إحداثيات دراما التجديد العلمي والجمود الديني // بقلم : د. بليغ حمدي إسماعيل

. . ليست هناك تعليقات:


نحن أمام مقاومة صلبة وصعبة مع مغناطيس الرجعية والتطرف

المواطن العربي استسلم لوصفات الصيدلي أو المذيع الذي يظهر أمامه الإشادة العلمية بمنصف السلاوي تفسر حالات الإلحاد المتسارعة بالمغرب العربي

بالضرورة لا يمكننا فصل العلاقة المنطقية بين التطور العلمي والخطاب الديني في الوطن العربي، وربما كل مكاشفات التنويريين السابقة مثل فؤاد زكريا وعبد الله العروي وعابد الجابري ونصر أبو زيد وجابر عصفور وغيرهم تؤكد أن الضلالة العلمية التي انعكست على الحياة المجتمعية للمواطن العادي جعلته فريسة سهلة القنص والاصطياد لأمراء وشيوخ التيارات الراديكالية المتطرفة الذين ربما ـوأعني وأقصد بربما الظنيةـ أنهم يعانون قدرا كبيرا من العقد النفسية المزمنة نتيجة عوامل وظروف شتى مجتمعة. 

وهذه العلاقة بين نهضة العلم وتجديد الخطاب الديني هي ما أسفرت عنه المشاهد الإخبارية المنصرمة منذ أيام قلائل، ففي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأميركي وإدارته الإفادة من جهود العالم المغربي منصف السلاوي لإنتاج لقاح مضاد لجائحة كورونا، أو بالأحرى تعيينه على رأس مبادرة البيت الأبيض لتطويرلقاح ضد فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19). راح علماء الوطن العربي يشيدون بجهود منصف السلاوي العلمية ومآثره المحمودة في المجال، وعلى حد قول سكاي نيوز عربية "لم يقتصر التفاعل على الأوساط العلمية التي أشادت بالسلاوي وسجله الحافل ،بل امتدت الحفاوة إلى المنصات الاجتماعية، فحرص المعلقون على التطرق إلى محطات من حياة العالم الذي يحمل جنسيات المغرب وبلجيكا والولايات المتحدة".


هذه الإشادة العلمية بمنصف السلاوي خارج حدود القطر المغربي تفسر حالات الإلحاد المتسارعة بالمغرب العربي نظرا لأن الجهود العلمية العربية دوما تفرخ خارج حدودنا العربية وكأننا على موعد مستدام بفرحة الوصول إلى النهائيات دونما حلم أو أمل بحصد اللقب.
واستنادا إلى التقرير الإخباري الشامل والمتكامل الذي رصدته سكاي نيوز العربية عن المسارات العلمية لمنصف السلاوي، نطالع أنه ـ السلاوي ـ قررأن ينتقل صوب بلجيكا،وهي بلد فرانكفوني، ثم درس في جامعة بروكسيل الحرة وحصل على شهادة "الإجازة" في البيولوجيا. في مرحلة موالية، نال شهادة الدكتواره في علم الأحياء الجزيئي، ثم تلقى عدة دورات في جامعات أميركية مرموقة مثل كلية هارفارد للطب وجامعة تافتس.أما في الحياة المهنية، فعمل السلاوي أستاذا بجامعة مونز البلجيكية وكتب ما يقارب مئة ورقة بحثية.


وهذا يدفعنا إلى المناخ العلمي الكفيل بتحقيق ريادة علمية حقيقية تتمثل في أبحاث جادة تتصل بواقع معاش وبحياة يأمل العلماء حقا بتغييرها للأفضل، بخلاف واقع علمي عربي موصوف ببحوث المكاتب أو المعامل المغلقة البعيدة عن حياة حقيقية حتى أنني وغيري كثيرون يفكرون بشأن هذه الأبحاث العلمية العربية بأنها أقرب إلى العالم الافتراضي أو بصورة تحقق رغبة اشتهاء صفة العلمية لديهم ببحوث تشارف عبارة ما ينبغي أن يكون!


وما أقسى التقرير العلمي الذي كتبته أمل قصري بتاريخ أغسطس 2016 تحت عنوان "البحث العلمي في مصر هواية يمارسها محترفون!". وأشارت الباحثة إلى المشكلة الحقيقية لأزمة البحث العلمي ليس في مصر وحدها بل في شتى بقاع الوطن العربي المهلل والأكثر فرحا باختيار منصف السلاوي رئيسا لفريق عمل أميركي، ومن قبل فرحته بحصول الدكتور أحمد زويل على جائزة نوبل في مناخ غير عربي. وما أشارت إليه أمل قصري هو أن أزمة البحث العلمي في مصر يمكن للعاملين في المجال إدراكها وتعريفها بسهولة، بل ربما يمكن لبعضهم اقتراح حلول لها، إلا أن وضع يدهم على المشكلة ومعرفة الحلول لا يغير من الأمر شيئًا، وبالتالي تظل ممارسة البحث العلمي أشبه بهواية وليست احترافًا.
أي أن المشكلة الحقيقية للبحث العلمي في مصر بقاؤها كهواية وربما فرصة جيدة لارتقاء السلم الاجتماعي الباهت، أو السعي لاقتناص مكاسب وظيفية لا تعكس واقع المجتمع المعرفي بصورة صادقة.

شيوخ لهم سلف صالح تركوا الاقتداء بهم زعما أن المتأخر لا يمكن أن يكون على هدى المتقدم، وأن حظهم من سلفهم انتظار شفاعتهم فقط

وتعد المشكلة الأبرز علميا في تقرير قصري الذي يفرض نفسه بقوة ونحن نرصد حالات من التقاعس العلمي العربي لمواجهة جائحة كورونا هي على حد قولها "مشكلة الباحثين الشباب الذين أرى منهم مَن لا يدرك أساسيات البحث العلمي، ولامعنى التعاون وتبادل الأفكار بحرية وعلنية مع الغير،ويكتفون بنظرة ضيقة جدًّا حول مايجب أن يقوموا به من عمل. للأسف لا يجد هؤلاء في كثير من الأحيان توجيهًا مناسبًا أو دعمًا معنويًّا أوماديًّا ممن هم أكثر خبرة، هؤلاء من المفترض أن يقودوا الاتجاهات البحثية القادمة في المستقبل القريب، ونشأتهم بهذا الضعف مؤشر على تدهور أكبر قادم". 

ومفاد إجابات الباحثين والعلميين العرب إزاء الأسئلة التي قد يصفونها دوما بالاتهامات هو غياب الوعي العلمي لدى الشارع العربي، وهي إجابة كفيلة بعكس مدى المنجز الحقيقي لهؤلاء العلماء إن صح الوصف والتوصيف لهم، فحالات الغياب العلمي الجمعي لا ولن يتحقق إلا بريادة واعية ومخلصة من جانب الباحثين والأكاديميين من خلال ندوات تثقيفية بالمدارس والنوادي والجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، وبإطلاق مبادرات جماعية وليست فردية منهم تتناول هم التثقيف العلمي لدى الناشئة والإفادة القصوى من شبكات التواصل الاجتماعي لجعلها منارات علمية أكثر تخصصا. 


وأخطر ظاهرة يمكن أن يعاني منها هذا المواطن العربي هو إقرار العلماء بجهله، لأنهم مدفوعون بحكم إخلاصهم العلمي إلى تنوير هذا المواطن العربي كونه فريسة لكافة القنوات والمواقع غير المتخصصة التي جعلته في نهاية الأمر يحتفي ويهلل فرحا بنبأ اختيار منصف السلاوي على رأس الفريق الأميركي لإنتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا.
وهذا الإقرار هو ما يرتكبه أيضا أمراء وشيوخ الفتنة الضاربين في الانتشار بعقول وأذهان وأسماع البسطاء ممن كان حظهم فقيرا من العلوم الدينية،


 فمثلا شاعت قيم النكوص والارتداد والتقاعس لدى علماء العرب في إنتاج لقاح حقيقي مؤثر لمواجهة الجائحة والإفادة من أبحاثهم الكثيرة والمتنوعة ومؤلفاتهم العلمية الرصينة بالقطعية أو حتى استنهاض الدافعية العلمية لدى المواطنين بإلقاء دروس إلكترونية للشباب المنتظر ساعات طويلة أمام شاشات الحواسيب الإلكترونية، شاعت أيضا قيم التخلف والراديكالية حينما تصاعد المد الظلامي وشاع عن طريق إسطوانات صوتية ومحاضرات مرئية وكتب ورقية وإلكترونية أيضا لبعض أمراء التكفير والهجرة وأنصار بيت المقدس وداعش وجبهة النصرة، إلخ، وهؤلاء مارسوا ولا يزالوا يمارسون سطوتهم الدينية على فئات غاب عن وعيها كل محاولات التجديد.
والمشكلة الحقيقية التي تحتاج إلى مواجهة صادقة مع النفس، هي أننا نعاني من حالة ضيق في إنتاج المعرفة، العلمية والدينية، العلمية حيث إن العلماء العرب هم الأكثر بحثا ورصدا ومراقبة لمجلة Nature أو موقع New York Post على سبيل المثال،


 ونجتر أفراحنا واهمين بعدد الاستشهادات العلمية لبعض الباحثين العرب في أبحاثهم العربية بلغات أجنبية، وهذا كفيل بتقرير حالات الغياب العلمي الأكاديمي عن الشارع العربي الأكثر والأشد احتياجا لهذه المعرفة في الوقت الذي كاد المواطن العربي أكثر حيرة في استخدامه للكحول من أجل التطهير والوقاية وهو يواجه غموض الجائحة الكونية كورونا، فلا يفطن إلى الفرق بين نسب تركيز الكحول من 70% إلى 75 % وصولا إلى نسبة تركيز 90 %، واستسلم لوصفات الصيدلي أو المذيع الذي يظهر أمامه على شاشات التلفاز.

ويبدو أننا بحق لا نواجه جائحة كورونا فحسب، بل نحن أمام مقاومة صلبة وصعبة مع مغناطيس الرجعية والتطرف؛ الرجعية العلمية المتمثلة في غياب قياس الأثر والنفع العلمي العربي، والتطرف المتمثل في أفكار وأيديولوجيات التيارات الدينية التي تصر أن تجعل الدين مضطربا بعقول البسطاء.
وإذا كان علماء العرب المعاصرون لا يزالوا يعيشون أيامهم المنصرمة بتقديسهم لما شاهدوه ورأوه وعاينوه في جامعات الغرب وأميركا دون تعريب وتمصير هذه المعرفة لوطن يستحق البقاء وهو اعتقاد بالتقليد الضعيف لم يكن له أثر في أعمالهم المجتمعية الواقعية، 

وكذلك إسراف أمراء وشيوخ التيارات الراديكالية في دراما تقديس الماضي والسلف بغير اجتهاد وظنهم على حد التوصيف الدقيق والرائع الذي قدمه الإمام المجدد محمد عبده وكأنه يتحدث عن أمراء وشيوخ النساء والفتنة في زماننا "أن لهم سلفا صالحا تركوا الاقتداء بهم زعما أن المتأخر لا يمكن أن يكون على هدى المتقدم، وأن حظهم من سلفهم انتظار شفاعتهم فقط "، فإننا أمام معركة حقيقية ذات وجهين ؛ البقاء والصمود العلمي ومن ثم الريادة، ونفي الجهالة عن العقل الذي ارتكن للاتباع دون الإبداع وفق قواعد أصيلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر

ابحث في الارشيف

الدانة نيوز الصفحة الرئيسية

الدانة نيوز الصفحة الرئيسية
الدانة نيوز هي اداة اعلامية تشكل مدخلا لمعرفة ما يدور في العالم على جميع الاصعدة والمجالات

احدث الاخبار .. الشبكة الاعلامية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

العالم الجديد

صفمة المقالات

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

مشاركة مميزة

ما هي الروح ... لا وجود للروح

ما هي الروح ... لا وجود للروح ما هي الروح من انتم لتفسروا ما هي الروح ؟؟ علق بعض السادة المحترمين على موضوع خرافة الروح وتاكيد...

تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

اعلن معنا

سلايدر الصور الرئيسي

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك

خدمات نيو سيرقيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اهلا ومرحبا بكم

وكالة انباء الدانة – مؤسسة عربية مستقلة – متخصصة في الاعلام والعلاقات العامة

ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة




لقاء مع المفكر التوسي يوسف الصديق

* * * المفكر التوسي يوسف الصديق: المصحف عمل إنساني يختلف عن القرآن ويجب الإطاحة بالأزهر والزيتونة