رجال الدين هم من احبط محاولات تجديد الثقافة العربية

رجال الدين هم من احبط محاولات تجديد الثقافة العربية
اعجبني جدا ما دار على صفحات "مجموعة الاعلام الجديد" من حوارات حول الثقافة .. لكن لفت نظري ان لا احد تقريبا ذكر ان الدين هو ايضا ثقافة ..
بل ان السلف وجماعات الاسلام السياسي والمتصلبين يعتبروا ان الدين الاسلامي هو الثقافة الوحيدة الصحيحة واي ثقافة اخرى مرفوضة وتوصف بالوضعية المارقة ويزندق اصحابها ويكفروا
ولهذا فالحقيقة التي يغفلها الجميع تقريبا هي ان الثقافة السائدة والمهيمنة والطاغية في المجتمعات العربية هي الثقافة الدينية

ولأنها هي الثقافة الطاغية في المجتمع وهي التي تشكل مزاجه وقراراته وتوجهاته وميوله ويفودها ويغذيها رجال الدين مباشرة ومن خلفهم المؤسسات الدينية وجماعات الاسلام السياسي فان اي دعوة او محاولة لتجديد وتطوير الثقافة العربية سوف يتصدى لها رجال الدين (حراس الدين) لان مصالحهم تتعارض ومع ما  ستؤدي اليه عمليات التجديد من تطوير وتغيير وتحديث في الثقافة العربية وازاحة الثقافة الدينية عن موقعها المهيمن والمسيطر والتخلى عن بعضها ورفض بعضها
وهذا يعتبره رجال الدين مسا بالثوابت واعتداء على الدين بل انه نوعا من الكفر والالحاد والاتهامات جاهزة لالقائها في وجه من يحاول تطوير وتجديد الثقافة العربية .. حتى لو كان عميد الادب العربي طه حسين

رجال الدين هم من افشل عصر النهضة في بلادنا
واذا بحثنا عن من الذي افشل كافة جهود التنوير طيلة القرن الماضي  في بلادنا ؟ ومن الذي حال دون تطور الثقافة والادب والقصة والرواية والخطاب السياسي والمناهج التعليمية وتطور الفن وتطور حتى الرياضة .. وكل ما له علاقة بالثقافة ؟
سوف نجد ان رجال الدين هم الذين افشلوا جميع الجهود التي بذلت على صعيد تطوير الثقافة العربية خلال القرن الماضي خلال الفترة التي يطلق عليها (النهضة العربية)..
فعصر النهضة كما يوصف بدأ من بداية النصف الثاني للقرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين وقد حفلت هذه الفترة بحركة فكرية وسياسية قوية ومؤثرة وكانت بمثابة ثورة على قرون من استبداد الاستعماري العثماني الذي طبع العالم العربي بسمات التخلف والبدائية والعبودية
ومن المعروف أن العالم العربي كان يعيش في حالة من التخلف الشامل، من ركود بنياته الاقتصادية والاجتماعية، وجمود بنياته الفكرية على قوالب تقليدية.
ومن المعروف أيضاً أن العالم العربي دخل في نفس الفترة الزمنية المذكورة في علاقة اصطدام مع أوروبا "الاستعمارية"، شمل مختلف أصعدة الوجود التاريخي العربي في المجتمع والفكر والوجدان.

وهذا طبعا لا يمكن ان يسمح به رجال الدين ان يتم بمعزل عنهم وتحت سيطرتهم واشرافهم .. وتمكنوا لاسباب عديدة (ليس مجال ذكرها هنا) من تصدر المشهد الثقافي والسياسي وسيطروا على الخطاب الجماهيري فكانت النتيجة اعادة انتاج الثقافة المتخلفة وتأسيس جماعات التخلف الاسلام السياسي في مواجهة العصرنة والتحديث وللحفاظ على الثوابت وعلى الثقافة الدينية

ولذا ركب رجال ومشايخ الدين موجة عصر النهضة من رفاعة الطهطاوي الى جمال الدين الافغاني الى محمد عبده وتلامذتهم الاقل شأنا ..

ومن المؤكد ان البعض يعترض ويعتبره مساسا (بصفوة رجال الامة وقادة عصر النهضة)  وان هؤلاء هم من اشادوا بالعلوم والثقافة الاوروبية ودعوا الى الاستفادة منها وتبنوا بعض وجهات النظر الاوروبية في شؤون ادارة المجتمع .. وهذا صحيح ولكنها اشادات سطحية اما جوهر كل افكارهم وثقافتهم وجهودهم الفكرية فكانت من اجل الحفاظ على الثوابت اي استخدام الحضارة الجديدة والعلوم الجدية في اوروبا وفي فرنسا تحديدا من اجل تدعيم الثقافة الاسلامية .

ولنعطي بعض الامثلة

الطهطاوي
فالطهطاوي خريج الازهر ومن ثم مدرسا في الازهر بين (1817 - 1824)، أرسل ضمن البعثة التي ذهبت إلى فرنسا من قبل محمد علي باشا حاكم مصر آنذاك لمدة خمس سنوات (1826 - 1831)، والتي كان هدف محمد علي باشا منها اكتساب معارف وعلوم فرنسا والاستفادة منها لأجل بناء دولة حديثة، ويمكن اعتبارها من أهم أحداث حياته، وكان دور الطهطاوي فيها دور الشيخ في البعثة، وحيث أيد سفره ودفعه لذلك أستاذه الشيخ حسن العطار (1766 – 1835(

وتوضح مؤلفاته حقيقة ثقافة الطهطاوي الاشعرية (الازهرية) وانه كان يعمل لتدعيم الثقافة الاسلامية وفق مفهوم الاشاعرة.

الافغاني
اما الشخصية الثانية التي تعتبر من رواد النهضة العربية وصناعها ويحتل منزلة كبرى في الاوساط الثقافية والسياسية العلمانية والاسلامية في مصر وفي بلاد العرب فهو - جمال الدين الأفغاني 1838 – 1897:
وهو ايضا شيخ مسلم لم يكن دوره لعصرنة الثقافة العربية بل لدعم وترسيخ قيم الثقافة الاسلامية وكان يرى أن سبب تخلف المسلمين هو ابتعادهم عن الدين وليس الدين ذاته.
له كتاب (الرد على الدهريين)، وكتيب (الإسلام والعلم) وهو رد على محاضرة أرنست رينان التي اتهم فيها الإسلام بعدائه للعلم.

ودعا جمال الدين الافغاني إلى نهضة الشرق وهو صاحب دعوة الجامعة الإسلامية والتي تعتمد على الإسلام في وحدتها وذلك لمجابهة الاستعمار، ودعا إلى إعطاء العقل مكانته الصحيحة والاعتماد عليه في حياتنا، وإلى العلم الذي فيه خير البشرية، وإلى التغيير السياسي عن طريق الثورة، وإلى وحدة المسلمين شيعة وسنة، وإلى أن يعيش المسلمون وفقاً لما جاء به دينهم والرجوع إلى الإسلام الحقيقي، وحارب الصوفية، وكان يرى أن سبب تخلف المسلمين هو ابتعادهم عن الدين وليس الدين ذاته.
محمد عبده (1849 - 1905):

كان يرى أن الإسلام صالح لأن يكون أساساً للحياة الحديثة، وأن المسلمين بإمكانهم الاستفادة من علوم ومعارف أوروبا دون التخلي عن إسلامهم، وأن نهضة المسلمين والعرب لابد وأن تستند إلى الدين، له موقفه المعروف من السياسية
وفي وصفه يقول مناصروه وتلامذته :
ويعتبره انصاره ومريدوه (فلكل شيخ مريدون)  من النهضويين والمصلحين العرب والمسلمين البارزين ، له دوره الواضح وأحياناً غير المباشر في التأثير على الحياة المصرية في عصره والفترة التي تليها على مختلف الأوجه، وذلك عن طريق عدد من تلامذته من قبيل (محمد رشيد رضا، وسعد زغلول، وفتحي زغلول، ومصطفى عبدالرزاق، وقاسم أمين، وطه حسين.(

تنقل الشيخ بين الأشعرية والمعتزلة إلى أن وصل إلى أشعري التوحيد معتزلي العدل، كان له أسلوب مختلف عن كثير من شيوخ الأزهر والذي اختلف معهم في بعض الآراء. قام بإصلاح بعض التنظيمات والمقررات في الجامع الأزهر، وسعى لإصلاح التحرير في اللغة العربية، كانت علاقته بالدولة العثمانية في فترة من فترات حياته غير جيدة.

للشيخ كتب أبرزها (الرد على هانوتو) و (الإسلام والنصرانية بين العلم والدين) الذي رد فيه على فرح أنطون، و (رسالة التوحيد) وشرح وتعليق على كتاب (نهج البلاغة)، وله فتاوى معروفة وكثرة، وتفسير للقران الكريم، إضافة إلى كتاباته في الصحف والمجلات.

دعا إلى تحرير العقل من التقليد، وإلى فهم الدين بصورته الحقيقية، وتحديداً إلى ما فهمه سلف الأمة قبل ظهور الخلاف، رد على مدعي السلطة الدينية، ودعا إلى إخراج الإنجليز من مصر وإلى الإصلاح والتغيير الاجتماعي لا إلى الثورة كما كان يراها أستاذه الأفغاني، ولابد من استناد هذا الإصلاح إلى الدين، وأن يكون للأسرة دورها المهم في إصلاح المجتمع حيث يبدا الإصلاح منها، وإلى الأخذ بالتربية والتعليم، وإلى المساواة بين الرجل والمرأة، وإلى ترك المسلمين البدع والأفكار التي ألصقت بالإسلام بدون وجه حق.

.---------------------
هذا هو الشخصية الدينية الثالثة في المجموعة التي ينظر لها باعتبارها قمة رواد النهضة العربية والاسلامية ولكنهم في الواقع كان مصلحون دينيين حاول كل منهم تثبيت وتعميم العقيدة الدينية (المذهبية) التي يؤمن بها وكانت في الغالب هو المذهب الاشعري (مذهب الازهر والازهريين(

التلامذة

لقد اعتبر رجال الدين من تلامذة ومريدي (طهطاوي وافغاني ومحمد عبده) اعتبروا رواد النهضة العلمانيين انهم مأجورون وعملاء للغرب وملحدون وضد الاسلام والمسلمين وحاربوهم بضراوة وما زالوا ..
فاحد تلامذة محمد عبده الدكتور محمد عمارة لا يقبل بأن يوضع المفكرون العلمانيون مثل (شبلي الشميل وفرح أنطون وطه حسين وسلامة موسى ) مع الطهطاوي والأفغاني وعبده في سلة واحدة وان يعتبروا من رواد النهضة العربية ويعتبر عمارة وكل تلامذة محمد عبده  ان شبلي الشميل وفرح أنطون وطه حسين وسلامة موسى يدعون إلى التبعية لأوروبا و الدعوة للعلمانية.
ولذلك عندما نقول ان رجال الدين هم من افشل محاولات النهوض وتحديث ثقافتنا العربية فاننا لا نتجنى فهناك الاف الكتب والابحاث والدراسات والمقالات التي تتهم العلمانيين والديمقراطيين والاشتراكيين والعقلانيين وكل من هو خارج المؤسسة الازهرية او المؤسسة الدينية عموما هو عدو وعميل ومأجور وخائن ..
وقد بذل الازهر ورجال الدين عموما والمنتمين للجماعات الدينية اقصى جهودهم في محاربة أي جهد وأي نشاط وأي محاولة للتنوير وتطوير الثقافة العربية
وقد نجحت المؤسسة الدينية للاسف الشديد بتبديد كل الجهود المخلصة التي حاولت الانعتاق من عصر العبودية ومن ثقافةو القرون الوسطى
ولذا ما زالت بلادنا ترفل بثياب العبودية القهرية .. وما زال للمؤسسة الدينية دور كبير جدا ومؤثر ويمتلكوا مهارات وكفاءات لهزيمة تيار التجديد والتنوير والتحديث والعصرنة

وقدرتهم الهائلة هذه تستند الى عامل رئيسي وأساسي وهو المجتمع المتخلف الفقير المعدم .. بسبب حالة التردي الاقتصادي والتخلف الصناعي والانتاجي وانعدام التنمية في الوطن العربي ..
ورغم المحاولات الجادة التي قام بها بعض الشجعان امثال الرئيس جمال عبد الناصر في تحقيق التنمية لنقل المجتمع من حال التخلف الى حال العصرنة الا انهم قاوموه وهزموه ..
وما زال رجا الدين يقاومون اي محاولة ويحاربوها بضراوة ..
الامر الذر الذي يفرض الانتباه والاهتمام الجدي بهذا الواقع واتخاذ السبل الكفيلة بهزيمة رجال الدين وثقافتهم البائسة وابعادهم عن الحياة السياسية لمجتمعاتنا العربية