سويسرا ترفض "تتبّع أموال لبنانيين": لا نشارك في "تغيير سياسي"

. . ليست هناك تعليقات:


رفضت وزارة الخارجيّة السويسرية يوم الجمعة طلباً كان قد تقدّم به لبنان رسميّاً في شهر كانون الثاني 2020، للحصول على معلومات تتعلّق بتحاويل ماليّة من لبنان إلى المصارف السويسريّة. وبيان وزارة الخارجيّة السويسريّة علّل بوضوح أسباب الرفض، ووضعها في إطار عدم رغبة رغبة سويسرا باستعمال مسألة تتبّع أو تجميد الأصول الماليّة كوسيلة للضغط السياسي وفرض التغيير في البلدان الأخرى، خصوصاً كون "الشعب في لبنان ما زال يتظاهر مطالباً بالتغيير الحقيقي" على حدّ قول البيان. بمعنى آخر، لا يمكن البحث في مسألة تتبّع الأموال المنهوبة في المصارف السويسريّة قبل إسقاط السلطة محلّياً، بإعتبار أنّ الخوض في ملاحقة الأموال المنهوبة قبل ذلك سيمثّل تدخّلاً في شؤون الدول الأخرى عبر المساعدة في إسقاط السلطة.

عمليّاً، تفرض سويسرا في العادة أربع شروط ينبغي أن تتوفّر جميعها قبل البحث في إمكانيّة تتبّع وتجميد أصول ناتجة عن الكسب غير المشروع. من بين الشروط الأربعة، ثمّة ثلاث شروط لا يبدو أنّها تتنافى مع الطلب اللبناني، وهي أن يكون هناك مستوى مرتفع من الفساد في البلد الذي جرت التحويلات منه، وأن يكون هناك شبهة في أنّ الأموال التي جرى تحويلها نتجت عن كسب غير مشروع، وأن تكون عمليّة تجميد الأصول متناسبة مع مصالح سويسرا. أمّا الشرط الأساسي الذي لا يتوافق مع الطلب اللبناني، والذي أشار له البيان بوضوح، فهو أن تكون السلطة المعنيّة بهذه الأنشطة غير المشروعة قد خسرت الحكم، ويُعدّ هذا الشرط ضروريّاً في العادة بالنسبة إلى سويسرا للحفاظ على مبدأ حياد سياستها الخارجيّة، وعدم ربط قراراتها المتصلة بقطاعها المصرفي بالنزاعات السياسيّة الخارجيّة.

من الواضح بحسب جميع المعطيات المتوفّرة أن الطلب اللبناني الرسمي لم يكن أساساً طلباً جدّياً، كونه ببساطة يتناقض مع أحد الشروط البديهيّة التي تضعها سويسرا لهذا النوع من المسارات. كما أنّ المعلومات التي يطلبها لبنان، والتي تتعلّق بهويّة الأشخاص الذي قاموا بتحويلات ماليّة ضخمة إلى المصارف السويسريّة، هي معلومات متوفّرة محليّاً، ويمكن الحصول عليها بمجرّد تتبّع الإجراءات المطلوبة من خلال هيئة التحقيق الخاصّة في مصرف لبنان.

فهل كان الطلب اللبناني في بداية السنة الحاليّة مجرّد فقاعة إعلاميّة لتهدئة الشارع في ذلك الوقت؟

تعود قصّة الطلب اللبناني إلى شهر كانون الثاني الماضي، عندما أحال وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال السابقة ألبرت سرحان كتاباً موجّهاً إلى المصارف السويسريّة، بواسطة وزارة الخارجيّة اللبنانيّة. وطلب الكتاب معلومات حول التحويلات إلى سويسرا بالاستناد إلى مبدأ "المعاملة بالمثل" و"تبادل المعلومات في مجال مكافحة الإرهاب"، كون التحويلات المشكوك بأمرها تمثّل جرائم جزائيّة منصوصاً عليها في قانون مكافحة تبيض الأموال وتمويل الإرهاب. وفي ذلك الوقت، تضمّن الكتاب طلب معلومات حول حجم المال الذي جرى تحويله إلى المصارف السويسريّة مع ذكر مصدره، وتحديد ما إذا كان مشبوهاً أو لا.

الدرس الأهم الذي يمكن استخلاصه من قصة الطلب اللبناني والردّ السويسري، يتعلّق تحديداً بعدم جديّة رفع شعار استرداد الأموال المنهوبة قبل حدوث أيّ تغيير سياسي على مستوى السلطة في لبنان

إذاً، كان من الطبيعي أن يُرفض الطلب اللبناني غير الجدّي أساساً، خصوصاً أن جميع العارفين بطريقة تعامل سويسرا مع هذا النوع من الطلبات يذكرون أن تتبّع واسترداد الأصول التونسيّة والمصريّة والأوكرانيّة والنيجيريّة – ولو بجزء يسير منها - وغيرها في المصارف السويسريّة لم يتمّ إلا بعد حصول التغيير السياسي في تلك البلدان، وإسقاط الأنظمة المعنيّة بعمليّات الكسب غير المشروع التي كان يتمّ تتبّعها.

ولعلّ أكثر ما يعزّز الاعتقاد بعدم جديّة الطلب اللبناني منذ البداية، هو طريقة التعامل محليّاً مع مسألة التحويلات التي يحاول الكتاب الموجّه إلى سويسرا تتبّعها. فمحليّاً، ورغم أن المعلومات المطلوبة موجودة في سجلات النظام المصرفي اللبناني كما ذكرنا، لم تحصل أيّ محاولة جديّة للكشف عن هويّة الأفراد الذي قاموا بالتحويلات، لا بل اقتصرت المراسلات مع مصرف لبنان على طلب المبالغ الإجماليّة للتحويلات التي اتجهت نحو المصارف السويسريّة حصراً، دون أن تشمل الأرقام التحويلات التي جرت إلى بلدان وملاذات ضريبيّة أخرى، ودون أن تشمل أيّ تفاصيل تتعلّق بهويّة المستفيدين منها، وخصوصاً في ما يتعلّق بالتحويلات التي جرت خلال فترة إقفال المصارف في أولى أسابيع الثورة.

في كلّ الحالات، وبمعزل عن هذه الإشكاليّة، يبقى من الأكيد أن الدرس الأهم الذي يمكن استخلاصه من قصة الطلب اللبناني والردّ السويسري، يتعلّق تحديداً بعدم جديّة رفع شعار استرداد الأموال المنهوبة قبل حدوث أيّ تغيير سياسي على مستوى السلطة في لبنان. فحلم استرداد الأموال المنهوبة ظهر في خطة الإصلاح الحكومي الأخيرة، كمصدر أساسي لسداد الخسائر، كما برز في البيان الوزاري للحكومة وفي الكثير من وعود رئيسها. وثمّة مشروع قانون مخصّص لتحديد آليّات استرداد هذه الأموال. لكن كما يبدو من التطوّرات الأخيرة، سواء من جهة الردّ السويسري أو من جهة عدم الجديّة اللبنانيّة، سيبقى هذا الشعار مجرّد حبر على ورق بانتظار حصول تغيير سياسي حقيقي على مستوى السلطة في لبنان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر

ابحث في الارشيف

الدانة نيوز الصفحة الرئيسية

الدانة نيوز الصفحة الرئيسية
الدانة نيوز هي اداة اعلامية تشكل مدخلا لمعرفة ما يدور في العالم على جميع الاصعدة والمجالات

احدث الاخبار .. الشبكة الاعلامية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

العالم الجديد

صفمة المقالات

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

مشاركة مميزة

ما هي الروح ... لا وجود للروح

ما هي الروح ... لا وجود للروح ما هي الروح من انتم لتفسروا ما هي الروح ؟؟ علق بعض السادة المحترمين على موضوع خرافة الروح وتاكيد...

تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

اعلن معنا

سلايدر الصور الرئيسي

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك

خدمات نيو سيرقيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اهلا ومرحبا بكم

وكالة انباء الدانة – مؤسسة عربية مستقلة – متخصصة في الاعلام والعلاقات العامة

ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة




لقاء مع المفكر التوسي يوسف الصديق

* * * المفكر التوسي يوسف الصديق: المصحف عمل إنساني يختلف عن القرآن ويجب الإطاحة بالأزهر والزيتونة