزمة الدولة القطرية قد غذت قواعد التكفيريين بالأنصار، فإن المشروع التكفيري نفسه ذو روافع تاريخية تستند للبنية الفوقية في القرون الوسطى، ولمحاولة إعادة إحيائها بغرض إجهاض المشروع النهضوي العربي تماماً إذ تعثر
يساوي التكفير المعاصر عصارة آلام أمة لم تستطع السير إلى الأمام فقررت أن تنتحر من فوق قلعة التاريخ. إنها أمة تواجه عسرة تاريخية وتعجز حتى الآن عن إيجاد مخرج منها. ويساوي التكفير عجز طلائع تلك الأمة عن منع مثل ذلك الانتحار، ويساوي مجموع أزمات الدول المفتعلة التي أسسها الاستعمار الأوروبي بعد “الاستقلال” لكي تبقى مأزومة إلى الأبد، ويساوي التكفير مشروع الكمبرادور النفطي في مواجهة المشروع الوحدوي التحرري العربي، مشروع الثورة الديمقراطية الحقيقية، بعد أن كاد الكمبرادور يندحر من على عتبة المشهد العربي في الخمسينيات والستينيات، ويساوي التكفير أزمة هوية شعب عربي لم تنصفه الحداثة ولم تسعفه الأصالة في التأقلم مع تحديات الواقع المعاصر، ويساوي التكفير هروباً إلى ذات لم تكن يوماً، وإلى مزبلة تحكمها الجرذان نصبت عليها مقصلة للعقل العربي. باختصار، يساوي عجزنا عن أن نكون مشروعاً صاعداً للأمة، فهذا السرطان التكفيري سرطاننا الذي انتجته شروط حياتنا العربية المعاصرة، إما أن نقضي عليه، وإما أن يقضي علينا. وللتاريخ نواميسه، لأن سجلاته مليئة بجثث الأمم التي عجزت عن مواجهة تحدياتها المصيرية، فلا خيار لنا إلا بالمشروع القومي لمواجهة التكفير وغيره لنتخطى الحاجز المصيري الذي وضعه التاريخ أمامنا. وإننا إن شاء الله سنتخطاه لنصعد في التاريخ درجة، وكما قال بدر شاكر السياب:
وإن الدواليب في كل عيد
سترقى بها الريح جذلى تدور
ونرقى بها من ظلام العصور
إلى عالمٍ كل ما فيه نور
رصاصٌ…رصاصٌ…رصاصٌ
حديد
حديدٌ عتيق لكونٍ جديد
نقطة أخيرة لا بد من الإشارة اليها لتفسير انتشار التكفير في الدول الديموقراطية الليبرالية، وفي مواجهة الفكر المتنور في القرن الواحد والعشرين، وهي مقولة “الاستقلال النسبي للفلسفة، بمعنى استقلال صيرورة الفكر عن الظروف التاريخية التي ادت لنشوئها، وهو ما يسمح لأيديولوجيا ما أن تترك آثاراً طويلة المدى بعد الظروف التاريخية التي انتجتها، وخارج الرقعة التي نشأت فيها، مما يعني أن التقدم لا يحدث في فراغ، بل في خضم صراعٍ متصلٍ مع التأخر، لأن التأخر يمتلك أدوات اختراق عقلي ونفسي مستقلة نسبياً عن الظروف التاريخية التي دعت لوجوده، وهو ما يعني أن تأخر المشروع القومي النهضوي التحرري العربي هو الذي افسح المجال لتقدم التأخر، أي أن تقهقره هو الذي افسح مجالاً للتكفير ومشتقاته، فالصراع بين الفكرة الظلامية والمشروع القومي هو تماماً كالصراع بين الظلمة والنور.
* نص محاضرة ألقاها الباحث والمفكر العربي إبراهيم ناجي علوش على مدرج دار البعث بدمشق خلال  ندوة سياسية بعنوان “أيديولوجيا الفكر التكفيري وعلاقتها بالفكر الصهيوني، وأقيمت بالتعاون بين اللجنة الشعبية العربية السورية لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومة المشروع الصهيوني، ومركز الأبحاث واستطلاعات الرأي في دار البعث.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر

ابحث في الارشيف

الدانة نيوز الصفحة الرئيسية

الدانة نيوز الصفحة الرئيسية
الدانة نيوز هي اداة اعلامية تشكل مدخلا لمعرفة ما يدور في العالم على جميع الاصعدة والمجالات

احدث الاخبار .. الشبكة الاعلامية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

العالم الجديد

صفمة المقالات

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

مشاركة مميزة

ما هي الروح ... لا وجود للروح

ما هي الروح ... لا وجود للروح ما هي الروح من انتم لتفسروا ما هي الروح ؟؟ علق بعض السادة المحترمين على موضوع خرافة الروح وتاكيد...

تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

اعلن معنا

سلايدر الصور الرئيسي

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك

خدمات نيو سيرقيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اهلا ومرحبا بكم

وكالة انباء الدانة – مؤسسة عربية مستقلة – متخصصة في الاعلام والعلاقات العامة

ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة




لقاء مع المفكر التوسي يوسف الصديق

* * * المفكر التوسي يوسف الصديق: المصحف عمل إنساني يختلف عن القرآن ويجب الإطاحة بالأزهر والزيتونة