تاريخ مكة قبل الاسلام وقبل الفتح / جزء 3

. . ليست هناك تعليقات:


تاريخ مكة قبل الاسلام وقبل الفتح / جزء 3
-----------------------------

الحالة الاجتماعية في مكة قبل الاسلام ..
كنا قد ذكرنا كيف ان قبيلة خزاعة هي اول من سكنت مكة .. ولا يذكر التاريخ اي اشارة نهائيا لمكة قبل ان يسكنها الخزاعيون ..
وتذكر الوقائع الموثقة ولها ادلة اثارية ومخطوطات ان زعيم قبيلة خزاعة هو الذي احضر الاصنام من الشام الى مكة .. وتقول نصوص تاريخية انهم هم من بنو الكعبة ايضا (لكن هذا الموضوع ليس في سياق الجزء الحالي)
النقطة التي يجب الاشارة اليها ان قبيلة قريش بزعامة قصي بن كلاب تمكنت من السيطرة على الزعامة في مكة وخسرها الخزاعيون حيث ان قصي بن كلاب (ويقال ايضا انه هو من احضر الاصنام من الشام) تزوج ابنة زعيم قبيلة خزاعة ولم يكن له ابناء ذكور فعندما توفى ورثته زوجة قصي وطبعا هذا لا يتوافق مع تقاليد القبائل البدوية (الشمالية) (علما بانه في الجنوب حمت النساء 14 مملكة عربية) ان ترث زعامة المدينة امرأة فانتزعها منها قصي بن كلاب وهكذا سيطرت قريش على مكة وذلك في اواخر القرن الخامس الميلادي .
ومن المعروف انه لم يكن للعرب قبل الإسلام دولة تجمعهم، بل كان المجتمع يتكون من عدد من القبائل المتناحرة، إذ كانت الحروب مستمرة فيما بينها لأسباب تافهة كالتسابق على موارد الماء وأماكن الرعي، والتنافس على الشرف والرئاسة. والاية "قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَاناً } .(سورة ال عمران(
.
وهكذا كانت الاحوال في مكة نزاع بين القبائل على الزعامة في قبلي يتكون من ثلاثة فئات -
اولا - القرشيون وكانت تقسم إلى قريش البطاح وقريش الظواهر وكان التمايز والتمييز في المكانة الاجتماعية سمة عامة صارخة في مكة لاسباب منها العلاقة بادارة شؤون مكة (يعني حكومة مكة) وكثرة عدد أفراد البطن الواحد، من القبيلة حيث القوة العددية كان لها قدسية ومكانة معتبرة
اضافة طبعا الى المال والذي يشكل على الدوان الدعامة ألاساسية في تحديد وتصنيف المكانة الاجتماعية
ثانيا - حلفاء قريش وهم من قبائل عربية حالفت قريش وامتزجوا بهم عن طريق النسب والزواج وتمتع هؤلاء ايضا بمنزلة اجتماعية محترمة لكنهم ظلوا دون القرشيين اصحاب البلد والنفوذ .
ثالثا - الموالي والرقيق ومنزلتهم في المجتمع دونية وحقيرة مارسوا أعمالا مختلفة يترفع القرشيون وحلفائهم عن ممارستها ومنها معظم الاعمال اليدوية وتعود أصولهم بعض أقاليم الجزيرة العربية وأفريقيا وفارس والروم,


ايات القران تفسر الواقع افضل تفسير
قليلون جدا من استخدموا ايات القران الكريم في تفسير الاحوال والاوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية سواء للعرب (تحديدا اهل مكة) قبل الاسلام .. وحال المسلمين في المدينة بعد الهجرة ..
رغم ان كل اية من ايات القران الكريم كان لها سببا للنزول وترتبط بحادثة والحادثة طبعا ترتبط بمجموعة من الامور الواقعية ..
ومن المؤكد ان من يقرأ التاريخ بعمق قراءة تحليلية ....ويضع امامه آيات القرآن الكريم، سوف يتمكن بسهولة معرفة طبيعة المجتمع المكي والمديني وتكوينهما الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني والنفسي وقيمه وعاداته وتقاليده، من خلال العودة لأسباب نزول الآيات ,
وبصفة عامة وقبل الدخول بالتفاصيل في الصفحات التالية توضح ايات القران الكريم الاوضاع المتخلفة البدائية تقريبا التي كان يعيشها عرب شبه الجزيرة العربية بمن فيهم سكان مكة التي كانت تعتبر مركزاً دينيا مقدسا ومميرا تجاريا هاما وكلها تعيش حالة من التخلف والانحطاط بكل معنى الكلمة .
حيث الخرافة والامية والجهل تسيطر على العرب , ففي مكة التي تعتبر الاشهر والاكثر رقيا من المناطق الاخرى لم يكن فيها احد يعرف القراءة والكتابة غير عدد قليل يعدّ على الأصابع .
وهذا ما تؤكده الادلة التي ذكرها المؤرخون ، رغم ان هناك من حاول نفي هذه المعلومات ويبرهن على ان المجتمع قبل الاسلام لم يكن مجتمع متخلف وامي وجاهل ..


الفقر والبؤس عام وشامل في مكة وشبه الجزيرة
لعل من اكثر الشواهد التي تكشف عن حال العرب قبل الاسلام ما قاله جعفر بن ابي طالب للنجاشي ملك الحبشة خلال هجرته ومجموعة من المسلمين الى الحبشة حيث وصف حال العرب يقوله :
)أيها الملك كنّا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونُسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا لتوحيد الله وأن لا نُشرك به شيئاً، ونخلع ما كنا نعبد من الأصنام، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم، وأمرنا بالصلاة والصيام) .
اظن الصورة واضحة تماما ومكثفة وصادرة من احد اعلام المسلمين ومن اكثرهم شهرة .. فالصورة تقول ان المجتمع الجاهلي كان مجتمعا منحطا اخلاقيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وعقائديا وحتى امنيا ..
وبينما كان العرب في مكة وما حولها وفي شبه الجزيرة كلها لا يعرفون في تلك الفترة مفهوم الدولة والسلطة السياسية ولا التنظيم الإداري، ولا الحياة المدنية المستقرة. كانت تحيط بهم ثلاث دول ذات تاريخ وحضارات عظيمة هي دولة الاحباش في الجنوب (الحبشة واليمن) ودولة الفرس في الشرق (ايران والعراق) .. ودولة الروم في الشمال .. (بلاد الشام)
ومن المؤكد وغير القابل للنقاش ان المناطق الاكثر تحضرا ترسل اشعاعها الثقافي والفكري والسياسي والاقتصادي الى المناطق المتخلفة (فكروا بهذه الجملة كثيرا)
فاهل مكة وما شابهها من تجمعات بشرية كانت تعيش كما ذكرنا نظاما قبيليا تتسلط القبيلة القوية على القبائل الاضعف .. ويتسلط سادة القبيلة واثريائها واقويائها على ضعفائها وفقرائها من العبيد ..
وكان التمييز في مكة صارخا وبشكل لا يحتمل الجدل او المكابرة فهناك طبقة الاثرياء ذوى الامكانات النالية الضخمة مثل (ابو سفيان وابو لهب والعباس بن عبد المطلب ,, وعدد اخر محدود واقل ثراء نسبيا منهم ابو بكر وعثمان .. وكانوا يمثلون الطبقة الراسمالية التي تمارس الربا والتجارة وهي التي تمتلك السيادة والسيطرة على مكة والبيت الحرام والتجارة وهي صاحبة النفوذ بين قبائل العرب.
ثم طبقة الفقراء من العرب سواء من ابناء قبيلة قريش او من ابناء القبائل الحليفة فكانت تعيش حالة من البؤس والحرمان والاضطهاد لا يتميزوا كثيرا عن طبقة العبيد وهي الطبقة الثالثة المنبوذة الفقيرة البائسة التي تعامل كما الحيوانات بل اكثر وحشية وقسوة احيانا
شهادة على الواقع من القران .. الفقر والحرمان
بشكل عام كان الفقر والبؤس والجهل والمرض، امورا عادية وطبيعية تسيطر على قبائل العرب المتناثرة في جزيرتها الصحراوية الموحشة او على سفوح جبالها الجرداء.
وفي الاية رقم 31 من سورة الاسراء اشارة واضحة وصريحة تكشف حال الفقر ولابؤس التي كان عليها العرب قال تعالى (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم) الإسراء/ 31.
وقد فسر الطبري الاية بما يلي :
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ خَشْيَة إِمْلَاق نَحْنُ نَرْزُقهُمْ وَإِيَّاكُمْ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره :{ وَقَضَى رَبّك } يَا مُحَمَّد { أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } , { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ خَشْيَة إِمْلَاق }فَمَوْضِع تَقْتُلُوا نُصِبَ عَطْفًا عَلَى أَلَّا تَعْبُدُوا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { خَشْيَة إِمْلَاق } خَوْف إِقْتَار وَفَقْر . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى وَذَكَرْنَا الرِّوَايَة فِيهِ . إِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ لِلْعَرَبِ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ الْإِنَاث مِنْ أَوْلَادهمْ خَوْف الْعَيْلَة عَلَى أَنْفُسهمْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِنَّ , كَمَا : 16812 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا زَيْد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ خَشْيَة إِمْلَاق } : أَيْ خَشْيَة الْفَاقَة , وَقَدْ كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَقْتُلُونَ أَوْلَادهمْ خَشْيَة الْفَاقَة , فَوَعَظَهُمْ اللَّه فِي ذَلِكَ , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ رِزْقهمْ وَرِزْق أَوْلَادهمْ عَلَى اللَّه , فَقَالَ : { نَحْنُ نَرْزُقهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلهمْ كَانَ خَطَأ كَبِيرًا } . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { خَشْيَة إِمْلَاق } قَالَ : كَانُوا يَقْتُلُونَ الْبَنَات . 16813 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ خَشْيَة إِمْلَاق } قَالَ : الْفَاقَة وَالْفَقْر . 16814 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله { خَشْيَة إِمْلَاق } يَقُول : الْفَقْر . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ خَشْيَة إِمْلَاق نَحْنُ نَرْزُقهُمْ وَإِيَّاكُمْ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَقَضَى رَبّك } يَا مُحَمَّد { أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } , { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ خَشْيَة إِمْلَاق } فَمَوْضِع تَقْتُلُوا نُصِبَ عَطْفًا عَلَى أَلَّا تَعْبُدُوا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { خَشْيَة إِمْلَاق } خَوْف إِقْتَار وَفَقْر . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى وَذَكَرْنَا الرِّوَايَة فِيهِ . إِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ لِلْعَرَبِ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ الْإِنَاث مِنْ أَوْلَادهمْ خَوْف الْعَيْلَة عَلَى أَنْفُسهمْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِنَّ , كَمَا : 16812 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا زَيْد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله{ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ خَشْيَة إِمْلَاق } : أَيْ خَشْيَة الْفَاقَة , وَقَدْ كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَقْتُلُونَ أَوْلَادهمْ خَشْيَة الْفَاقَة , فَوَعَظَهُمْ اللَّه فِي ذَلِكَ , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ رِزْقهمْ وَرِزْق أَوْلَادهمْ عَلَى اللَّه , فَقَالَ : { نَحْنُ نَرْزُقهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلهمْ كَانَ خَطَأ كَبِيرًا } .


على خطى العميد .. القران اصدق مراة لعصره ..
يرى العميد د.طه حسين أن مرآة الحياة " الجاهلية " يجب أن تلتمس من القرآن ، أي أنك إذا أردت أن تكون فكرة كاملة عن حياة العرب قبل الإسلام ( يسميها العميد : الجاهلية ) فـ ( أدرسها في القرآن ، فالقرآن أصدق مرآة للعصر الجاهلي ، ونص القرآن ثابت لا شك فيه ) (1(

والقرآن الكريم يحدثنا أن بعض العرب كان يئد أولاده خشية العوز والإملاق ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ، نحن نرزقهم وإياكم ) ( سورة الإسراء الآية / 31 ) ومن البديهي أن الذي كان يقدم على تلك الفعلة الشنعاء ، انما كان من الفقراء المستضعفين لا من الأغنياء المترفين ، ووصول الأمر بالعض ليفعل ذلك دليل أكيد على انحداره لحد هاوية العسر الشديد إذ أنه لم يجد ما يطعم به أولاده ففضل قتلهم على موتهم جوعاً بين يديه ،

واضطراب الأحوال الاجتماعية في مجتمع مكة واختلال أحواله ووجود النسبة الغالبة فيه من المعوزين المملقين جعل هؤلاء يسارعون إلى الاستجابة لنداء محمد ( ص ) ، بمحو الفوارق الطبقية والتمايز الاجتماعي .. ( روى يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في المسجد جلس المستضعفون من أصحابه : عمار بن ياسر ، وخباب بن الأرت ، وصهيب ابن سنان وبلال بن رباح وأبو فكيهة ، وعامر بن فهيرة وأشباههم من المسلمين ، فتهزأ قريش بهم ، ويقول بعضهم لبعض : هؤلاء جلساؤه قد من الله عليهم من بيننا) ، (2(

ولم يكن المستضعفون من الرجال وحدهم هم الذين استجابوا لمحمد ( ص ) ، بل فعلها كذلك عدد من النساء منهن : سمية أم عمار بن ياسر ، ولبينة جارية بني المؤمل من رهط عدي بن كعب ، وزنيرة جارية أبي جهل ، والنهدية مولدة نهد بن زيد ثم صارت لامرأة من بني عبد الدار وأم عبيس أمة لبني زهرة ) (3)
، هذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن تردي الأحوال الاجتماعية بلغ حداً اضطر النساء للثورة مع ملاحظة وضع المرأة ووعيها حينذاك ، وهؤلاء العبيد والإماء كانوا في ملك أفخاذ وبطون بارزة من قريش مثل : بني عبد الدار ، بني مخزوم ، بني زهرة ، بني عدي ، بني تيم ، بني جمح ...الخ ولا شك أن ما عانوه من ظلم اجتماعي فادح أوقعه عليهم سادتهم المترفون دفعهم إلى الهرولة للاستجابة إلى الصيحة التي أطلقها محمد ( ص ) والتي انتهت في آخر الشوط إلى إقامة الدولة في " يثرب " خاصة وأن تلك الصيحة كانت مضخمة بروح العدالة الاجتماعية والمساواة
--------------------
1- ( د.طه حسين ، في الشعر الجاهلي ، ص16 ، ط1 ، 1344هـ / 1926 م، مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة ) ،
2 - ( أحمد يحي المعروف بالبلاذري في أنساب الأشراف ، الجزء الأول ، ص156 ، ط1 ، 1959م ، سلسلة " ذخائر العرب " سنة 1927 م ، أخرجه معهد المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية بالاشتراك مع دار المعارف بمصر )
3 - ( المرجع نفسه ، ص198 )
----------------------
تصوير اهل مكة بالتجارة مبالغة تزويقية تجميلية لا تتفق والواقع ..
حاول المرخ الاسلامي المؤمن ان يجمل مكة واهل مكة حتى ما قبل الاسلام ليرفع من مكانة العائءلات المكية القرشية بعد ان اصبحت هي السلطة والحكم ومنها السادة والقادة .. ومن عمليات التجميل تلك تصوير اهل مكة بانهم تجار واثرياء وعظماء ومتحضرين واكابر .. طبعا يجب ان يكونوا كذلك فهم اهل الرسول علية الصلاة والسلاك .. ومنهم الامويون حكام الاسلام وبلاد المسلمين ومنهم العباسيين ملوك نصف العالم واسياد المسلمين ..
لكن الواقع غير ذلك تماما الواقع ان مكة كان يوجد فيها كما ذكرنا سابقا فئة الأغنياء: وهم الأحرار الأشراف، ومنهم ينتخب زعماء القبيلة؛ فئة من الأثرياء والسادة وأصحاب رؤوس الأموال، أمثال أبي سفيان ، وأبي لهب، والوليد بن المغيرة، وغيرهم. سماهم القرآن الكريم الأغنياء والملأ( )، وكانوا يمثلون الطبقة الغنية المترفة الربوية، المحتكرة للتجارة والمال والسلطة. فبسيطرتها على مكة وعلى البيت الحرام، أضحت تملك نفوذاً واسعاً بين قبائل العرب. وتربط علاقات تجارية مع التجار بالشام واليمن وباقي المناطق، وعلاقات صداقة مع الملوك وذوي الشأن( ).

أما فئة الفقراء والمساكين: فئة سماها القرآن الكريم في سورة التوبة( ) الفقراء والمساكين والغارمين، وفرض على الأغنياء تقديم جزء من المال لهؤلاء. قال تعالى:إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( )، تشمل الفقراء الأحرار والموالي، الأحرار يتمتعون بحريتهم ويعتزون بنسبهم وتربطهم بقبيلتهم روابط متينة، منهم المساكين والمعدمين والخدم والأجراء. فالفقر لم يكن يحد من حرية الرجل والمرأة العربيين، فمهما يكونا فقيرين فهما مالكين لحريتهما وشرفهما. أما الموالي فهم صنفان: العتقاء والحلفاء. يقال عن الصنف الأول: فلان مولى عتاقة، ومولى عتيق، ومولاة عتيقة، وموالٍ عتقاء، ونساء عتائق، وذلك إذا أعتقن(1 (

أما الحلفاء فهم السكان الغير أصليين، الوافدين على القبيلة من الخارج، المحالفين لهم على أساس عقد عرفي يقضي بالنصر والدفاع المشترك، في حالة الحرب.
قال الدقيقي(ت613هـ) "الْمولى الحليف وَمن انْضَمَّ إِلَيْك فمنعته وَعز بعزك"( )، فهؤلاء في غالبهم الأعم في مرتبة ثانية في المجتمع العربي القائم على أساس العصبية. وطبعا لا يمكننا التعميم، إذ من الممكن أن يوجد من بين الموالي من ينتمي إلى الفئة الأولى، كما هو حال صهيب بن سنان الرومي(ت38هـ)، المكنى بأبي يحيى مولى عَبْد الله بْن جُدْعان، الذي اشتغل بالتجارة وجمع مالا كثيرا، وهو الذي افتدى نفسه بالمال حين هاجر إلى المدينة( 2(

اما فئة المعدمين: العبيد والخدم والجواري، ولقد كانوا يعدون جزءا من ممتلكات الأغنياء، يتاجرون فيهم، يباعون ويشترون، وعلى أكتاف هذه الفئة قامت كل الأعمال الاقتصادية الفلاحية والتجارية والخدماتية. فئة المعدمين والمستخدمين والأجراء والعبيد، الذين كانوا يعيشون حياة الفقر والبؤس والاضطهاد الاجتماعي. وهذه الجماعة لم تكن تعيش حالة الفقر والبؤس وحسب، وإنما كانت تعامل معاملة الحيوانات والوحيش، ويتواصل معها بلغة تواصل وحيدة هي "السياط والأقدام".
أما الفقر والبؤس والاضطهاد والجهل والتجاهل والمرض فمن خصائص هذه الفئة. ومنهم: "بِلَالٌ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَأُمُّ عُبَيْسٍ، وَزِنِّيرَةُ الَّتِي أُصِيبَ بَصَرُهَا ثُمَّ رَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا، وَالنَّهْدِيَّةُ وَابْنَتُهَا، وجَارِيَة بَنِي مُؤَمَّلٍ"( ). وهؤلاء أشهر من تعرض للتعذيب من قبل المعارضة المكية.
-------------------------
1 - محمد أفقير(صهيب) - باحث في تاريخ الإسلام - أستاذ باحث في تاريخ الإسلام وحضارته (المغرب)
2 - نفس المصدر

----------------------------------0000000000000000000000

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى التكرم بالالتزام بقواعد حرية الراي وحقوق النشر

ابحث في الارشيف

الدانة نيوز الصفحة الرئيسية

الدانة نيوز الصفحة الرئيسية
الدانة نيوز هي اداة اعلامية تشكل مدخلا لمعرفة ما يدور في العالم على جميع الاصعدة والمجالات

احدث الاخبار .. الشبكة الاعلامية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

العالم الجديد

صفمة المقالات

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

مشاركة مميزة

ما هي الروح ... لا وجود للروح

ما هي الروح ... لا وجود للروح ما هي الروح من انتم لتفسروا ما هي الروح ؟؟ علق بعض السادة المحترمين على موضوع خرافة الروح وتاكيد...

تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

اعلن معنا

سلايدر الصور الرئيسي

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك

خدمات نيو سيرقيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اهلا ومرحبا بكم

وكالة انباء الدانة – مؤسسة عربية مستقلة – متخصصة في الاعلام والعلاقات العامة

ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة




لقاء مع المفكر التوسي يوسف الصديق

* * * المفكر التوسي يوسف الصديق: المصحف عمل إنساني يختلف عن القرآن ويجب الإطاحة بالأزهر والزيتونة