تاريخ مكة قبل الاسلام وقبل الفتح / جزء 6

. . ليست هناك تعليقات:


تاريخ مكة قبل الاسلام وقبل الفتح / الجزء السادس
-----------------------

الصراع على السلطة بعد قصي
لان قصي بن كلاب ابن بيئة قبلية بدوية فهو يؤمن إيماناً عميقا بالحكم الفردي المطلق ، وحتى لا تضيع مكاسبه فقد ورثها لابنائه ولكن بتمييز واضح حيث ترك كل سلطاته ووظائفه وسنته الذكية ، لولده البكر عبد الدار ، دون أخيه عبد مناف ؛ وغادر الدنيا الفانية الى دنيا اكثر فناء ، بعد أن أسس لقريش دولتها الواحدة في مكة ولكن قصي ما كان يعلم أن الحقد سيتملك قلب عبد مناف على ملك عبد الدار وما حظي به من تشريف ؛ فكان أن توارث الأبناء أحقاد الأباء ، وقام أبناء العمومة يستعدون القبائل على بعضهم وتجمع بنو عبد مناف مع مؤيديهم في حلف المطيبين ؛ فرد عليهم بنو عبد الدار وحزبهم بحلف الأحلاف ، وتجمع الفريقان للقتال من أجل السيادة على مكة .
ويشرح ابن كثير الأمر في قوله : " ثم لما كبر قصي ؛ فوض أمر هذه الوظائف التي كانت إليه من رئاسات قريش وشرفها ؛ من الرفادة والسقاية والحجابة واللواء والندوة إلى ابنه عبد الدار وكان أكبر ولده .. فلما انقرضوا تشاجر أبناؤهم في ذلك وقالوا : إنما خصص عبد الدار ليلحقه باخوته ؛ فنحن نستحق ما كان آباؤنا يستحقونه ، وقال بنو عبد الدار هذا أمر جعله لنا قصي فنحن أحق به ، واختلفوا اختلافاً كبيراً ، وانقسمت بطون قريش فرقتين ؛ فرقة بايعت بني عبد الدار وحالفتهم ، وفرقة بايعت بني عبد مناف وحالفوهم على ذلك " .

ورد في شرح السيرة الحلبية: " فلما مات عبد الدار وأخوه عبد مناف ؛ أراد بنو عبد مناف وهم هاشم وعبد شمس والمطلب ، وهؤلاء لأب وأم .. ونوفل أخوهم لأبيهم .. أن يأخذوا تلك الوظائف من بني عمهم عبد الدار ، وأجمعوا على المحاربة .. وأخرج بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيباً فوضعوها لأحلافهم في المسجد عند باب الكعبة ، ثم غمس القوم أيديهم فيها ، وتعاقدوا هم وحلفاؤهم ، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيداً على أنفسهم ؛ فسموا المطيبين .. فتطيب منها بنو زهرة وبنو أسد بن عبد العزي ، وبنو تميم بن مرة ، وبنو الحارث بن فهر ، فالمطيبون من قريش خمس قبائل ، وتعاقد بنو عبد الدار وأحلافهم ، وهم بنو مخزوم وبنو سهم وبنو جمح وبنو عدي بن كعب ، على ألا يتخاذلوا ولا يسلم
بعضهم بعضاً ، فسموا الأحلاف لتحالفهم بعد أن أخرجوا جفنة مملوءة دماً ، من دم جزور نحروها .. وصاروا يضعون أيديهم فيها ويلعقونها فسموا لعقة الدم " .
وكان واضحاً أنه برغم هذا الاصطراع ؛ أن المصلحة الاقتصادية العامة فرضت نفسها على جميع الأطراف ؛ فكان الحرص على المصالح التجارية ، وما سبق وحققه قصي من هيبة لقريش ؛ عاملاً جوهرياً في حقن الدماء ، وانتهى الأمر بالسلام ؛ حيث تقاسم أبناء العمومة ألوية الشرف الموروث
فيقول ( برهان الدين الحلبي ) في سيرته: " ... ثم اصطلحوا على أن تكون السقاية والرفادة والقيادة لبني عبد مناف ، والحجابة و اللواء لبني عبد الدار ، ودار الندوة بينهم بالاشتراك ".
-----------------------------
دور الحجاز في الحياة السياسية العامة في القرنين الأول والثاني للهجرة /15 ط الأولى 1968، دار الفكر العربي د. أحمد إبراهيم الشريف.
أنظر سيرة ابن هشام 1/123 - 130،
تاريخ اليعقوبي 1/181- 198،
تاريخ الطبري 2/255 - 286،
ابن كثير البداية والنهاية 2/185 – 190
-------000000000000000000000000000
بدء الصراع بين بني هاشم وبني امية
علا نجم بني عبد مناف واصبحوا اشرف القوم فقال ابن كثير أن بني عبد مناف قد " صارت إليهم الرياسة ، وكان يقال أنهم المجيرون ، وذلك لأنهم أخذوا لقومهم قريش الأمان من ملوك الأقاليم ، ليدخلوا في التجارات إلى بلادهم " .
بل أنهم كانوا هم سفراء الأمان والإيلاف لدول العالم الكبرى حينذاك : " وكان بنو عبد مناف الأربعة يتوجهون إلى الجهات الرئيسية الأربع التي كانت تتجه إليها قريش ، فكان هاشم يتجه إلى الشام ، وعبد شمس إلى الحبشة ، والمطلب إلى اليمن ، ونوفل ( أخوهم غير الشقيق ) إلى فارس ، وكان تجار قريش يذهبون إلى هذه البلاد في ذمة هؤلاء الأخوة الأربعة ، لا يتعرض لهم أحد بسوء " . . (الدكتور أحمد شلبي) .
وقد استقرت ألوية الشرف ( القيادة والسقاية والرفادة ) المنتزعة من بيت عبد الدار لبيت عبد مناف ، في يد هاشم بن عبد مناف بالتحديد دون بقية إخوته ، لذا فما أن رحل أخوه عبد شمس عن الدنيا حتى ساورت ولده أمية الأطماع في أخذ ما بيد عمه من ألوية الشرف بالقوة ، ووقف نوفل مؤقتاً على الحياد ، وكادت الحرب تقطع صلات الرحم ، وتهدر الدم الموصول ، ومرة أخرى تفادى القوم الكارثة ، فرضوا بالاحتكام إلى كاهن خزاعي ؛ فقضى الكاهن بنفي أمية بن عبد شمس عشر سنوات إلى منفى اختياري ، ولم يجد أمية بداً من الرضي بحكم ارتضاه ؛ فشد رحاله إلى بلاد الشام ليقضي بين أهلها من السنوات عشراً .
وهكذا : دارت العدوات حول هاشم ؛ عداوة بني عبد الدار ، وعداوة بني عبد شمس الذي انضم إلى حزب عبد الدار ( ونوفل يقف محايداً ) : عداوة بني عبد الدار لاعتبار ما بيد هاشم من ألوية شرف هو حق خصهم به جدهم قصي ، وعداوة بني عبد شمس لاعتبار أنفسهم شركاء في التشريف الذي ناله هاشم بن عبد مناف
تعليق سريع
انقسم المجتمع المكي الى طبقتين : الأغنياء والفقراء : والأغنياء هم التجار والمرابون وملاك الزراع وكثيراً ما كان الواحد منهم يجمع بين أكثر من نشاط اقتصادي ( وتتمثل قنوات استثمار أهل مكة على سبيل المثال ـ قبل بعثة محمد في : التجارة من الشمال والجنوب والمضاربات والإقراض والاقتراض بالربا الفاحش " ربا النسيئة " واستثمار الأموال في مشاريع زراعية في مناطق الواحات الغربية كالطائف والمشاركة والمخالطة بين العمل ورأس المال واقتسام الأرباح خاصة في الأعمال التجارية ، والدعارة والترويج لها ضمن محلات خاصة واستغلال الإماء في ذلك وتجارة الرقيق )
(عيسى أيوب الباروني ، الرقابة المالية في عهد الرسول والخلفاء الراشدين ، ص43 ، ط1 ، 1968 م ، منشورات جمعية الدعوة الإسلامية العالمية ، طرابلس ـ ليبيا (


الانقسام الطبقي
إنقسمت قريش إلى فرقتين : ( قريش الأباطح ) و ( قريش الظواهر ) وهو تقسيم أساسه التمايز الطبقي لا العرقي أو النسبي " من النسب " فكلهم قرشيون ينتمون إلى ( النضر بن كنانة ) ، فقريش البطاح من ولد فهر من دخل مع قصي الأبطح ، وقريش الظواهر من لد فهر : بنو الأدرم بن فهر ومعيص بن لؤي ومحارب بن الحارث إبنا فهر فهؤلاء قريش الظواهر ، ( سمير عبد الرازق ، أنساب العرب ، ص47 )
لهذا نجد الذين انسلخوا رهطهم ودخلوا مع قصي لحقتهم " الأبطحية " فالامر إذن تفرقة في الثروة والمكانة الاجتماعية المؤسسة على المال لا على الأصل أو النسب ، كما أنها " الأبطحية " تعطي صاحبها شرفا وامتيازا حتى أن معاوية بن أبي سفيان قد افتخر بها وهو خليفة وحاكم بأمر للعالم الإسلامي في زمانه .
وانقسم أفراد القبيلة الواحدة فيلحق أحدها أو بطن أو فخذ منها بطبقة بينما يظل الباقون في طبقة أدنى ، لأن المقياس هو " تملك أدوات الثروة ووسائل الانتاج " ،
ففي " باب القسامة " روى البخاري أن رجلاً من بني هاشم استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى ثم قتله لاعتقاده أنه أهمل في أداء عمله وظل الخبر سراً حتى وصل إلى علم أبي طالب بن عبد المطلب وكان آنذاك زعيم بني هاشم فتوجه إلى القاتل ( فقال : اختر منا إحدى ثلاث : إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل فأنك قتلت صاحبنا ، وأن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله ( وهذه هي القسامة ... من القسم ) وأن أبيت قتلناك به ) ( رواه البخاري في صحيحه في باب القسامة ، وأورده أحمد أمين في فجر الإسلام ، ص226 ) ،

فهذا هاشمي من أسمى فروع قريش يعمل أجيراً لدى قرشي من فخذ آخر وتدفع غطرسة رأس المال صاحب العمل إلى قتله لمجرد توهمه أنه تقاعس في شغله ولو كان معيار التمايز نسبياً " من النسب "

لكان الهاشمي هو صاحب العمل لا الأجير ، ولكنه تفاوت طبقي أساسه المال ، بل أن أبا طالب نفسه …( كان لا مال وكان ‘ذا أكل عيال أبي طالب جميعا أو فرادي لم يشبعوا ... وكان بنو أبي طالب يصبحون رمصاً عمصاً .. وكان أبو طالب يقرب إلى الصبيان صفحتهم أول البكرة ( يعني في الصباح ) فيجلسون وينتبهون ) ( الإمام أبو الفداء إسماعيل بن كثير ، السيرة النبوية ، الجزء الأول ، ص242 ).

هذه عبارات صريحة النص والدلالة نعا على أن أبا طالب كان يعاني بشدة من قلة المال ،حتى أن أولاده كانوا لا يجدون كفايتهم من الطعام ولا ماء يغسلون به وجوههم ويزيلون عن عيونهم الرمص والعمص ، ويبدو أن حالة أبي طالب المالية استمرت كذلك بل تدهورت حتى غداً عاجزاً عن إعالتهم مما دفع أبي طالب محمدا عليه السلام بعد عدة سنين لأن يقترح على عمه الآخر الغنى ـ العباس ـ أن يتوجها معاً إلى منزل أبي طالب ليعودا باثنين من أبنائه لتخفيف العبء عن كاهله فأخذ العباس جعفرا وكفل محمد ( ص ) علياً ، ولعله بذلك كان يرد الجميل لأبي طالب لأنه بعد وفاة جده عبد المطلب آواه وضمه إلى أسرته .

وهذا يشير الى ان المجتمع المكي كان يحدث فيه أن يلحق الفقر برجل شريف من فرع سامق في القبيلة وله مكانة أدبية مرتفعة فيها بيد أن ذلك كله كان لا يخوله حق كسب ( عضوية نادي الأغنياء ) أو حتى مجرد دخوله
الفقراء في مكة .. وثور العبيد في جبل تهامة
أما الفقراء فقد كانوا من الموالي أو اللصقاء أو المرتبطين بحلف أو جوار مع أحد الصناديد ، ثم الرقيق أو العبيد ، وكانت عيشة هذه الطبقة في عمومها ـ على تفاوت بين فرد وآخر أو فئة و أخرى ـ صعبة أشد ما تكون الصعوبة بائسة أبلغ ما يكون البؤس .
( أما الفقراء المستضعفون فكانوا يؤلفون سواد " العرب " أو جمهور العوام وكانوا يتآلفون من رعاة الأنعام وفقراء الفلاحين والعمال وصغار الباعة والفعلة وكانوا يسكنون الخيام البسيطة أو العشش أو أكواخ حقيرة يعيشون فيها عيشة ضنكة وجوعاً مستمراً ) (1(
وكانوا يقنعون من العيش بالكفاف وليست لهم طاقة كالسادة الأغنياء كي يتفننوا في المطاعم والملابس بل كانوا يتبلغون بالتافه من المآكل ويلبسون الأسمال ، بل أنهم في بعض الحالات قد لا يجدون ما يسدون به رمقهم .

وسبق وذكرنا إن بعض الأسر في قريش ذاتها كانت تضطر إلى " الاحتفاد " أو " الاعتفار " عندما لا تملك قوت يومها وتفصل على أن تمد أيديها إلى غيرها تطلب منه الإحسان ، وكيف أن هاشماً شجب هذه العادة القبيحة وعمل على علاجها ، ولعله من نافلة القول أن نذكر أن ذلك الاحتفاد أو الاعتفار من أثر الخلل الاجتماعي الذي حايث المجتمع المكي والذي شطره إلى : طبقة قليلة منعمة مرفهة وأخرى معوزة مملقة خالية الوفاض مما يحفظ عليها حياتها والاثنتان من أرومة واحدة !!!

كما سبق وأن ذكرنا ايضا ان من اسباب عقد " حلف الفضول " هو "التآسي في المعاش " اي التعاون على تحمل مصاعب المعيشة وضنك عيش الفقراء .
وكما جاء في السيرة الشامية فهو " مشروع " لإعادة التوازن ولو نسبياً بين طبقتي الأثرياء والمعدمين ولمنع ثورة توشك أن تهب فتطيح بذلك الوضع الجائر.
وبالفعل قامت بعض الفئات المضطهدة المحرومة بالشروع في ذلك مثل الذين اعتصموا في " جبل تهامة " وقال عنهم المحدثون والرواة أنهم كانوا من الخارجين على الأعراف ومن الرقيق الآبق ، تجمعوا في هذا المكان المرتفع وتحصنوا وأخذوا يغتصبون من المارة ، وظلوا على هذا الحال حتى ظهر الرسول ( ص ) على أعدائه فوجدوا إذ ذلك أنهم لن يتمكنوا بعد ظهور الرسول من الاستمرار في التحرش بالمارة والتحرز بهذا الجبل وأن ظروفا جديدة قد ظهرت ستؤمن لهم سبل العيش ، وأن الرسول سيعفو عنهم ويفغر لهم ما وقع منهم قبل الإسلام فجاءوا إليه وأسلموا عنده وكتب لهم كتاب أمان بذلك )(2) .
----------------------
1 - (برهان الدين دلو ، جزيرة العرب قبل الإسلام ، الجزء الأول ، ص157 )
2 - ( د.جواد علي ، المفصل في تاريخ العرب ، الجزء الرابع ، ص267 )


ظواهر الصراع الهاشمي الاموي
عشر سنوات قضاها أمية بن عبد شمس في منفاه الشامي بنى خلالها قاعدة لبيته الأموي في الشام فقد ارتبط هناك بأهلها بأواصر السنين والمصاهرة التي كانت لأبنائه ذخراً وعتاداً ؛ ساهمت فيما بعد بقيام دولة كبرى يرأسها حفيده معاوية ابن ابي سفيان تلك التي عرفتها الدنيا باسم الدولة الأموية
الصحيفة الملعونة الأولى ضد بني هاشم
ـ قال ابن هشام: 1|234: اجتمعوا بينهم أن يكتبوا كتاباً يتعاقدون فيه على بني هاشم، وبني المطلب، على أن لا ينكحوا اليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئاً ولا يبتاعوا منهم، فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة، تعاهدوا وتواثقوا على ذلك، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم، وكان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي. قال ابن هشام: ويقال النضر بن الحارث، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشل بعض أصابعه.
قال المقريزي (النزاع والتخاصم : 18.) : وقد كانت المنافرة لا تزال بين بني هاشم وبين عبد شمس .
وقال : وكانت المنافرة بين هاشم بن عبد مناف بن قصي ، وبين ابن أخيه أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، وسببها أن هاشماً كانت إليه الرفادة مع السقاية ، وذلك أنّ أخاه عبد شمس كان يسافر وكان يقيم بمكة ، وكان رجلاً مقلاً وله ولد كثير ، فاصطلحت قريش على أن يلي هاشم السقاية والرفادة ، وكان هاشم رجلاً موسراً ، وكان إذا حضر موسم الحج قام في قريش فقال :
يا معشر قريش إنّكم جيران الله وأهل بيته ، وإنّكم يأتيكم في هذا الموسم زوّار الله يعظمون حرمة بيته ، وهم ضيوف الله ، وأحق المضيّف بالكرامة ضيفه ، وقد خصّكم الله بذلك وأكرمكم به ، حفظه منكم أفضل ما حفظ جار من جاره ، فأكرموا ضيفه وزوّاره ، فإنّهم يأتون شعثاً غُبراً من كلّ بلد على ضوامر كالقداح ، وقد أزحفوا وتفلوا وقملوا ، فأقروهم وأنموهم وأعينوهم.
وكانت قريش ترافد على ذلك ، حتى أن كان أهل البيت يرسلون اليسير على قدرهم ، فيضمّه هاشم إلى ما أخرج من ماله وما جمع مما يأتيه به الناس فإن عجز كمّله ، وكان هاشم يخرج في كلّ سنة مالاً كثيراً ، وكان قوم من قريش يترافدون فكانوا أهل يسار ، فكان كلّ إنسان منهم ربما أرسل بمائة مثقال هرقلية.
وكان هاشم يأمر بحياض من أدُم فتجعل في موضع زمزم ـ من قبل أن تحفر زمزم ـ ثم يستقي فيها من البئر التي بمكة فيشرب الحاج ، وكان أوّل مايطعمهم قبل التروية بيوم بمكة ، ويطعمهم بمنى وبعرفة وبجمع ، فكان يثرد لهم الخبز ، واللحم والخبز والسمن ، والسويق والتمر ، ويحمل لهم الماء حتى يتفرق الناس لبلادهم ، وكان هاشم يسمّى عمرواً ، وإنّما قيل له هاشم لهشمه الثريد بمكة ، وفيه يقول مادحه :
عمرو العلا هشم الثريد لقومه
ورجال مكة مسنتون عجاف

وكان أمية بن عبد شمس ذا مال ، فتكلّف أن يفعل كما فعل هاشم من إطعام قريش فعجز عن ذلك ، فشمت به ناس من قريش وعابوه ، فغضب ونافر هاشماً على خمسين ناقة سود الحدق تنحر بمكة ، وعلى جلاء عشر سنين ، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي ـ جد عمرو بن الحمق _ وكان منزله عسفان ، وخرج مع أمية أبو همهمة حبيب بن عامر بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر بن مالك الفهري.
فقال الكاهن : والقمر الباهر ، والكوكب الزاهر ، والغمام الماطر ، وما بالجو من طائر ، وما اهتدي بعَلَم مسافر ، من مُنجد وغائر ، لقد سبق هاشمُ أمية إلى المآثر ، أوّل منه وآخر ، وأبو همهمة بذلك خابر.
وأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعم لحمها من حضر ، وخرج أمية إلى الشام فأقام بها عشر سنين.
قال العقّاد : فكان هذا أوّل عداوة وقعت في بني هاشم وبني أمية.

أقول : فهذا أمية والد حرب ، وكان كأبيه فقد حسد عبد المطلب بن هاشم على مآثره
ويذكران علي قال ردا على معاوية :
وأما قولك : إنّا بنو عبد مناف فكذلك نحن ، ولكن ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق ، ولا المحق كالمبطل ، ولا المؤمن كالمدغل ، ولبئس الخلف خلفاً يتبع سلفاً هوى في نار جهنم :
ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 219

---------00000000000000000000

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر

ابحث في الارشيف

الدانة نيوز الصفحة الرئيسية

الدانة نيوز الصفحة الرئيسية
الدانة نيوز هي اداة اعلامية تشكل مدخلا لمعرفة ما يدور في العالم على جميع الاصعدة والمجالات

احدث الاخبار .. الشبكة الاعلامية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

العالم الجديد

صفمة المقالات

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

مشاركة مميزة

ما هي الروح ... لا وجود للروح

ما هي الروح ... لا وجود للروح ما هي الروح من انتم لتفسروا ما هي الروح ؟؟ علق بعض السادة المحترمين على موضوع خرافة الروح وتاكيد...

تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

اعلن معنا

سلايدر الصور الرئيسي

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك

خدمات نيو سيرقيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اهلا ومرحبا بكم

وكالة انباء الدانة – مؤسسة عربية مستقلة – متخصصة في الاعلام والعلاقات العامة

ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة




لقاء مع المفكر التوسي يوسف الصديق

* * * المفكر التوسي يوسف الصديق: المصحف عمل إنساني يختلف عن القرآن ويجب الإطاحة بالأزهر والزيتونة